[مِسعَرُ حَرب
23-12-2010, 07:25 PM
http://images.msoms-anime.net/images/70952060178198787285.gif (http://www.msoms-anime.net/t150785.html)
http://images.msoms-anime.net/images/68061843818782839897.jpg
الحمد لله حمداً يقتضي من إحسانه المزيد ، ويبلغنا من رضوانه ما نؤمل ونريد ، والصلاة والسلام على من هدانا إلى المنهج السديد ، محمد الذي هو على أمته شهيد ، وعلى آله وأصحابه ذوي المجد المشيد ، ما سار راكب في البيد .
حديثنا اليوم عن عاصمة دولة الإسلام الأولى ، ومضجع النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وأصحابه -رضوان الله تعالى عليهم- ، دار المهاجرين والأنصار ، الأرض الطيّبة المباركة ، مهبط الوحي ، ومأرز الإيمان ، محفوظة الأركان ، إنها المدينة ومن لا يعرفها فهي كالنجم للثريا ،، المحبوبة الحبيبة ،، على أنقابها حراس من الملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال ،، وهي حرم الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- ..
هنيئاً لمن صلى في مسجدها ولمن صبر على لأوائها ،، وهنيئاً لمن شَرُفَ بسكناها
http://images.msoms-anime.net/images/92446077875813349153.jpg
لقد أكرم الله مدينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالحفظ والتحصين من كثير من الفتن ومنها الطاعون والدجال ، إن الإقامة بالمدينة طيبة الطيّبة لنعمة عظيمة ومنحة كبيرة ، فيها راحة للنفس وطمأنينة للقلب ، فهي واحة الإسلام ومأرز الإيمان .
وما أعظم أن يعيش الإنسان بجوار أفضل الخلق سيد ولد آدم -صلوات ربي وسلامه عليه- ، وفي هذه البقعة المباركة التي اختاراها الله لمسكن نبيه وخليله -صلى الله عليه وسلم- ، ومركز دعوته ومنطلق غزواته وجهاده .
فليقم المقيم بها متمسكاً بسنته متبعاً لأوامره متحملاً الصعاب إن وجدت ، راجياً في ذلك جواره في الآخرة .
لذا فمن واجبي نحو مدينتي الغالية ، قررت أن أكتب هذه الوريقات ،، وفاءاً مني لحبيبتي طَيْبَة الطيّبة المحبوبة ، العزيزة على قلبي جداً ، راجياً في ذلك الأجر والثواب ، وأسأل الله أن يرزقكم جميعاً زيارة هذه البقعة المباركة ، والصلاة في مسجدها .
أسألك اللهــــم أن تميتني في مدينة رســولك -صلى الله عليه وسلم- غير مفتون ، وأن تحشرني مع عبادك (السابقون الأولون) ، اللهم ولا تخزني يوم يبعثون ..
http://images.msoms-anime.net/images/98893743074379623179.jpg
أنا المدينة مـن في الكــــــــــون يجهلــــــــني....ومــــن تــــراه درى عـــــني ومــــــــــــــا شغــــــــــــــلا
تتلمذ المجد طفلاً عنـــــــــد مدرستــــــــي....حــــــــــــتى تخــــــرج منهـــــــــــــا عالمــــــــــــــــــاً رجـــــــــــــلا
فتحت قلـــبي لخير الخلــــــــق قاطبــــــــــــة....فلم يفــــــــــــارقه يومــــــــاً منــــــــــذ أن دخـــــــــــــــــــلا
وصرت سيدة الدنيـــــــــــا به شرفـــــــــــــــاً.....إسمي لكـــــــــــل حدود الأرض قد وصــلا
ومسجدي كان بل ما زال أمنيـــــــة.....تهفو إليه قلـــــــــــــوب ضلــــــــــــــت السبــــــــــــلا
فكــــــــــــل مغـــــــــترب داويـــــــت غربتـــــــه.....مسحـــــــت دمعتــــــــــــــــه حوّلتهــــــــا جـــــــــــــــذلا
وفي هواي مـــــــــلايين تنـــــــــام علــــــــــــى.....ذكري وتصحو على طيفي إذا ارتحــلا
تنافسوا في غرامــــــــــــي أرسلوا كتبـــــــا.....وأنفقوا عندهــــــــــا الركبــــــــــــان والرســــــــــــــــلا
أنـــــــــــــا المنورة الفيحـــــــاء ذا نســـــــــــبي.....إذا البــــــــــــدور رأتــــــني أطرقــــت خَجـــــــــلا
لشاعر المدينة : عبد المحسن حليت مسلّم
http://images.msoms-anime.net/images/66575026545066988466.jpg
أخي الحبيب أن الله عز وجل يخلق ما يشاء ويختار ،،، فاختار طيبة مهاجراً لرسوله ومهبطاً لوحيه ،، وإشعاع نور أضاء الدنيا بنور الإسلام ،،، طابة عاصمة دولة الإسلام الأولى ،، ومنارة العلم والباسقة ،، موطن الذين تبوّؤوا الدار والإيمان ،، لا يخفى على مسلم مكانتها ، وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أحاديث كثيرة تدل على فضلها .
http://images.msoms-anime.net/images/65064852663790299690.jpg
ومن الواجب أن يلاحظ المسلم الأدب في سكنى المدينة ، بالتمسك والاستقامة على الدين ، فإنه مما يزداد تأكدا فيها وفي مكة شرفهما الله أكثر من غيرهما من البلاد ، إذ المعصية تغلظ في المكان الفاضل ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله " المعاصي في الأيام المفضلة والأمكنة المفضلة تغلّظ وعقابها بقدر فضيلة الزمان والمكان " .
فتذكر أخي ذلك كلما هممت بمعصية ...
إن الله سبحانه وتعال جعلها حرماً آمناً كما جعل مكة حرماً آمنا ، وقد جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال (( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ )) ، وفي بعض الروايات (( إِنَّهَا حَرَمٌ آمِنٌ )) أي : المدينة .
والمقصود من هذا التحريم المضاف إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- وإلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، هو إظهار التحريم ، وإلا فإن التحريم من الله عز وجل ، وهو الذي جعل هذا حرماً ، وجعل هذا حرما .
واختص الله سبحانه ، هاتين البلدتين بهذه الصفة ( أي : الحرمة ) دون سائر البلاد ، ولم يأت دليل ثابت على تحريم شيء غير مكة والمدينة ، وقد أخطأ كثير من الناس في إطلاق ثالث الحرمين عن المسجد الأقصى وهو خطأ شائع ، ولكن الصحيح أن يقال ثالث المسجدين لحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- ((لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى )) متفق عليه ، وقد أخطأ من أطلق الحرم على المسجد النبوي فقط ، لأنه ليس هو الحرم وحده بل المدينة كلها حرم ، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ((الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ )) متفق عليه ، وقال عليه الصلاة والسلام (( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا، لَا يُقْطَعُ عِضَاهُهَا، وَلَا يُصَادُ صَيْدُهَا )) .
اللَّابَتَانِ الْحَرَّتَانِ وَاحِدَتُهُمَا لَابَةٌ ، وَهِيَ الْأَرْضُ الْمُلْبَسَةُ "حِجَارَةٌ سَوْدَاءُ" ، وَلِلْمَدِينَةِ لَابَتَانِ شَرْقِيَّةٌ وَغَرْبِيَّةٌ وَهِيَ بَيْنَهُمَا ، والعِضَاه : كل شجر فيه شوك .
ومن المعلوم أن المدينة قد اتسعت في هذا الزمن حتى خرج جزء منها عن الحرم ، ولهذا لا يقال إن كل المباني الموجودة في المدينة من الحرم ، ولكن ما كان داخل حدود الحرم فإنه يطلق عليه أنه من المدينة .
http://images.msoms-anime.net/images/02957662984771901073.jpg
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ((صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ، إِلَّا المَسْجِدَ الحَرَامَ )) متفق عليه .
فهذا فضل عظيم وموسم من مواسم الآخرة ، الأرباح فيه مضاعفة ، ليست بالعشرات ولا بالمئات ، ولكن أكثر من الألف ، أن التضعيف لأجر الصلاة بأكثر من ألف ليس مقيد بالفرض دون النفل أو العكس ، بل لهما جميعاً ، لإطلاقه صلى الله عليه وسلم (( صلاة )) ، فالفريضة بألف فريضة ، والنافلة بألف نافلة .
كما أن التضعيف الوارد في الحديث ليس مختصاً في البقعة التي هي المسجد في زمانه -صلى الله عليه وسلم- ، بل لها ولكل ما أضيف إلى المسجد من زيادات .
ومن ذلك أيضاً وجود البقعة التي وصفها النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنها روضة من رياض الجنة ، قال -صلى الله عليه وسلم- (( مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي)) متفق عليه ..
لهذا الفضل العظيم لا أدري كيف لساكن المدينة أن يضيع هذا الأجر ! ، إلا إذا كان مشغولاً ، أما الحجاج والمعتمرين والزوار فهي مصيبة يأتي من مكان بعيد ويقطع الفيافي ؛ وبعد هذا كله يضيّع وقته فيما لا خير فيه ...
http://images.msoms-anime.net/images/12426948827846865133.jpg
قال عليه الصلاة والسلام (( مَنْ جَاءَ مَسْجِدِي هَذَا، لَمْ يَأْتِهِ إِلَّا لِخَيْرٍ يَتَعَلَّمُهُ أَوْ يُعَلِّمُهُ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَنْ جَاءَ لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ يَنْظُرُ إِلَى مَتَاعِ غَيْرِهِ )) رواه الإمام أحمد وابن ماجه وصححه الألباني .
قال السندي " أَرَادَ مَسْجِدَهُ وَتَخْصِيصُهُ بِالذِّكْرِ إِمَّا لِخُصُوصِ هَذَا الْحُكْمِ بِهِ أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ مَحَلًّا لِلْكَلَامِ حِينَئِذٍ وَحُكْمُ سَائِرِ الْمَسَاجِدِ كَحُكْمِهِ " أ هـ .
وقال الإمام الشوكاني رحمه الله " فيه تصريح بأن الأجر المرتب على الدخول إنما يحصل لمن كان في مسجده -صلى الله عليه وسلم- ، ولا يصح إلحاق غيره به من المساجد التي هي دونه في الفضيلة لأنه قياس مع الفارق " أ هـ . والله أعلم ، وقد ضعف الحديث الدارقطني وغيره من أهل العلم ...
وأما تشبيه طالب العلم بالمجاهد في سبيل الله ( أَنَّهُ إِحْيَاءٌ لِلدِّينِ وَإِذْلَالٌ لِلشَّيْطَانِ وَإِتْعَابٌ النَّفْسِ وَكَسْرُ ذُرَى اللَّذَّةِ ) ، وطلب العلم والجهاد نفعهما متعد إلى عموم المسلمين ، كما أن طلب العلم والجهاد فرض كفاية وقد يكون في بعض الأحوال فرض عين .
http://images.msoms-anime.net/images/02595033996025172574.jpg
ومن فضائلها : أنها لا يدخلها الطاعون ولا الدجال ، قال عليه الصلاة والسلام ((عَلَى أَنْقَابِ المَدِينَةِ مَلاَئِكَةٌ لاَ يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ، وَلاَ الدَّجَّالُ)) ، أنقاب المدينة : طرقها .
وجاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث ، وفيه (( يَأْتِي الدَّجَّالُ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ الْمَدِينَةِ بَعْضَ السِّبَاخِ الَّتِي بِالْمَدِينَةِ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ هُوَ خَيْرُ النَّاسِ، أَوْ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ، فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ الَّذِي حَدَّثَنَا عَنْكَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَدِيثَهُ، فَيَقُولُ الدَّجَّالُ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ هَلْ تَشُكُّونَ فِي الأمْرِ؟ فَيَقُولُونَ : لا ، فَيَقْتُلُهُ، ثُمَّ يُحْيِيهِ ، فَيَقُولُ : حِينَ يُحْيِيهِ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّى الْيَوْمَ، فَيَقُولُ الدَّجَّالُ : أَقْتُلُهُ فَلا أُسَلَّطُ عَلَيْهِ )) ، وأيضاً قال النبي -صلى الله عليه وسلم- (( لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ إِلا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ ، لَيْسَ لَهُ مِنْ نِقَابِهَا نَقْبٌ إِلا عَلَيْهِ الْمَلائِكَةُ صَافِّينَ يَحْرُسُونَهَا ، ثُمَّ تَرْجُفُ الْمَدِينَةُ بِأَهْلِهَا ثَلاثَ رَجَفَاتٍ ، فَيُخْرِجُ اللَّهُ كُلَّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ )) ..
http://images.msoms-anime.net/images/62407932001698915651.jpg
ومن فضائلها : ما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه وصفها بأنها قرية تأكل القرى ، قال عليه الصلاة والسلام ((أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ القُرَى ، يَقُولُونَ يَثْرِبُ ، وَهِيَ المَدِينَةُ ، تَنْفِي النَّاسَ كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ )) والمراد هنا : أنه أمر بالهجرة إلى هذه القرية ، وقوله عليه الصلاة والسلام (( تَأْكُلُ القُرَى )) أي : بأنها تنتصر عليها ، وتكون الغلبة لها على غيرها من القرى ، أو بأنها تُجلّبُ إليها الغنائم التي تحصل في الجهاد في سبيل الله ، وتنقل إليها ، وكل هذين الأمرين قد وقع وحصل ، فقد تغلبت هذه المدينة على غيرها من المدن ، بأن انطلق منها الهداة المصلحون والغزاة الفاتحون ، وأخرجوا الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم ، فدخل الناس في دين الله عز وجل وكل خير حصل لأهل الأرض فإنما خرج من هذه المدينة المباركة ، مدينة المصطفى -صلوات ربي وسلامه عليه- ، فكونها تأكل القرى يصدق على كون الانتصار لها على غيرها من القرى ، كما حصل من ذلك في الصدر الأول ، مع الرعيل الأول من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ، والخلفاء الراشدين -رضي الله عنهم وأرضاهم- وكذلك أيضاً حصول الغنائم والإتيان بها إليها ، وهذا أيضاً قد حصل ، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- ، أخبر عن إنفاق كنوز كسرى وقيصر في سبيل الله ، وقد حصل ذلك ، فقد أُتي بهذه الكنوز إلى المدينة المباركة ، وقسمت على يد الفاروق رضي الله عنه .
http://images.msoms-anime.net/images/12795400423374486018.jpg
ومن فضائلها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يؤتى بأول الثمر ، فيقول (( اللهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي ثَمَرِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا، اللهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَبْدُكَ وَخَلِيلُكَ وَنَبِيُّكَ، وَإِنِّي عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وَإِنَّهُ دَعَاكَ لِمَكَّةَ، وَإِنِّي أَدْعُوكَ لِلْمَدِينَةِ بِمِثْلِ مَا دَعَاكَ لِمَكَّةَ، وَمِثْلِهِ مَعَهُ )) ، ثم يعطيه أصغر من يحضر من الولدان . وعند الإمام البخاري (( اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا المَدِينَةَ كَمَا حَبَّبْتَ إِلَيْنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ )) .
وكانوا يفعلون ذلك رغبة في دعائه لهم ، والدعاء بالبركة هنا يشمل الدنيويّ والأخرويّ ، ومعنى البركة : ( النماء والزيادة والثبات واللزوم ) .
قال النووي : " الظاهر من هذا كله أن المراد البركة في نفس الكيل في المدينة بحيث يكفي المد في المدينة لمن لا يكفيه في غيرها ، وهذا أمر محسوس عند من سكنها " أ هـ .
http://images.msoms-anime.net/images/35229225190144149038.jpg
ومن فضائلها أيضاً : أن الأيمان يأرز إليها ، قال -صلى الله عليه وسلم- ((إِنَّ الإِيمَانَ لَيَأْرِزُ إِلَى المَدِينَةِ كَمَا تَأْرِزُ الحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا)) متفق عليه .
ومعناه أن الإيمان يتجه إليها ويكون فيها ، والمسلمون يؤمّونها ويقصدونها ، يدفهم إلى ذلك الإيمان ومحبة هذه البقعة المباركة التي حرمها الله سبحانه وتعالى .
ويأرز : ينضم إليها ، ويجتمع بعضه إلى بعض .
قال المهلب: فيه أن المدينة لا يأتيها إلا المؤمن، وإنما يسوقه إليها إيمانه ومحبته للنبي -صلى الله عليه وسلم- فكأن الإيمان يرجع إليها كما خرج منها أولا ، ومنها ينتشر كانتشار الحية من جحرها ، ثم إذا راعها شيء رجعت إلى جحرها ، فكذلك الإيمان لما دخلته الدواخل لم يقصد المدينة إلا مؤمن صحيح الإيمان .
http://images.msoms-anime.net/images/24352152172179316038.jpg
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - (( لاَ يَكِيدُ أَهْلَ المَدِينَةِ أَحَدٌ، إِلَّا انْمَاعَ كَمَا يَنْمَاعُ المِلْحُ فِي المَاءِ )) ، وجاء عند الإمام مسلم : (( مَنْ أَرَادَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ بِسُوءٍ، أَذَابَهُ اللهُ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ )) ، قيل المراد : لِمَنْ أَرَادَهَا فِي الدُّنْيَا غَازِيًا مُغِيرًا عَلَيْهَا فَلَا يُمْهِلُهُ اللَّهُ وَلَا يُمَكَّنُ لَهُ سُلْطَانٌ بَلْ يُذْهِبُهُ عَنْ قُرْبٍ ، وَقَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ مَنْ أَرَادَهَا فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِيَ الْمُسْلِمُونَ أَمْرَهُ وَاضْمَحَلَّ كَيْدُهُ .
قال ابن حزم : إنما فيه الوعيد على من كاد أهلها ، ولا يحل كيد مسلم .
والصحيح أنه في كل حين فإن للمدينة وساكنيها منزلة جليلة وشأن عظيم .
http://images.msoms-anime.net/images/02791941680865289088.jpg
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ((يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَدْعُو الرَّجُلُ ابْنَ عَمِّهِ وَقَرِيبَهُ : هَلُمَّ إِلَى الرَّخَاءِ ، هَلُمَّ إِلَى الرَّخَاءِ ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَا يَخْرُجُ مِنْهُمْ أَحَدٌ رَغْبَةً عَنْهَا إِلَّا أَخْلَفَ اللهُ فِيهَا خَيْرًا مِنْهُ ، أَلَا إِنَّ الْمَدِينَةَ كَالْكِيرِ ، تُخْرِجُ الْخَبِيثَ ، لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَنْفِيَ الْمَدِينَةُ شِرَارَهَا ، كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ )) .
والمراد بِهِ الخارجون من الْمَدِينَة رَغْبَة عَنْهَا كارهين لَهَا، وَأما من خرج لحَاجَة أَو تِجَارَة أَو جِهَاد أَو نَحْو ذَلِك فَلَيْسَ بداخل فِي معنى الحَدِيث .
وأيضاً في هذا الحديث معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه أخبر بفتح هذه الأقاليم وأن الناس يتحملون بأهليهم إليها ويتركون المدينة ، وفيه فضيلة سكنى المدينة والصبر على شدتها وضيق العيش فيها .
وأما ((ينفي الكير خبث الحديد)) قال العلماء : " خبث الحديد والفضة هو وسخهما وقذرهما الذي تخرجه النار منهما " .
http://images.msoms-anime.net/images/89063510584211545358.jpg
قال عليه الصلاة والسلام (( مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا ، أَوْ آوَى مُحْدِثً ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا، وَلَا عَدْلًا )) ، والحدث :كُلُّ حَدٍّ لله يجب على صاحبه أن يقام عليه ، ومعنى آوى محدثاً : حماه وَحفظه ، ومعناه : مَنْ أَتَى فِيهَا إِثْمًا أَوْ آوَى مَنْ أَتَاهُ وَضَمَّهُ إِلَيْهِ وَحَمَاهُ .
ودل الحديث على أنه من آوى أهل المعاصي والبدع أنه شريك في الإثم ، وليس يدل الحديث على أن من أحدث حدثًا أو آوى محدثًا في غير المدينة أنه غير متوعد ولا ملوم على ذلك ؛ لتقدم العلم بأن من رضي فعل قوم وعملهم أنه منهم ، وخصت المدينة هنا لأن اللعنة على من أحدث فيها حدثًا أشد والوعيد له آكد ؛ لانتهاكه ما حذر عنه ، وإقدامه على مخالفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما كان يلزمه من تعظيم شأن المدينة التي شرفها الله بأنها منزل وحيه وموطن نبيه -صلى الله عليه وسلم- ، ومنها انتشر الدين في أقطار الأرض فكان لها بذلك فضل مزيّة على سائر البلاد .
http://images.msoms-anime.net/images/67161866345854451640.jpg
وقد جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث ترغّب في أن يكون ساكنها متصفاً بالصبر على الشدائد التي يمكن أن تحصل له فيه ، وتأمر بحسن المعاملة لأهلها ، وتحذر من إرادتهم بسوء ، كما تتوعد على إظهار البدع والظلم فيها ...
حث النبي -صلى الله عليه وسلم- على الصبر على لأوائها وجهدها ، قال عليه الصلاة والسلام للذين فكروا في الإنتقال من المدينة إلى الأماكن التي فيها الرخاء ، وسعة الرزق ، وكثرة المال ، (( الْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، لَا يَدَعُهَا أَحَدٌ رَغْبَةً عَنْهَا إِلَّا أَبْدَلَ اللهُ فِيهَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، وَلَا يَثْبُتُ أَحَدٌ عَلَى لَأْوَائِهَا وَجَهْدِهَا إِلَّا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا، أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) .
واللأواء : هو الجوع وتعذر التكسب ، والشدة يحتمل أن يريد بها اللأواء ، ويحتمل أن يريد بها كل ما يشتد به ساكنها ، وتعظُمُ مضرّته ، والجَهد : المشقة .
http://images.msoms-anime.net/images/90564390250944044490.jpg
قال النبي -صلى الله عليه وسلم- (( مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَمُوتَ بِالْمَدِينَةِ، فَلْيَفْعَلْ، فَإِنِّي أَشْهَدُ لِمَنْ مَاتَ بِهَا )) رواه ابن ماجه وصححه الألباني ، والمعنى بأن يبقى في المدينة ولا يخرج إلى أن يموت .
وكان الفاروق عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- يقول (( اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي شَهَادَةً فِي سَبِيلِكَ ، وَاجْعَلْ مَوْتِي فِي بَلَدِ رَسُولِكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )) رواه البخاري ، وقد استجاب الله دعاءه فقتله أبو لؤلؤة المجوسي لعنه الله ، فرضي الله عن فاروق الأمة ، وجزاه عن المسلمين خير الجزاء .
http://images.msoms-anime.net/images/78124805139513320449.jpg
وأهل المدينة الأنصار، عليهم الرحمة والرضوان ، أكثر الله تعالى من الثناء عليهم في القرآن
وقد خص بعضهم بخاصية لم توجد في غيرهم ، منهم :
حمي الدبر وهو عاصم بن الأفلح ، رضوان الله عليه ، استشهد وأراد المشركون أن يمثلوا به فبعث الله الزنابير أحاطت به ومنعت المشركين الوصول إليه .
ومنهم بليع الأرض وهو حبيب بن ثابت رضوان الله عليه ، صلبه المشركون فبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، من يأخذه ويدفنه ، فأخذوه وقبل دفنه فقدوه وبلعته الأرض .
ومنهم غسيل الملائكة وهو حنظلة بن راهب رضوان الله عليه ، استشهد يوم أحد فبعث الله تعالى فوجاً من الملائكة ، رفعوه من بين القتلى وغسلوه فسمي غسيل الملائكة .
ومنهم ذو الشهادتين وهو خزيمة بن ثابت ، رضوان الله عليه ، اشترى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرساً من أعرابي ، والأعرابي أنكر الشراء ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (( إني اشتريت منك !)) فقال الأعرابي : من يشهد بذلك ؟ ، فقال خزيمة بن ثابت : إني أشهد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اشترى منك .
فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ((كيف تشهد وما كنت حاضراً ؟)) ، فقال : يا رسول الله إني أصدقك في أخبار السموات والإخبار عن الله تعالى فما أصدقك في شراء فرس! فأمر الله تعالى نبيه عليه الصلاة السلام ، أن يجعل شهادته مكان شهادتين .
ومنهم من اهتز العرش لموته وهو سعد بن معاذ -رضوان الله عليه- سيد الأوس ؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (( اهْتَزَّ العَرْشُ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ )) .
http://images.msoms-anime.net/images/27298690169238761489.jpg
وهو أول مسجد بناه النبي -صلى الله عليه وسلم- في المدينة ، وقيل أول من وضع حجر في قبلته الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، ثم جاء أبو بكر الصديق بحجر فوضعه ، ثم جاء عمر بن الخطاب بحجر فوضعه ، ثم أخذ الناس في البنيان .
http://images.msoms-anime.net/images/63178772365295807897.jpg
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (( مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ أَتَى مَسْجِدَ قُبَاءَ، فَصَلَّى فِيهِ صَلَاةً، كَانَ لَهُ كَأَجْرِ عُمْرَةٍ )) ، وقال ابن عمر ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي قُبَاءَ رَاكِبًا وَمَاشِيًا )
قال تعالى : { لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ } .
اختلف العلماء ، أيّ مسجد الذي أسس على التقوى ؟
منهم من قال أنه مسجد قباء ، والآخرون قالوا هو مسجد رسول الله ، والصحيح أنه مسجد الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم .
فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن أبي سعيد الخدري أنه قال : أن رجلا من بني عمرو بن عـــــــوف ، ورجلا من بني خدرة امتريا في المسجد الذي أُسِّسَ على التقوى ، فأتيـــــــا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلَاهُ عَنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ (( هُوَ مَسْجِدِي هَذَا وَفِي ذَلِكَ خَيْرٌ كَثِيرٌ )) وإسناده صحيح .
وقد أضفته لمزيد فضله ومشروعية زيارته لمن قصد المدينة ، ويشرع زيارة البقيع وسيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب -رضي الله عنه- ، أما بقية المساجد والمواضع فلا يجوز ، لأنها تضييع للوقت والجهد فيما لا خير فيه ولم يرد دليل عليه .
يتبع ...
http://images.msoms-anime.net/images/68061843818782839897.jpg
الحمد لله حمداً يقتضي من إحسانه المزيد ، ويبلغنا من رضوانه ما نؤمل ونريد ، والصلاة والسلام على من هدانا إلى المنهج السديد ، محمد الذي هو على أمته شهيد ، وعلى آله وأصحابه ذوي المجد المشيد ، ما سار راكب في البيد .
حديثنا اليوم عن عاصمة دولة الإسلام الأولى ، ومضجع النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وأصحابه -رضوان الله تعالى عليهم- ، دار المهاجرين والأنصار ، الأرض الطيّبة المباركة ، مهبط الوحي ، ومأرز الإيمان ، محفوظة الأركان ، إنها المدينة ومن لا يعرفها فهي كالنجم للثريا ،، المحبوبة الحبيبة ،، على أنقابها حراس من الملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال ،، وهي حرم الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- ..
هنيئاً لمن صلى في مسجدها ولمن صبر على لأوائها ،، وهنيئاً لمن شَرُفَ بسكناها
http://images.msoms-anime.net/images/92446077875813349153.jpg
لقد أكرم الله مدينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالحفظ والتحصين من كثير من الفتن ومنها الطاعون والدجال ، إن الإقامة بالمدينة طيبة الطيّبة لنعمة عظيمة ومنحة كبيرة ، فيها راحة للنفس وطمأنينة للقلب ، فهي واحة الإسلام ومأرز الإيمان .
وما أعظم أن يعيش الإنسان بجوار أفضل الخلق سيد ولد آدم -صلوات ربي وسلامه عليه- ، وفي هذه البقعة المباركة التي اختاراها الله لمسكن نبيه وخليله -صلى الله عليه وسلم- ، ومركز دعوته ومنطلق غزواته وجهاده .
فليقم المقيم بها متمسكاً بسنته متبعاً لأوامره متحملاً الصعاب إن وجدت ، راجياً في ذلك جواره في الآخرة .
لذا فمن واجبي نحو مدينتي الغالية ، قررت أن أكتب هذه الوريقات ،، وفاءاً مني لحبيبتي طَيْبَة الطيّبة المحبوبة ، العزيزة على قلبي جداً ، راجياً في ذلك الأجر والثواب ، وأسأل الله أن يرزقكم جميعاً زيارة هذه البقعة المباركة ، والصلاة في مسجدها .
أسألك اللهــــم أن تميتني في مدينة رســولك -صلى الله عليه وسلم- غير مفتون ، وأن تحشرني مع عبادك (السابقون الأولون) ، اللهم ولا تخزني يوم يبعثون ..
http://images.msoms-anime.net/images/98893743074379623179.jpg
أنا المدينة مـن في الكــــــــــون يجهلــــــــني....ومــــن تــــراه درى عـــــني ومــــــــــــــا شغــــــــــــــلا
تتلمذ المجد طفلاً عنـــــــــد مدرستــــــــي....حــــــــــــتى تخــــــرج منهـــــــــــــا عالمــــــــــــــــــاً رجـــــــــــــلا
فتحت قلـــبي لخير الخلــــــــق قاطبــــــــــــة....فلم يفــــــــــــارقه يومــــــــاً منــــــــــذ أن دخـــــــــــــــــــلا
وصرت سيدة الدنيـــــــــــا به شرفـــــــــــــــاً.....إسمي لكـــــــــــل حدود الأرض قد وصــلا
ومسجدي كان بل ما زال أمنيـــــــة.....تهفو إليه قلـــــــــــــوب ضلــــــــــــــت السبــــــــــــلا
فكــــــــــــل مغـــــــــترب داويـــــــت غربتـــــــه.....مسحـــــــت دمعتــــــــــــــــه حوّلتهــــــــا جـــــــــــــــذلا
وفي هواي مـــــــــلايين تنـــــــــام علــــــــــــى.....ذكري وتصحو على طيفي إذا ارتحــلا
تنافسوا في غرامــــــــــــي أرسلوا كتبـــــــا.....وأنفقوا عندهــــــــــا الركبــــــــــــان والرســــــــــــــــلا
أنـــــــــــــا المنورة الفيحـــــــاء ذا نســـــــــــبي.....إذا البــــــــــــدور رأتــــــني أطرقــــت خَجـــــــــلا
لشاعر المدينة : عبد المحسن حليت مسلّم
http://images.msoms-anime.net/images/66575026545066988466.jpg
أخي الحبيب أن الله عز وجل يخلق ما يشاء ويختار ،،، فاختار طيبة مهاجراً لرسوله ومهبطاً لوحيه ،، وإشعاع نور أضاء الدنيا بنور الإسلام ،،، طابة عاصمة دولة الإسلام الأولى ،، ومنارة العلم والباسقة ،، موطن الذين تبوّؤوا الدار والإيمان ،، لا يخفى على مسلم مكانتها ، وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أحاديث كثيرة تدل على فضلها .
http://images.msoms-anime.net/images/65064852663790299690.jpg
ومن الواجب أن يلاحظ المسلم الأدب في سكنى المدينة ، بالتمسك والاستقامة على الدين ، فإنه مما يزداد تأكدا فيها وفي مكة شرفهما الله أكثر من غيرهما من البلاد ، إذ المعصية تغلظ في المكان الفاضل ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله " المعاصي في الأيام المفضلة والأمكنة المفضلة تغلّظ وعقابها بقدر فضيلة الزمان والمكان " .
فتذكر أخي ذلك كلما هممت بمعصية ...
إن الله سبحانه وتعال جعلها حرماً آمناً كما جعل مكة حرماً آمنا ، وقد جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال (( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ )) ، وفي بعض الروايات (( إِنَّهَا حَرَمٌ آمِنٌ )) أي : المدينة .
والمقصود من هذا التحريم المضاف إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- وإلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، هو إظهار التحريم ، وإلا فإن التحريم من الله عز وجل ، وهو الذي جعل هذا حرماً ، وجعل هذا حرما .
واختص الله سبحانه ، هاتين البلدتين بهذه الصفة ( أي : الحرمة ) دون سائر البلاد ، ولم يأت دليل ثابت على تحريم شيء غير مكة والمدينة ، وقد أخطأ كثير من الناس في إطلاق ثالث الحرمين عن المسجد الأقصى وهو خطأ شائع ، ولكن الصحيح أن يقال ثالث المسجدين لحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- ((لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى )) متفق عليه ، وقد أخطأ من أطلق الحرم على المسجد النبوي فقط ، لأنه ليس هو الحرم وحده بل المدينة كلها حرم ، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ((الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ )) متفق عليه ، وقال عليه الصلاة والسلام (( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا، لَا يُقْطَعُ عِضَاهُهَا، وَلَا يُصَادُ صَيْدُهَا )) .
اللَّابَتَانِ الْحَرَّتَانِ وَاحِدَتُهُمَا لَابَةٌ ، وَهِيَ الْأَرْضُ الْمُلْبَسَةُ "حِجَارَةٌ سَوْدَاءُ" ، وَلِلْمَدِينَةِ لَابَتَانِ شَرْقِيَّةٌ وَغَرْبِيَّةٌ وَهِيَ بَيْنَهُمَا ، والعِضَاه : كل شجر فيه شوك .
ومن المعلوم أن المدينة قد اتسعت في هذا الزمن حتى خرج جزء منها عن الحرم ، ولهذا لا يقال إن كل المباني الموجودة في المدينة من الحرم ، ولكن ما كان داخل حدود الحرم فإنه يطلق عليه أنه من المدينة .
http://images.msoms-anime.net/images/02957662984771901073.jpg
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ((صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ، إِلَّا المَسْجِدَ الحَرَامَ )) متفق عليه .
فهذا فضل عظيم وموسم من مواسم الآخرة ، الأرباح فيه مضاعفة ، ليست بالعشرات ولا بالمئات ، ولكن أكثر من الألف ، أن التضعيف لأجر الصلاة بأكثر من ألف ليس مقيد بالفرض دون النفل أو العكس ، بل لهما جميعاً ، لإطلاقه صلى الله عليه وسلم (( صلاة )) ، فالفريضة بألف فريضة ، والنافلة بألف نافلة .
كما أن التضعيف الوارد في الحديث ليس مختصاً في البقعة التي هي المسجد في زمانه -صلى الله عليه وسلم- ، بل لها ولكل ما أضيف إلى المسجد من زيادات .
ومن ذلك أيضاً وجود البقعة التي وصفها النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنها روضة من رياض الجنة ، قال -صلى الله عليه وسلم- (( مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي)) متفق عليه ..
لهذا الفضل العظيم لا أدري كيف لساكن المدينة أن يضيع هذا الأجر ! ، إلا إذا كان مشغولاً ، أما الحجاج والمعتمرين والزوار فهي مصيبة يأتي من مكان بعيد ويقطع الفيافي ؛ وبعد هذا كله يضيّع وقته فيما لا خير فيه ...
http://images.msoms-anime.net/images/12426948827846865133.jpg
قال عليه الصلاة والسلام (( مَنْ جَاءَ مَسْجِدِي هَذَا، لَمْ يَأْتِهِ إِلَّا لِخَيْرٍ يَتَعَلَّمُهُ أَوْ يُعَلِّمُهُ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَنْ جَاءَ لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ يَنْظُرُ إِلَى مَتَاعِ غَيْرِهِ )) رواه الإمام أحمد وابن ماجه وصححه الألباني .
قال السندي " أَرَادَ مَسْجِدَهُ وَتَخْصِيصُهُ بِالذِّكْرِ إِمَّا لِخُصُوصِ هَذَا الْحُكْمِ بِهِ أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ مَحَلًّا لِلْكَلَامِ حِينَئِذٍ وَحُكْمُ سَائِرِ الْمَسَاجِدِ كَحُكْمِهِ " أ هـ .
وقال الإمام الشوكاني رحمه الله " فيه تصريح بأن الأجر المرتب على الدخول إنما يحصل لمن كان في مسجده -صلى الله عليه وسلم- ، ولا يصح إلحاق غيره به من المساجد التي هي دونه في الفضيلة لأنه قياس مع الفارق " أ هـ . والله أعلم ، وقد ضعف الحديث الدارقطني وغيره من أهل العلم ...
وأما تشبيه طالب العلم بالمجاهد في سبيل الله ( أَنَّهُ إِحْيَاءٌ لِلدِّينِ وَإِذْلَالٌ لِلشَّيْطَانِ وَإِتْعَابٌ النَّفْسِ وَكَسْرُ ذُرَى اللَّذَّةِ ) ، وطلب العلم والجهاد نفعهما متعد إلى عموم المسلمين ، كما أن طلب العلم والجهاد فرض كفاية وقد يكون في بعض الأحوال فرض عين .
http://images.msoms-anime.net/images/02595033996025172574.jpg
ومن فضائلها : أنها لا يدخلها الطاعون ولا الدجال ، قال عليه الصلاة والسلام ((عَلَى أَنْقَابِ المَدِينَةِ مَلاَئِكَةٌ لاَ يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ، وَلاَ الدَّجَّالُ)) ، أنقاب المدينة : طرقها .
وجاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث ، وفيه (( يَأْتِي الدَّجَّالُ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ الْمَدِينَةِ بَعْضَ السِّبَاخِ الَّتِي بِالْمَدِينَةِ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ هُوَ خَيْرُ النَّاسِ، أَوْ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ، فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ الَّذِي حَدَّثَنَا عَنْكَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَدِيثَهُ، فَيَقُولُ الدَّجَّالُ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ هَلْ تَشُكُّونَ فِي الأمْرِ؟ فَيَقُولُونَ : لا ، فَيَقْتُلُهُ، ثُمَّ يُحْيِيهِ ، فَيَقُولُ : حِينَ يُحْيِيهِ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّى الْيَوْمَ، فَيَقُولُ الدَّجَّالُ : أَقْتُلُهُ فَلا أُسَلَّطُ عَلَيْهِ )) ، وأيضاً قال النبي -صلى الله عليه وسلم- (( لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ إِلا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ ، لَيْسَ لَهُ مِنْ نِقَابِهَا نَقْبٌ إِلا عَلَيْهِ الْمَلائِكَةُ صَافِّينَ يَحْرُسُونَهَا ، ثُمَّ تَرْجُفُ الْمَدِينَةُ بِأَهْلِهَا ثَلاثَ رَجَفَاتٍ ، فَيُخْرِجُ اللَّهُ كُلَّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ )) ..
http://images.msoms-anime.net/images/62407932001698915651.jpg
ومن فضائلها : ما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه وصفها بأنها قرية تأكل القرى ، قال عليه الصلاة والسلام ((أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ القُرَى ، يَقُولُونَ يَثْرِبُ ، وَهِيَ المَدِينَةُ ، تَنْفِي النَّاسَ كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ )) والمراد هنا : أنه أمر بالهجرة إلى هذه القرية ، وقوله عليه الصلاة والسلام (( تَأْكُلُ القُرَى )) أي : بأنها تنتصر عليها ، وتكون الغلبة لها على غيرها من القرى ، أو بأنها تُجلّبُ إليها الغنائم التي تحصل في الجهاد في سبيل الله ، وتنقل إليها ، وكل هذين الأمرين قد وقع وحصل ، فقد تغلبت هذه المدينة على غيرها من المدن ، بأن انطلق منها الهداة المصلحون والغزاة الفاتحون ، وأخرجوا الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم ، فدخل الناس في دين الله عز وجل وكل خير حصل لأهل الأرض فإنما خرج من هذه المدينة المباركة ، مدينة المصطفى -صلوات ربي وسلامه عليه- ، فكونها تأكل القرى يصدق على كون الانتصار لها على غيرها من القرى ، كما حصل من ذلك في الصدر الأول ، مع الرعيل الأول من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ، والخلفاء الراشدين -رضي الله عنهم وأرضاهم- وكذلك أيضاً حصول الغنائم والإتيان بها إليها ، وهذا أيضاً قد حصل ، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- ، أخبر عن إنفاق كنوز كسرى وقيصر في سبيل الله ، وقد حصل ذلك ، فقد أُتي بهذه الكنوز إلى المدينة المباركة ، وقسمت على يد الفاروق رضي الله عنه .
http://images.msoms-anime.net/images/12795400423374486018.jpg
ومن فضائلها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يؤتى بأول الثمر ، فيقول (( اللهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي ثَمَرِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا، اللهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَبْدُكَ وَخَلِيلُكَ وَنَبِيُّكَ، وَإِنِّي عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وَإِنَّهُ دَعَاكَ لِمَكَّةَ، وَإِنِّي أَدْعُوكَ لِلْمَدِينَةِ بِمِثْلِ مَا دَعَاكَ لِمَكَّةَ، وَمِثْلِهِ مَعَهُ )) ، ثم يعطيه أصغر من يحضر من الولدان . وعند الإمام البخاري (( اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا المَدِينَةَ كَمَا حَبَّبْتَ إِلَيْنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ )) .
وكانوا يفعلون ذلك رغبة في دعائه لهم ، والدعاء بالبركة هنا يشمل الدنيويّ والأخرويّ ، ومعنى البركة : ( النماء والزيادة والثبات واللزوم ) .
قال النووي : " الظاهر من هذا كله أن المراد البركة في نفس الكيل في المدينة بحيث يكفي المد في المدينة لمن لا يكفيه في غيرها ، وهذا أمر محسوس عند من سكنها " أ هـ .
http://images.msoms-anime.net/images/35229225190144149038.jpg
ومن فضائلها أيضاً : أن الأيمان يأرز إليها ، قال -صلى الله عليه وسلم- ((إِنَّ الإِيمَانَ لَيَأْرِزُ إِلَى المَدِينَةِ كَمَا تَأْرِزُ الحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا)) متفق عليه .
ومعناه أن الإيمان يتجه إليها ويكون فيها ، والمسلمون يؤمّونها ويقصدونها ، يدفهم إلى ذلك الإيمان ومحبة هذه البقعة المباركة التي حرمها الله سبحانه وتعالى .
ويأرز : ينضم إليها ، ويجتمع بعضه إلى بعض .
قال المهلب: فيه أن المدينة لا يأتيها إلا المؤمن، وإنما يسوقه إليها إيمانه ومحبته للنبي -صلى الله عليه وسلم- فكأن الإيمان يرجع إليها كما خرج منها أولا ، ومنها ينتشر كانتشار الحية من جحرها ، ثم إذا راعها شيء رجعت إلى جحرها ، فكذلك الإيمان لما دخلته الدواخل لم يقصد المدينة إلا مؤمن صحيح الإيمان .
http://images.msoms-anime.net/images/24352152172179316038.jpg
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - (( لاَ يَكِيدُ أَهْلَ المَدِينَةِ أَحَدٌ، إِلَّا انْمَاعَ كَمَا يَنْمَاعُ المِلْحُ فِي المَاءِ )) ، وجاء عند الإمام مسلم : (( مَنْ أَرَادَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ بِسُوءٍ، أَذَابَهُ اللهُ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ )) ، قيل المراد : لِمَنْ أَرَادَهَا فِي الدُّنْيَا غَازِيًا مُغِيرًا عَلَيْهَا فَلَا يُمْهِلُهُ اللَّهُ وَلَا يُمَكَّنُ لَهُ سُلْطَانٌ بَلْ يُذْهِبُهُ عَنْ قُرْبٍ ، وَقَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ مَنْ أَرَادَهَا فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِيَ الْمُسْلِمُونَ أَمْرَهُ وَاضْمَحَلَّ كَيْدُهُ .
قال ابن حزم : إنما فيه الوعيد على من كاد أهلها ، ولا يحل كيد مسلم .
والصحيح أنه في كل حين فإن للمدينة وساكنيها منزلة جليلة وشأن عظيم .
http://images.msoms-anime.net/images/02791941680865289088.jpg
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ((يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَدْعُو الرَّجُلُ ابْنَ عَمِّهِ وَقَرِيبَهُ : هَلُمَّ إِلَى الرَّخَاءِ ، هَلُمَّ إِلَى الرَّخَاءِ ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَا يَخْرُجُ مِنْهُمْ أَحَدٌ رَغْبَةً عَنْهَا إِلَّا أَخْلَفَ اللهُ فِيهَا خَيْرًا مِنْهُ ، أَلَا إِنَّ الْمَدِينَةَ كَالْكِيرِ ، تُخْرِجُ الْخَبِيثَ ، لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَنْفِيَ الْمَدِينَةُ شِرَارَهَا ، كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ )) .
والمراد بِهِ الخارجون من الْمَدِينَة رَغْبَة عَنْهَا كارهين لَهَا، وَأما من خرج لحَاجَة أَو تِجَارَة أَو جِهَاد أَو نَحْو ذَلِك فَلَيْسَ بداخل فِي معنى الحَدِيث .
وأيضاً في هذا الحديث معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه أخبر بفتح هذه الأقاليم وأن الناس يتحملون بأهليهم إليها ويتركون المدينة ، وفيه فضيلة سكنى المدينة والصبر على شدتها وضيق العيش فيها .
وأما ((ينفي الكير خبث الحديد)) قال العلماء : " خبث الحديد والفضة هو وسخهما وقذرهما الذي تخرجه النار منهما " .
http://images.msoms-anime.net/images/89063510584211545358.jpg
قال عليه الصلاة والسلام (( مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا ، أَوْ آوَى مُحْدِثً ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا، وَلَا عَدْلًا )) ، والحدث :كُلُّ حَدٍّ لله يجب على صاحبه أن يقام عليه ، ومعنى آوى محدثاً : حماه وَحفظه ، ومعناه : مَنْ أَتَى فِيهَا إِثْمًا أَوْ آوَى مَنْ أَتَاهُ وَضَمَّهُ إِلَيْهِ وَحَمَاهُ .
ودل الحديث على أنه من آوى أهل المعاصي والبدع أنه شريك في الإثم ، وليس يدل الحديث على أن من أحدث حدثًا أو آوى محدثًا في غير المدينة أنه غير متوعد ولا ملوم على ذلك ؛ لتقدم العلم بأن من رضي فعل قوم وعملهم أنه منهم ، وخصت المدينة هنا لأن اللعنة على من أحدث فيها حدثًا أشد والوعيد له آكد ؛ لانتهاكه ما حذر عنه ، وإقدامه على مخالفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما كان يلزمه من تعظيم شأن المدينة التي شرفها الله بأنها منزل وحيه وموطن نبيه -صلى الله عليه وسلم- ، ومنها انتشر الدين في أقطار الأرض فكان لها بذلك فضل مزيّة على سائر البلاد .
http://images.msoms-anime.net/images/67161866345854451640.jpg
وقد جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث ترغّب في أن يكون ساكنها متصفاً بالصبر على الشدائد التي يمكن أن تحصل له فيه ، وتأمر بحسن المعاملة لأهلها ، وتحذر من إرادتهم بسوء ، كما تتوعد على إظهار البدع والظلم فيها ...
حث النبي -صلى الله عليه وسلم- على الصبر على لأوائها وجهدها ، قال عليه الصلاة والسلام للذين فكروا في الإنتقال من المدينة إلى الأماكن التي فيها الرخاء ، وسعة الرزق ، وكثرة المال ، (( الْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، لَا يَدَعُهَا أَحَدٌ رَغْبَةً عَنْهَا إِلَّا أَبْدَلَ اللهُ فِيهَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، وَلَا يَثْبُتُ أَحَدٌ عَلَى لَأْوَائِهَا وَجَهْدِهَا إِلَّا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا، أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) .
واللأواء : هو الجوع وتعذر التكسب ، والشدة يحتمل أن يريد بها اللأواء ، ويحتمل أن يريد بها كل ما يشتد به ساكنها ، وتعظُمُ مضرّته ، والجَهد : المشقة .
http://images.msoms-anime.net/images/90564390250944044490.jpg
قال النبي -صلى الله عليه وسلم- (( مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَمُوتَ بِالْمَدِينَةِ، فَلْيَفْعَلْ، فَإِنِّي أَشْهَدُ لِمَنْ مَاتَ بِهَا )) رواه ابن ماجه وصححه الألباني ، والمعنى بأن يبقى في المدينة ولا يخرج إلى أن يموت .
وكان الفاروق عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- يقول (( اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي شَهَادَةً فِي سَبِيلِكَ ، وَاجْعَلْ مَوْتِي فِي بَلَدِ رَسُولِكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )) رواه البخاري ، وقد استجاب الله دعاءه فقتله أبو لؤلؤة المجوسي لعنه الله ، فرضي الله عن فاروق الأمة ، وجزاه عن المسلمين خير الجزاء .
http://images.msoms-anime.net/images/78124805139513320449.jpg
وأهل المدينة الأنصار، عليهم الرحمة والرضوان ، أكثر الله تعالى من الثناء عليهم في القرآن
وقد خص بعضهم بخاصية لم توجد في غيرهم ، منهم :
حمي الدبر وهو عاصم بن الأفلح ، رضوان الله عليه ، استشهد وأراد المشركون أن يمثلوا به فبعث الله الزنابير أحاطت به ومنعت المشركين الوصول إليه .
ومنهم بليع الأرض وهو حبيب بن ثابت رضوان الله عليه ، صلبه المشركون فبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، من يأخذه ويدفنه ، فأخذوه وقبل دفنه فقدوه وبلعته الأرض .
ومنهم غسيل الملائكة وهو حنظلة بن راهب رضوان الله عليه ، استشهد يوم أحد فبعث الله تعالى فوجاً من الملائكة ، رفعوه من بين القتلى وغسلوه فسمي غسيل الملائكة .
ومنهم ذو الشهادتين وهو خزيمة بن ثابت ، رضوان الله عليه ، اشترى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرساً من أعرابي ، والأعرابي أنكر الشراء ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (( إني اشتريت منك !)) فقال الأعرابي : من يشهد بذلك ؟ ، فقال خزيمة بن ثابت : إني أشهد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اشترى منك .
فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ((كيف تشهد وما كنت حاضراً ؟)) ، فقال : يا رسول الله إني أصدقك في أخبار السموات والإخبار عن الله تعالى فما أصدقك في شراء فرس! فأمر الله تعالى نبيه عليه الصلاة السلام ، أن يجعل شهادته مكان شهادتين .
ومنهم من اهتز العرش لموته وهو سعد بن معاذ -رضوان الله عليه- سيد الأوس ؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (( اهْتَزَّ العَرْشُ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ )) .
http://images.msoms-anime.net/images/27298690169238761489.jpg
وهو أول مسجد بناه النبي -صلى الله عليه وسلم- في المدينة ، وقيل أول من وضع حجر في قبلته الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، ثم جاء أبو بكر الصديق بحجر فوضعه ، ثم جاء عمر بن الخطاب بحجر فوضعه ، ثم أخذ الناس في البنيان .
http://images.msoms-anime.net/images/63178772365295807897.jpg
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (( مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ أَتَى مَسْجِدَ قُبَاءَ، فَصَلَّى فِيهِ صَلَاةً، كَانَ لَهُ كَأَجْرِ عُمْرَةٍ )) ، وقال ابن عمر ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي قُبَاءَ رَاكِبًا وَمَاشِيًا )
قال تعالى : { لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ } .
اختلف العلماء ، أيّ مسجد الذي أسس على التقوى ؟
منهم من قال أنه مسجد قباء ، والآخرون قالوا هو مسجد رسول الله ، والصحيح أنه مسجد الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم .
فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن أبي سعيد الخدري أنه قال : أن رجلا من بني عمرو بن عـــــــوف ، ورجلا من بني خدرة امتريا في المسجد الذي أُسِّسَ على التقوى ، فأتيـــــــا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلَاهُ عَنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ (( هُوَ مَسْجِدِي هَذَا وَفِي ذَلِكَ خَيْرٌ كَثِيرٌ )) وإسناده صحيح .
وقد أضفته لمزيد فضله ومشروعية زيارته لمن قصد المدينة ، ويشرع زيارة البقيع وسيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب -رضي الله عنه- ، أما بقية المساجد والمواضع فلا يجوز ، لأنها تضييع للوقت والجهد فيما لا خير فيه ولم يرد دليل عليه .
يتبع ...