قال تعالى ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) (الزخرف: 67)



في الآية صورة من الصور التي بينها لنا القرآن الكريم ، صورة رفقاء السوء الذين يجتمعون في الدنيا على الشر و المعصية ، يفعلون ما حرم الله ، و لا يفارقون بعضهم بعضاً في سهرات تحدث كل ليلة ، ما يربط بينهم هو أكثر من صداقة ، لذلك أسماهم الله سبحانه و تعالى "أخلاء" و هم يتعاونون على الشر ، و يحب بعضهم بعضاً و يتكاتفون أمام أمور الدنيا ، يساعد بعضهم البعض على الاثم و المعصية .هؤلاء يأتون يوم القيامة و قد أصبحوا أعداء لبعضهم البعض ، يلعنون بعضهم ، و يحاول كل منهم أن يفتك بالآخر ، الصداقة الحميمة انقلبت الى عداوة رهيبة .
أما من قال تعالى فيهم( لا يحزنهم الفزع الأكبر و تتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون) ( الأنبياء: 103)







فمن هؤلاء ؟
_ _ _ _ _ _ _ _ _





------هؤلاء هم أصحاب الخير الذين يجتمعون على الخير،و يتناصحون بينهم.
  • و هم الذين قال تعالى فيهم ( و اصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغدواة و العشي يريدون وجهه و لا تعد عيناك عنهم تريدزينة الحياة الدنيا و لا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا و اتبع هواه و كان أمره فرطاً) (الكهف :28)
  • و قال عز و جل (و العصر .ان الانسان لفي خسر . الا الذين آمنوا و عملوا الصالحات و تواصوا بالحق و تواصوا بالصبر) (العصر)
  • و قال جل جلاله ( ثم كان من الذين آمنوا و تواصوا بالصبر و تواصوا بالمرحمة ) ( البلد :17)






------ اذاً ، فان نجاة الانسان منوطة باختياره لصحبته ، فاما رفقاء سوء يجرونه للمعصية و الخسران ، و اما الصحبة الصالحة ترشده لما فيه صلاح أمره و تعينه على طاعة الله و على فعل الخير .


فمن أعظم المسرات أن يجد المسلم له صحاباً صالحين ،يأنس بهم و يرتاح للجلوس معهم ، اخوة ناصحين ، مخلصين أوفياء أمناء ، يشاركونه طريق السباق الى الآخرة ،لا تنقطع الصلة بهم مع نهاية هذه الدنيا ،و انما تمتد باذن الله الى اللقاء في دار القرار


في رياض الجنات:


( ان المتقين في جنات و نهر . في مقعد صدق عند مليك مقتدر )( القمر :55-54)







صفات الصحبة الصالحة :







------ و يجب على المسلم أن يتحرى في صحبته عدة صفات منها :



أولاً : ان من أمارات المؤمن أن تسره حسنته و أن تسوءه سيئته ،



و يقول شعار الفاروق رضي الله عنه : "رحم الله امرءاً أهدى الي عيوبي" . و يقول : "لا خير فيكم ان لم تقولوها ، و لا خير فينا ان لم نسمعها" . فعلى المسلم أن ينبه أخاه اذا ما ظهر منه زلل ، دون أن يجرحه ، و أن يقومه اذا ما رأى منه اعوجاجاً ، فالانسان يحتاج لمن يقول له : اتق الله .. حاسب نفسك..



فليس أحد في الدنيا الا و هو معرض للخطأ و الانحراف عن



سنن الحق ، و ليس كل فرد قادراً على معرفة عيب نفسه و طلب العلاج له .و كما ينبغي النصح ، يجب تقبل النصيحة ، فلا يترفع عن قبولها استعلاءً و تكبراً ، بل يذعن لداعي الحق اذا دعاه .



ثانياً : يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم :" خيركم من يرجى خيره و يؤمن شره ." رواه أبو يعلى . و من حاز في صحبته مثل هذا فلحرص عليه ، و ليثن عليه خنصريه ، و ليعض عليه بناجذيه !


ثالثاً : التعاون خلق من أخلاق القرآن ، و فضيلة من فضائل الاسلام ، و هو تعاون على فتح أبواب الخير و البر ، و على ايصاد أبواب الشر و الضر . فالله جل جلاله أمر المؤمنين بالتعاون على الخير ،
قال ( و تعاونوا على البر و التقوى و لا تعاونوا على الاثم و العدوان ، و اتقوا الله ان الله شديد العقاب) ( المائدة :12)



ان على المؤمن أن يتضافر مع أخيه المؤمن و أن يتعاونا معاً في أمور المعاش و المعاد :" فان المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً "رواه البخاري. و ان مثل الأخوين كمثل اليدين تغسل احداهما الأخرى . و الذي يعين اخوانه مبشر بعون الله له:"و الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه ". رواه مسلم





حرمة المؤمن :






------ كما أن للمؤمن حرمة هي عند الله تعالى أعظم من حرمة البيت الذي جعله الله مثابة للناس و أمناً.


و قد بلغت حرمة المسلم حد الزجر عن تخويفه و ترويعه ، و ان كان مزاحاً أو ملاعبة ، قال عليه الصلاة و السلام :" لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً ." كيف يستخف بكرامة المسلم و يستهان بحرمته ، و قد خاطب النبي عليه الصلاة و السلام الكعبة المشرفة يوماً بقوله :" ما أطيبك و أطيب ريحك ، ما أعظمك و أعظم حرمتك ، و الذي نفسي بيده ، يحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك : ماله و دمه و أن يظن به الا خيراً ".رواه ابن ماجه



فعلى المؤمن أن يرعى حرمة أخيه حق رعايتها ، و أن يكون عوناً لاخوانه في الضراء ، أنيساً لهم في السراء ، و أن لا يقطع حبال مودتهم بالجفاء ، و لا يكدر ماء ودادهم بالايذاء ، و ليكن وفياً لحقوقهم لا يبيعهم عند الشدائد بثمن بخس ،و لا يتخلى عنهم.





أخوة تحتضر :






------ و اليوم ، اذا ضربت في مناكب الأرض تبحث عن الاخوة ، وجدت أشباحاً بلا روح ن و أخلاقاً هوت نحو السفوح ! ووجدت أقواماً عن الصحبة لاهين و بالأهواء منشغلين ، و على فصم عرى الأخوة عاكفين !







بئس القرين :






------ فكن حذراً من قرناء السوء الذين يخدعونك بالتزيين و التحسين و الاغراء ، و زخرف الكلام ، قبل أن تزل قدم بعد ثبوتها ، و قبل أن تقف الموقف الخائب و تقول : يا حسرتي ... يا ويلتي !




قال تعالى ( و يوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً . يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً . لقد أضلني عن الذكر بعد اذ جاءني و كان الشيطان للانسان خذولاً) ( الفرقان :29-28-27)



فما أجدرك أن تقول لصاحبك المضل : دع وصلي و ابعد عني ، (يا ليت بيني و بينك بعد المشرقين و بئس القرين) (الزخرف:138)






و الصاحب ساحب ، "و المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل" .
و أخيراً أختم بقول الشاعر :




نصحتك لا تصحب سوى كل فاضل..خليق السجايا بالتعفف والظرف




و لا تعتمد غير الكرام فواحد .. من الناس ان حصلت خير من الألف




تم بحمد الله .