أتمنى أنكم استفدتم من الجزء الأول
وها نحن نكمل الجزء الثاني من
[ سورة البقرة ]
لم أختر الكثير من الآيات حتى لا تستثقلون قراءة الموضوع
^^"
بسم الله نبدأ
{ سورة البقرة }
{قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۗ }
{التكرار }
التكرار هو أحد أساليب القرآن الكريم التي لها أثر كبير في تأكيد المعاني. ومن الأمثلة على ذلك
آية تحويل القبلة
فقد تكرر الأمر بتحويل القبلة في الآية 144
مرتين
ثم تلا ذلك تكرار الأمر
ثلاث مرات أيضاً في الآيتين [ 149 ، 150 ]
وقد
اختلف بعض البلاغيين في سبب التكرار
فمنهم من قال أن من انكر تحويل القبلة في المدينة ثلاث أصناف [ اليهود ، وأهل الريب ، والمنافقين ]
ولأن هذه الآية كانت أول آية نُسخت في القرآن
.. [ فقد كانت ثابتة بالسنة ونسخها القرآن ]
وكان هذا سبب شدة انكارهم لها .
كما أن قريش قالت :
[ إن محمد ندم على فراق ديننا، فسيرجع إليه كما رجع إلى قبلتنا ]
فكان التكرار لتأكيد أن هذا أمر من الله أن ماتدعيه قريش وغيرها باطل
ولكن
الأرجح في سبب التكرار هو
أنه لتعظيم شأن القبلة ولتأكيد أمرها
فكانت تلك أول آية نُسخت لهم ، وعلى أمر شديد لم تعتده النفوس بعد
فاستخدم القرآن أسلوب التكرار لإضفاء الطمأنينة لأن هذا الأمر من مظان الفتنة والشبهة في الدين
فكرره لينتبهوا له ،ويعزموا ، ويجدوا فيه.
. . .
لطيفة:
أُمر المسلمون باستقبال بيت المقدس في صلاتهم ، وكان ذلك سبباً لإثارة اليهود البلبلة والتلبيس في دين المسلمين
لأنهم يتبعون قبلتهم.
وكان ذلك يشق على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وكان يحن إلى قبلة أبيه ابراهيم-عليه السلام -
فكان يقلب نظره في السماء لعل الله يبدل قبلته إلى البيت الحرام [ بدون دعاء ]
تأدباً مع ربه ، وتحرجاً أن يقترح أو يقدم بين يديه شيئاً
فأجاب الله إلى مايرضيه وقال: {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا}
{وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ}
{حذف جواب لو }
أحكام [ لو ]
لو: حرفٌ يقتضي امتناع ما يليه واستلزامه لتاليه[ أي امتناع الشرط ، والتزام جواب الشرط به ]
فيجيب أن تحدد أمراً
[ شرط ] يمتنع أن يحدث إن لم يحدث
[ جواب الشرط ]
مثال: لو جاء زيد لأكرمته
فأنت لن تكرم زيد حتى يكون عندك ، وإن لم يكن عندك فمن [المستحيل ، ممتنع ] أن تكرمه
كانت العرب تحذف [ جواب لو ] لتدل على أمر عظيم وعجيب
واستخدم القرآن هذا الأسلوب أيضاً للتعظيم والتهويل
ورأي البلاغين أن ذلك من أحسن الكلام وأبلغ في النفس إن استخدم للتهويل والتعظيم
والمراد في الآية :
لو يرى هؤلاء حالهم وما أُعد لهم في الآخرة لرأوا هولاً عظيماً
ثم أتبع الآية بقوله : [
أن القوة لله جميعاً ]
وهذه تتضمن التهديد والوعيد الشديدين الذان يدل عليها جواب لو المحذوف
{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}
{ تنكير المعرفة }
تنكير كلمة
[ حياة ] هنا
للتعظيم
حيث نكرها الله تعالى تعظيماً وتفخيماً
ولا يُقصد هنا [ الحياة ] التي نعيشها، بل
تعني الأثر الذي يتركه القصاص في نفوس أهل المقتول ، تلك النزعة المحببة لنفوس البشر.
[
لو لم يكن القصاص موجوداً لمُلئت القلوب أحقاداً وكانت الحياة كالعصور الجاهلية .. يُقتل رجلاً واحد فيموت 1000 ثأراً له
ولكن الله شرع القصاص ليأخذ أهل المقتول ثأرهم بطريقة شرعية تنطفئ بها نار الثأر المتأججة في نفوسهم ]
وهذا أمر يستحق التعظيم والتفخيم
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}
{ النداء }
دائماً ما يكون النداء الصادر منه تعالى إلى عباده المؤمنين بوصفه إياهم
[ بالإيمان ] دون سائر الأوصاف كالإسلام والعبادة .. إلخ
وهذا يدل على امتداحه لهم والثناء عليهم بوصف الإيمان ، ولاستشعار قلوبهم الإيمان حثهم على استماع ماجاء بعد النداء والعمل به
وكثير مايأتي بعد النداء تقرير بالعبادات والنواهي وما إلى ذلك.
{ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} ،
{ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ}
{ أشد و أكبر }
في الآية الأولى:
حث المؤمنين على القتال والجد فيه وعدم تركه وبين أن في تركه فتنة للمسلمين
وأن فتنة المؤمن في دينه أشد عليه من قتله متمسكاً به
فكان فيها موازنة بين عاقبة الفتنة وألم القتل
لذا استخدم النظم للتفضيل بينهما
[ أشد ]
حتى يقدم المؤمن على الجهاد مستيقناً أن مايصيبه فيه أخف وأهون من عاقبة ترك القتال والافتتان في الدين
أما الآية الثانية:
فكان فيها تعداد لآثام كبيرة :
الصد عن سيبل الله ، كفر بالله ، إخراج المؤمنين من مكة
فناسب أن يستخدم للتفضيل
[ أكبر ]
أي: أن الفتنة في الدين أكبر إثماً
كما أن الخطاب في الآية الثانية كان موجه للمشركين فلم يكن يناسب أن يستخدم
[ أشد ]
واستخدام
[ أكبر ] أبلغ في تعظيم الأثم
وكأنه يقول : أن عملكم على فتنة المؤمنين أكبر أثماً من قتلهم وصدهم عن سبيل الله وإخراجهم من مكة
والله اعلم
^^
{مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً}
{ دقائق التركيب }
بدأ سبحانه الخطاب
[ بأسلوب الاستفهام ] وهو
أبلغ في النفوس من صيغة الأمر في الطلب
ثم سمى الإنفاق
[ قرضاً ] حتى
يحث السامع على البذل فمتى علم أن ماله سيعود إليه سهل إخراجه
ثم عين المقترض لهذا المال وهو
[ الله سبحانه وتعالي ] ليطمئن النفوس أكثر ، فمن آمن المقترض بذل أكثر لعلمه بأمانته
فكيف إن كان الحي القيوم الذي يظلم أحدً مثقال ذرة ؟ فتعين المقترض
زيادة في الحث على الإنفاق
ثم سمى هذا القرض
[ حسناً ] ليقيد هذ القرض بشروط:
{1.. أن يكون من طيب ماله لا من رديئه.
{2..أن يخرجه من طيبة نفس تريد مرضات ربها.
{3.. أن لا يمن ولا يؤذي
ثم بين أن ماله الذي ينقفه
سيستثمر ويعود له أكثر مما بذل بقوله
[ فيضاعف له ]
ثم
حدد مقدار الربح بـ
[ أضعافاً كثيرة ] وهذه لتحريك النفس البشرية وحثها على البذل أكثر
فالمال عزيزٌ عليها ، وهي شحيحة في بذله ولكن
إن علمت أنه سيعود أضعافاً فذلك سيسهل خروجه
فانظروا إلى جمال هذا التركيب الفريد حيث أدت كل كلمة على معانٍ جميلة بليغة
ولا يمكن أن تصاغ هذه الآية على لسان بشر
إلى هنا ينتهي الجزء الثاني
أتمنى لكم الفائدة
وفقني الله وإياكم إلى مايحبه ويرضاه
إلى لقاء في الغد مع الجزء الثالث بإذن الله
المفضلات