بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته:

دقت الساعة الثانية و النصف ، ففتح باب المنزل ..
ها قد عادت "مريم" من مدرستها ، فلم تجد والدتها تنتظرها ،
فأمسكت سماعة الهاتف للقيام بجولتها الهاتفية التفقدية للبحث
عن الأم التي وجدتها أخيراً في منزل الخالة . فقالت :" عزيزتي ،
الطعام موجود في البراد ، ضعيه في الفرن لتأكلي ، سأعود بعد قليل ".
لم تلب مريم طلب الوالدة ، بل ذهبت فوراً الى غرفتها ، تنجز
دروسها لليوم التالي .

و ما ان انتهت حتى عادت الوالدة مع أختها الصغيرة
"حنان" حوالي الساعة السادسة مساءاً . استقبلت "مريم"
والدتها ببسمة و اشتياق ، لكن ... لم تعرها الأم أي اهتمام ،
بل دفعت اليها بأختها "حنان" و ذهبت لغرفتها تستريح حتى غلبها النوم .

التفتت "مريم" من حولها ، و جدران المنزل
الشاحبة تملأ الفراغ الموحش ، و كان والدها مسافراً .

احتضنت "مريم " أختها لعلها تشعر بالدفء و الحنان الذين
تفتقدهما من أمهخا ، و الحرقة و الألم يذرفان من عينيها الدموع
المشتعلة التي تشتاق للمسة حانية من والدتها ، و نظرة منها ملؤها
الرحمة و الحب و العطف .

مسحت "مريم" دموعها و أجلست "حنان" في سريرها الى أن نامت .
قامت "مريم" الى الشرفة ... لحظة صمت هيمنت على المكان و تزاحمت الأسئلة
في رأسها :" هل هذه هي العائلة ؟ "

حال "مريم" يشبه – الى حد كبير- حال أبنائنا في ظل تلك الأسر ..
و ما أعجب له أنها ما زالت تدعى " الأسرة"، في أشبه بالنزل ..
الأفراد ينطلقون صباحاًً كل يمضي الى عمله أو مدرسته أو حتى زيارته .
منهم من يرجع في وسط النهار أو آخره ، فلا اجتماع الا عل طعام ،
لا سلام و لا كلام ، فقط نظرات خاطفة في الليل تمر سريعاً أمام
نشرة الأخبار أو البرنامج المفضل ، أو كلمات رازحة تحت وطأة التعب اليومي.

للأسف الشديد ، لقد أصاب التآكل معظم أسرنا ، حتى
أوصلها الى التفكك ، ووصلت الى مشارف الانهيار بعد أن ضاع
مفهوم العائلة ، و هي أشد ما نحتاجه في عالمنا المعاصر.

لقد حظينا بشيء رائع هو الأسرة ، هو ما ابتغته
المجتمعات المتقدمة و المتطورة صناعياً و لم تستطع تحقيقه ،
فلماذا نضيعه ؟ لماذا لا نحاول استرجاعه ؟ لماذا ندع اهتماماتنا
تسرقنا من مهماتنا ؟

نحن بحاة الى كمٍ قليل من الحنان المتبادل بيننا و بين أسرنا ،
فحلمنا هو بعودة الأسرة العربية كما كانت.