:: مِحنُ الـشُّــعَراءِ والأدبـــاءِ :: | :: هدبةُ بن الخشرمِ العذري ::

[ منتدى اللغة العربية ]


النتائج 1 إلى 12 من 12

مشاهدة المواضيع

  1. #1

    الصورة الرمزية قُطْرُب

    تاريخ التسجيل
    May 2008
    المـشـــاركــات
    463
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي :: مِحنُ الـشُّــعَراءِ والأدبـــاءِ :: | :: هدبةُ بن الخشرمِ العذري ::


    بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمْ
    السلامُ عليكمْ ورحمةُ الله وبركاته
    .......
    أسعدَ اللهُ أوقاتَكم بتوفيقه ، ونصركم بجنده ، وألبسكم من نوره
    كنتُ قد عقدتُ العزمَ على هذا الموضوع منذُ أمدٍ ، غيرَ أنّ صوارفَ الدهرِ ولوازمَ الاشتغال نأت بنا عن وعدٍ قطعناه فصرنا كما كان عرقوب :
    كانتْ مواعيدُ عرقوبٍ " لهم " |1| مثلاً ..
    ولكننا أخلفنا من يعذر ، وعُدنا بعدَ مغيب و " مبلغُ نفسٍ عذرها مثلُ منجح "
    فدونكم ما وعدناكم
    " هدبةُ بن الخشرم العذري "


    هو هدبةُ بن الخشرمِ بنُ كُرز بن أبي حيّة العذري |2| شاعرٌ إسلاميٌّ فـصـيحْ لمْ يُحفظ إلا جزءٌ يسيرٌ من شعره ، وذلكَ لأنّه قُتلَ شابّاً ، وهدبةُ من أسرةٍ كلها شاعر ، فأمُّه حيَّة بنتُ أبي بكر بن أبي حيّة شاعرةٌ وقد سمّاها التبريزيُّ ريحانة ، وإخوته : حَوط وسَيحان والواسع كلهم شاعر ، وأختاه شاعرتان وهما : سلمى تزوجها زيادةُ بنُ زيد الذبياني - الذي قتله هدبة - ، والثانيةُ فاطمة التي تغزل بها زيادة ، وكانت سببَ القتالِ بينَ الحيين ، وله زوجةٌ هي من قضاعة كانت من أجملِ نساء زمانها شكلاً وقواماً ، وكانَ يكنيها بأم مالك مرةً وأمّ بوزعَ مرةً أخرى .


    هدبةُ أوَّلُ شـاعرٍ في تاريخِ الأدبِ العربي يصوّرُ حياةَ السجنِ بتفصيلٍ وتدقيق ، ولهُ نفَسٌ حزينٌ في شعره ، وذلكَ أنّه قضى زهرةَ حياتِه في السجن فكانَ شعرُه ينفذُ إلى القلبِ فيفطرهُ ، وإلى العينِ فيحلبها ومنه :

    "1 " :
    لما زارتهُ امرأتهُ في حبسه فدنا منها يكلمها ويحدثها ، فلما اقتربت منه سمعت قعقعةَ الحديد فاضطربت وخافت ، فتنحى عنها وقال :
    وأدنيتني حتى إذا ما جعلتِني ... لدى الخصرِ أو أدنى استقلّك راجفُ
    فإن شئتِ والله انتهيتُ وإنني ... لأن لا تريني آخرَ الدهرِ خائـفُ
    رأتْ ساعدي غولٍ وتحتَ ثيابه ... جآجئُ يدمى حدّها والحراقفُ
    .........
    "2 " :
    لمّا كلمه عبدالرحمن بن حسان وهو يساق إلى القصاص فاستأذنه في نكاحِ امرأتِه من بعده فقال له : نعم ، إن كنتَ مِن شرطها ، فقالَ : وما شرطها ؟ قال :
    أقلّي عليّ اللومَ يا أمّ بوزعا ... ولا تجزعي مما أصـــابَ فأوجعا
    ولا تنكحي إن فرّقَ الدهرُ بيننا ... أغمّ القفا والوجه ليس بأنزعا
    وكوني حبيساً أو لأروعَ ماجدٍ ... إذا ضنّ أعشاشُ الرجال تبرّعا
    ......
    وسيأتي شيءٌ من شعره في محنته التي قتلَ فيها .


    ......
    قيلَ إنّ هدبةَ وزيادة - زوج أخته - اصطحبا وهما مقبلان من الشام في ركبٍ من قومِهما ، فكانا يتعاقبان في السوقِ بالإبلِ ، وكانَ مع هدبةَ أخته فاطمةُ فنزلَ زيادةُ فارتجز :
    ...............
    عوجي علينا واربعي يا فاطما ... ما دون أن يُرى البعيرُ قائما
    ألا ترينَ الدمعَ مني ساجمـــا ... حذارِ دارٍ منكِ لن تلائما
    .........
    فغضبَ هدبةُ حينَ سمعَ زيادةَ يتغزلُ في أخته فقال - يرتجزُ في أختِ زيادة - :
    ..........
    لقد أراني والغلام الحازما ... نزجي المطيَّ ضمّراً سواهما
    متى تظنُ القُلُصَ الرواسما ... والجلَّةَ الناجيةَ العواهما
    يبلغنَ أمّ قاسمٍ وقاسما
    ...............
    يقول : متى نصلُ إلى ديارنا فأرى أمّ قاسمٍ - وهي أختُ زيادة - كأنّه مشتاقٌ لها ، إلى آخر الأرجوزة التي أفحشَ فيها كما أفحشَ زيادةُ في رجزه ، وتسابّا طويلاً فصاحَ القومُ بهما " اركبا لا حملكما اللهُ ، فإنّا قومٌ حجّاج " ، فأمسكا على مافي نفسيهما ، وكانَ هدبةُ أشدُّ حنقاً من صاحبهِ ، لأنّ أخته كانت حاضرةَ السبابِ بخلافِ أختِ زيادة .
    ...........
    ولما عادا إلى قومهما تزايدا في السبّ والهجاء حتى بلغَ الأمرُ منهما القتال ، فالتقيا بالسيوفِ وضربَ هدبةُ عضلةَ رجلِ زيادة ، فاعتمدَ على رمحه وجعلَ يذبب بسيفه عن نفسه ، حتى غشيهُ عتبةُ وصرعه ..
    وتنحى هدبةُ مخافةَ السلطان وعلى المدينة يومئذٍ سعيد بن العاص ، فأرسلَ إلى عمِّ هدبةَ وأهلِه فحبسهم ، فلما علمَ هدبةُ أقبلَ حتى أمكن من نفسهِ وخلّصَ عمَّه وأهلَه ،
    وقيلَ إنّ سعيداً كرهَ الحكم بينهم ، فحملهم إلى معاويةَ ، فلما صارا بينَ يديه - هدبةُ وعبدالرحمن " أخو القتيل " - قال عبدالرحمن :
    " يا أميرَ المؤمنينَ ، أشكو إليكَ ، مظلمتي وقتلَ أخي وترويعَ نسوتي " فقالَ معاويةُ : " قل يا هدبةُ " ، فقال : إنّ هذا الرجلَ سجّاعةٌ ، فإن شئتَ أن أقصّ عليكَ قصتنا كلاماً أو شعراً فعلت .
    قال : لا بل شعراً ، فقال هدبةُ مرتجلاً :
    .........
    ألا يا لقومي للنوائبِ والدهر ... وللمرء يُردي نفسهُ وهو لا يدري
    رُمينا فرامينا فصادفَ رمينا ... منايا رجالٍ في كتابٍ وفي قدْرِ
    وأنتَ أميرُ المؤمنين فما لنا ... وراءَكَ من معدى ولا عنكَ من قصر
    فإن تكُ في أموالنا لا نضق بها ... ذراعاً وإن صبراً فنصبرُ للصبرِ
    ...........
    فقال معاويةُ : " أراكَ قد أقررتَ بقتلِ صاحبهم " ثم سألَ عبدالرحمن " هل لزيادة من ولد ؟ " قال : نعم المسور ، فقال : " أنتَ لا تؤمن على أخذ الدية أو قتل الرجل بغير حق، والمسورُ أحقُّ بدم أبيه " فحبسَ حتى بلغَ المسور وقيل إنها ثلاثُ سنين وقيل سبعٌ وقيل ست .
    .....
    فلما جيء بهدبةَ إلى سجن المدينة قالت أمُّه تخاطبُ أهل المدينة :
    ........
    يا إخوتي أهلَ المدينةِ أكرموا ... أسيركمُ إنّ الأسيرَ كريم
    فربّ كريمٍ قد قراه وضافهُ ... وربّ أمورٍ كلهنّ عظيمُ
    .......
    وأضعفَ أهلُ المدينةِ الديات لعبدالرحمن - حتى يعفوَ عن هدبةَ - فأبى ، وكان ممن عرضَ عليه الديات : الحسين بن علي - رضي الله عنهما - ، وعبدالله بن جعفرَ ، وابنُ عمر - رضي الله عنهما - ، وسعيد بن العاص ، وعمرو بن عثمان بن عفان ، ومروان بن الحكم ، وسائرُ القوم من قريش ، فأبى إلا القَوَد - يعني القصاص - وقال :
    .....
    لنجدعن بأيدينا أنوفكمُ ... ويذهبُ القتلُ فيما بيننا هدرا
    .....
    وجيءَ به يرسفُ في قيوده إلى ساحةِ القصاص فإذا هو بأبويه يبكيان فقال :
    ..........
    أبلياني اليومَ صبراً منكما ... إنّ حزناً إن بدا بادئُ شر
    لا أراني اليومَ إلا ميتاً ... إنّ بعدَ الموتِ دارَ المستقر
    اصبرا اليومَ فإني صابرٌ ... كلُّ حيٍّ لقضاءٍ وقدر
    ........
    ثم قام فصلى ركعتين فخففهما وقال :
    " والله لولا أن يظنَ بي الجزعُ لأطلتهما ، فقد كنتُ محتاجاً لإطالتهما "
    وقال قبل أن يقتل :
    .......
    إن تقتلوني في الحديد فإنني ... قتلتُ أخاكم مطلقاً لم يقيّدِ
    ........
    فقال عبدالرحمن بن زيد :" والله لا قتلتهُ إلا مطلقاً "، فأطلقَ فقامَ إليه وهزّ السيفَ ثم قال :
    ........
    قد علمت نفسي وأنت تعلمه ... لأقتلنّ اليومَ من لا أرحمه ، ثمّ قتله.
    ....
    وقيلَ إنّ الذي قتلهُ هو المسور بن زيادة ، أعطاه عمّه السيف وقال : " قم فاقتل قاتلَ أبيك " ، فقال له هدبة :" أثبت قدميك ، وأجدِ الضربةَ ، فإني أيتمتكَ صغيراً ، وأرملتُ أمّكَ شابّة "
    ....
    وكانَ مقتلهُ في حرّة المدينة ، سنةَ سبعٍ وخمسين من الهجرة ، وهو شاب ، ويقال : إنّ هدبةَ أولُ من أقيدَ منه في الإسلام .


    وقفنا لكم مع علمٍ من أعلامِ الشعرِ ممن أصابتهُ المحنةُ من الشعراء والأدباء ، وهو فارسٌ شجاعٌ وكريمٌ ، ولكنّ الله قد قدرَ ألا يحفظَ من شعره إلا ماكان في السجن فمات شاباً رحمه الله ورضي عنه .

    إن تجدْ عيباً فسدَّ الخللا ... جلّ من لا عيبَ فيه وعلا
    جلّ سبحانه
    ......
    والسلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته

    _______________
    شكراً لمشرفتنا اللؤلؤة على هذه الفواصل الرائعة
    جزاك الله خيراً ووفقك

    __________________________________________________ _____
    |1| : أصلُه : كانت مواعيدُ عــرقوبٍ لها مثلا ، وهي لكعب بن زهير .
    |2| : معنى هدبة : اسم طائر ، والخشرم : جماعةُ النخل وأميرها .
    التعديل الأخير تم بواسطة قُطْرُب ; 20-3-2011 الساعة 04:45 AM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...