حروف متآكلة . .

كان شاقًا علي أن أفهم لماذا تسرق الابتسامة من شفتي, كلما انهار النهار في سراديب الظلمة ..
ولماذا تحني عيناي ذلًا لدمعة جبارة كلما تذوقت المرارة الساكنة في كل الكلمات التي تمتلئ بأحرف متآكلة. .
أتساءل بحرقة . .
ترى , ماذا قدمت , لتهديني كل هذا الألم . . ؟
أي حب غريب زرعته لأستحق منك كل هذه الدموع . .؟ أين إنسانيتك؟ أم أنك أصبحت بلا قلب . . بلا روح . . بلا إنسانية . .!

صدقني . .
إن كل لحظات المرارة التي سقيتها بكبريائك وغرورك ستظل أوراقها صفراء , جافة , باهتة . .
ويومًا ما , ستهب رياح عاتية تجرفك , وحقول اليأس الذي استوطنني بعد رحيلك . .
وقتها . . لن آبه بك . . !
لن أتذكرك لن أحلم كما الآن بعودتك . . !

قل ما تشاء عني . . سمه ما تشاء.. (( حبي لك)) اعتبره ذلًا. . انكسارًا. . ضعفًا . . ثق أني أوافقك الرأي . . فلا زال
قلبي يملكني ولا زلت أرضخ لنبضه الذي لا يعزف إلا لحن الأشواق. .
يوم أن شاطرتك روحي اليتيمة . . ما كنت أحلم بكل هذا الخذلان , ولا كنت أحلم حتى في اليقظة بأن تصبح حياتي
أكذوبة لا تنتهي . .
...

ترى أين أنت الآن .. ؟
يقولون أنك سافرت . . ! هل ضاق بك وطنك لما ضقت بي , ورحلت . . ؟ ! أم أن الحرية دعتك
لأحضانها بعد أن غادرتني. . دع عنك هذا العالم وحدثني . . قل لي أرجوك . . ما لذي دعاك لتعصف
بي وتعصف. . ؟؟ أتكون ظلال الوهم أعمتك فلم تدر أي جرم في حق روحك اقترفت.. ؟ يوم أن فقدت
نخوتك ورجولتك , و ألقيتني على أرض مهزوزة, عـارية من فرحي وأحلامي. . عــارية من كبريائي, ثم رحلت . . !
بلا معنى . . يا لك من مخادع كم أحببته . .؟

...
أمك رفضتني منذ لحظة زفافي إليك. . وأنا لا أزال أعلن للعالم ابتهاجي, قذفت في وجهي كرة سوداء قبيحة ملأتها كرهًا . .
رأيت في عينيها معنى الازدراء. . حرمت أهلي من الفرح بي, وبك . . أخواتك تجاهلنني , لم يعبأن بي, تحملت
سخريتهن التي لا تحتمل من أجلك . .
صبرت وصبرت . . كفكفت دموعي التي رافقتني في أحلى أيام العمر . . ركزت اهتمامي كله عليك . . سافرت معك. .
ركزت اهتمامي كله عليك . . سافرت معك . . ابتعدت عن بلدي الذي أحببت . . عن داري التي بها نشأت . . عن أهلي
وأحبتي. . قلت لك: أنت الأب والأخ والزوج والوطن بالنسبة لي؛ فأجبتني (أنت العمر . . ) يا له من عمر قصير قتلته
بوحشية . . !

أما أمي فترفع كفيها كل ليلة لتدعو عليك , أجثو عند قدميها . . أتوسل إليها ؛ أرجوك توقفي , لا تفعلي . . دعيه ..
فتبلل دموعها يدين رسم عليهما الدهر أوجاع عمر لا يرحم . . وتنظر إلي بشفقة وتتساءل . . كم يحمل قلبك من الحب
لمن لا يستحق . . ألا تكفين . . ؟؟

هي أمي. . لها نفس حكايتي مع القهر , ونفس موعدي مع الحزن . . لكنها أيضَا ويا للسخرية لم تحلم أن أتبع خطاها
يومًا ما . . حتى في دروب الألم والوجع .

...

تآكل . . .
يوم الوداع كان غريبًا . . اخترت طقوسًا باذخة لتنهي رحلة عمري التي لم تبتدئ معك بعد . . ستة أشهر منحتني فيها
أحلى الذكريات . .
لا أكذب ولا أخفي سرًا . . كانت أيامًا لا توصف . . ملكت فيها لبي , وسلبت قلبي , ثم . .
ودعتني ككل وداع . . لكن وداعك بدا لي مختلفًا هذه المرة . .

كان في عينيك بريق أخافني , نظرت إليهما طويلًا . . لكنك كنت تختبئ كلما أطلت تأملهما . . شعرت أنك تخفي شيئًا
عظيمًا , ورأيت التصميم والعزيمة في عينيك , ولكن مهما كان ذلك الشيء فلم يخطر ببالي أن يكون الوداع الأبدي . .
أوصلتني لمنزل أهلي , وقبل أن أنزل أمسكت بيديك بكل قوة أحزاني . .

أودعت فيهما كل إحساس بالخوف تملكني . . أردتك أن تحظى ببعض تعبي . . أردت أن أحتمي بك من ظنوني
وهواجسي.. آه .. كم أردت الرحيل لأعماقك , والاختباء بعض حين في ثنايا دفئك .. الذي تحول لصقيع قاس. .
أربكك تصرفي. . أضاع خطوطك , وكأنه سهم يخترق قلبك. . شعرت برجفة يديك ؛ فلقد أخذتني معها. .
حملت حقائبي وغادرت حزينة . .


نظرت للمرة الأخيرة . . ثمة طرق يدق قلبي بعنف . . كانت المرة الأولى التي أزور فيها أهلي بعد زواجي . .
وكانت المرة الأولى التي أبتعد فيها عنك , ولكن يبدو أن إحساسي
لم يصل حد النضوج ؛
ليعي ما كنت تخطط له .. قل لي بربك . . كيف تجاهلت تلك الأيام .. ؟

واستطاعت شفتاك النطق بــ. . . الـــ. . . . ط. . . .لا. . ق . . .

أرأيت . .
حتى كتابتها . . عجزت عنها . . انتظر . . سألملم ذاتي المجروحة قبل أن أنتهي . . فلقد نثرتها الكلمة . .!!

...


في كل أسبوع. . لي ليلة خاصة. . أحاول أن تكون ليلة الجمعة . . أفتح صندوقي . . أخرج بعض صوري معك. .
أتأملها. . أضمها لقلبي. .
أبكي. . وأبكي. . وأرفع نظري للسماء . . وأدعو . . يا رب . . يا رب ألهمني الشجاعة كي أفعل . . ألهمني القوة كي
أصمد . . ألهمني الحكمة كي أرضى . .

أمزقهــا . .
وأمزق بعضًا منك في روحي كلما مزقتها , ومن زاوية الصندوق. .
أخرج زجاجة وردية اللون أجمع فيها بعضًا من
دموعي..
التي لا يتوقف انهمالها . .

لا زلت عند قسمي لنفسي يوم أن أعطاني أخي ورقة النهاية
( ورقة طلاقي )

منذ تلك اللحظة . . أقسمت بالقوي أن أحتفظ بدمعاتي عليك وأن أتخلص من بقاياك
حتى آخر دمعة. .


واليوم. .
تخلصت منك للأبد . .
مع هذه الدمعة التي حفرت على خدي طريقًا موحلًا. . لقد كانت الدمعة الأخيرة تذكارًا لا ينسى ؛
لأنها علمتني أن الذكريات التي لا تستحقني لن تبقى مهما تشبثت بها ,
وأنه لا يبقى إلا ما يستحق البقاء. .


لقد ذكرتني هذه الدمعة أن هناك لحظات أغلى تستحق أن أبكي عليها . .
لحظة اعتذاري إلى خالقي ومولاي عن كل هذا الضعف الذي شدني بعيدًا عنه . .
لحظة فرحي بالخلاص من أوزار لطالما أثقلت أيامي . .


أجل يا نواف . .
دموعي التي لا تستحقها لم تعد تبكي عليك ؛ بل ربما بكت لأجلك . . حزنًا على هذا المستقبل
الأخروي الذي ينتظرك. .


صدقني أعذارك ليست مقبولة عندي . .
فاختلاف قبائلنا ليس مسوغًا لخيانتك وجبن أفعالك . .
اختلاف قبائلنا لا يسمح لك أن تتمتع بشبابي ونضارتي وذاتي أشهرًا ثم تتخلص مني بسهولة
كما تتخلص من شيء منتهي الصلاحية . .


أما أنا ؛ فلن أندم على حب وهبتك إياه . .
فما ذنبي إن كنت أنت احترفت الكذب , وأنا أتقنت الصدق .. ؟
ولم أكن لأندم على اللحظات الحلوة التي جمعتنا. . فما هو جرمي إن كنت عشتها أنا بوفاء ,
وعشتها أنت بظلام الغدر . . ؟


أبدًا. .
لم أكن لأضعف . . بل كنت أنت الصغير لما نزعت مني الحياة بقسوة . . واستعدتها أنا بصدق
اللجوء للطيف سبحانه . .

ولم تكن أنت الأقوى ؛ بل أنا الأقوى لما استطعت الحفاظ على لياقة ذكرياتي بعيدًا عن جراحك . .
ودون أن أجرحك حتى
في أحلامي . . !

والآن . .
عش ما بدا لك . . سأظل العمر -رغمًا عنك- ذلك العمر النقي الشفاف . .
نصف عام 1400 سيظل هو العمر الحقيقي الذي لن تنساه مهما طالت بك أيامك بعدي . . .
سهاد . .

...

في الزمن المهتريء . .
أغلق سكرتير مكتب مدير الشركة الاستثنائية الباب على مديره الذي أمر بعدم دخول أحد عليه ..
ليتفرغ لمشاهدة مظروف حمل إليه . .

فتحه فإذا هو . .
المرسل: عمر انتهى . . !
المحتوى : حبر . . ورق. . وزجاجة وردية . . بها ماء شفاف . . !!

وعلى حدود الوطن المجروح . . علقت بعض أحرف متآكلة . . لحكاية لم تنتهِ بعد . . روح إنسان مقيد . . وروح إنسانة حرة . .
والزمن الفاصل بين الروحين . . . . . . زمن مهتريء . . !

من كتاب (ضجيج الحلم) .. !!



عذرًا سهوت وأنزلت الموضوع.. فلم أنسقه بالشكل المطلوب .. !!