البوستر
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا , وصلى الله وسلم وبارك على من هدانا الله
به من الضلال , وبصرنا به من العمى نبينا محمد وعلى آله وصحبة , ومن سار على نهحه , واقتفى اثرة , أما بعد :
قإننا اذا تأملنا إقبال عموم المسلمين على كتاب الله تعالى نجد أن الإقبال غالباً يكون على تلاوة حروفة , والتسابق على ختمة , أو عدد الختمات , في ضل غفلة كبيرة عن الغاية العظيمة , التي من أجلها أُنزل , فلا فهم ولا تأمل
ولا تدبر , وبالتالي لا عمل ولا تخلق بأخلاقة ولا إقامة لحدودة ((أفَلَاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرآنَ أَم على قلوبٍ أقفالُها))
وها أنا أضع بين أيديكم جمل مقتطفة من كلام أهل العلم , في موضوع تدبر القرآن الكريم ,لعلها تكون
حافز على التدبر , ومعينه لكم بعد عون الله تعالى على فهم كتاب الله والعمل به .
(( شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن )) نزول القرآن في هذا الشهر سابق على فرض الصيام فيه فهو شهر القرآن قبل أن يكون شهر صيام فاجتمعت ميزتان , وقد فقه السلف هذا فصاموه وعمرو ليله ونهاره بالقرآن تلاوة وتدبرا , تحقيق للإسم والمسمى , وتركوا ما سواه .
((لو أنزلنا هذا القرءآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله)) , تأمل ! جبل عظيم شاهق , لو نزل عليه القرآن لخشع , بل تسقق وتصدع , وقلبك هذا الذي هو في حجمه كقطعة صغيرة من هذا الجبل , كم سمع القرآن وقرأه ؟ ومع ذلك لم يخشع ولم يتأثر ! والسر في ذلك كلمة واحدة: إنه لم يتدبر .
وإنك لتجد في بيت الله الحرام خمسين ألف بأيديهم المصاحف يقرؤون القرآن , ولكنك لا تجد خمسين منهم يفهمون معاني ما يقرؤون , وإني لا أنكر أن لقارئ القرآن أجراً على كل حال , لكن الله يقول ((أفَلَاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرآنَ أم على
قلوب أقفالها)) فمتى نكسر هذه الأقفال حتى نفهم ما يقال ؟! .
لو سألت أي مسلم: أتؤمن بأن القرآن هدى ونور ورحمه وشفاء وحياة للقلب ؟ لأجابك وبلا تردد: نعم ! .. ولكنك تأسف إذا علمت أن الكثير من المسلمين لا يعرف القرآن إلا في (رمضان !) فهو كمن يعلن عن استغنائه عن هذى الله ونوره ورحمته وشفائه وحياة قلبه أحد عشر شهراً ؟!
إذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه , وألق سمعك واحضر حضور من يخاطبه به من تكلم به سبحانه منه إليه , فإنه خطاب منه لك على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - وانظر محبة القرآن من قلبك , والتذاذك بسماعه أهي أعظم من إلتذاذ أصحاب الملاهي والغناء المطرب بسماعهم ؟ فإن من المعلوم أن من أحب محبوباً كان كلامه وحديثه أحب شيء إليه .
ومن أبلغ ما يعين على التدبر أن يعرض المؤمن نفسه على كتاب ربه , فهو يتصفح القرآن ليؤدب به نفسه وهمته ,
متى أكون من المتقين ؟ متى أكون من الخاشعين ؟ متى أكون من الصابرين ؟ متى أزهد في الدنيا ؟
متى أنهى نفسي عن الهوى ؟
ومن طرق التدبر أن تقرأ القرآن آية آية , ثم ترجع للآية كلمة كلمة , وما يشكل معناه من الألفاظ تبحث عنه في كتب التفاسير الموثوقة , أو كتب غريب القرآن لأنها أيسر , فتحلل معناها تحليلاً لفظياً لتفهم المعنى , ثم بعذ ذلك تنظر في معاني الآية الكلية .
كذلك مما يعين على التدبر , أن يعلم القارئ أنه المقصود بالتلاوة , فإن من تلاوة القرآن حق تلاوته: التدبر , لأنه طريق الإيمان .. ألم يقل الله تعالى: ((الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته)) .
1- افتح صفحات القلب مع فتحك أوراق المصحف , هذا ركن التدبر الأكبر .
2- ليكن بين يديك كتاب مختصر في التفسير كالمصباح المنير .
3- كثير من السور لها فضائل وخصائص ومقاصد , فمثلاً:
قبل قرآءة سورة الأنعام قف طويلاً في معنى الآثار الواردة في فضلها .
4- اقرأ على مكث , رتل ولا تعجل .
5- بعد القرآءة انظر إلى الأثر , فإن وجدت أثراً في قلبك وإلا فعد رتلها ثانية وثالثة .
((شهر رمضان الذي أنزل فيه القرءان هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان)) من فضائل شهر الصيام:
أن الله تعالى مدحه من بين سائر الشهور , بأن اختاره لإنزال القرآن العظيم فيه واختصه بذلك .
ثم مدح هذا القرآن الذي أنزله الله فقال: (هدىً) لقلوب من آمن به , (وبينات) لمن تدبرها على
صحة ما جاء به , ومفرقاً بين الحق والباطل والحلال والحرام .
((ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون)) الهداية تشمل: هداية العلم وهداية العمل ,
فمن صام رمضان وأكمله فقد من الله عليه بهاتين الهدايتين وشكره سبحانه على أربعة أمور:
إرادة الله بنا اليسر وعدم إرادته العسر وإكمال العدة والتكبير على ما هدانا , فهذه كلها نِعَم
تحتاج منا أن نشكر الله بفعل أوامره , واجتناب نوهيه .
الصيام كان في الامم السابقة: ((كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم)) والإعتكاف والقيام كذلك: ((وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود)) وفي هذا إلهاب لعزائم
هذه الأمة ألا تقصر عمن قبلها في تلك العبادات , فإنا الآخرون السابقون .
تأمل في آيات الصيام من ترغيب في الصوم:
- بدأها بالنداء المحبب ((يا أيها الذين آمنوا)) .- وبين أنه فريضة لا مندوحة في تركة: ((كتب عليكم الصيام)) .
- وأنه ليس خاصاً بنا , بل هو للأمم كلها ((كما كتب على اللذين من قبلكم)) .
- وبين ثمرته ((لعلكم تتقون)) .
- وقلَّله ((أياماً معدودات)) .
قال الحسن البصري: تفقدوا الحلاوة في ثلاث: في الصلاة وفي القرآن وفي الذكر , فإن وجدتموها فامضوا وأبشروا , فإن لم تجدوها فاعلموا أن الباب مغلق ! . فهلا بحثنا عن المفتاح قبل آن نلقي ربنا والباب مغلق ؟!
من موانع فهم القرآن والتلذذ به: أن يكون التالي مصراً على ذنب , أو متصفاً بكبر أو مبتلى بهوى مطاع ,
فإن ذلك سبب ظلمة القلب وصدئه , فالقلب مثل المرآة , والشهوات مثل الصدأ , ومعاني القرآن
مثل الصور التي تتراءى في المرآة , والرياضة للقلب بإماطة الشهوات مثل الجلاء للمرآة .
ومن أصغى إلى كلام الله وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - بعقله وتدبر بقلبه , وجد فيه من الفهم والحلاوة والهدى وشفاء القلوب والبركة والمنفعة ما لا يجده في شيء من الكلام , لا نظماً , ولا نثراً .
وصف الله شهر رمضان بأنه: ((الذي أنزل فيه القرءان)) لتتأكد العناية به فيه , فلنشتغل بالقرآن: نقرأه وحدنا ومع أهلنا , ونملأ به وقتنا , منتفعين بالتقنية الحديثة من إذاعات وقنوات وعبر ملفات حاسوب وجوال , ويتهادى المسلم مع إخوانه المقاطع المؤثرة والتلاوات المرفقة , ليكون شهر القرآن .
((وإذا سألك عبادي عني فإني قريب)) ... ((فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب)) ما أقرب الله !
ليس بيننا وبيته أحد , لا مواعيد تلاحق , ولا طوابير تنتظر , ولا سكك تقطع .. قيل الإمام أحمد رحمه الله:
كم بيننا وبين عرش الرحمن ؟ قال: دعوة صادقة من قلب صادق !
كان خالد الربعي يقول: عجبت لهذه الأمة ! أمرهم بالدعاء ووعدهم بالإجابة , وليس بينهما شروط ! فسئل عن هذا ؟ فقال مثل قوله ((وبشر الذين ءامنوا وعملوا الصالحات)) فها هنا شرط (أي: البشارة مشرطة بالإيمان والعمل الصالح) وقوله: ((فادعوا الله مخلصين له الدين)) فها هنا شرط , وأما قوله: ((وقال ربكم ادعوني استجب لكم))
ليس فيه شرط !
قال بعض السلف: متى أطلق الله لسانك بالدعاء والطلب فاعلم أنه يريد أن يطيعك , وذلك لصدق الوعد
بإجابة من دعاه , ألم يقل الله تعالى: ((فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان)) .
((إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين)) تدبر كيف جمع الله في ليلة القدر أنواع البركات: فالقرآن مبارك , ونزل به أكثر الملائكة بركة على أكثر البشر , وواهب البركات كلها هو الله جل جلاله , فحري بالمؤمن أن يجتهد لعله يدرك بركة هذه الليلة , فينعم ببركتها في الدنيا والبرزخ والآخرة .
((تنزل الملائكة والرح فيها)) نزول الملائكة في الأرض عنوان على الرحمة والخير والبركة , ولهذا إذا امتنعت الملائكة
من دخول شيء , كان ذلك دليلاً على أن هذا المكان قد يخلو من الخير والبركة (كالمكان الذي فيه صور محرمة) .
((وما أدراك ما ليلة القدر)) كم من شرف عظيم تميزت به هذه الليلة ؟ شرف المنزل فيها , وشرف الزمان وشرف العبادة وشرف المتنزلين وشرف العطاء بلا حدود , ومسك ذلك: ((سلام هي حتى مطلع الفجر)) فيا لطول حسرة المفرطين , ويا أسفى على من تخلف عن ركب المشمرين ..!
وصف الله سبحانه رمضان فقال: ((أياماً معدودات)) كناية عن قلة أيامه ويسرها , فالمغبون من فرط في تلك الأيام دون جد أو تحصيل , وسيدرك غبنه حين يقول: ((يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين)) .. ((ذلك يوم التغابن)) .
احرص في هذه الأيام المعدودات على الإكثار من أنواع العبادات التي كان يحرص عليها نبينا - صلى الله عليه وسلم - في رمضان , والتي ذكرت في آيات الصيام في سورة البقرة (183-187):
- الصدقة: ((فدية طعام مسكين)) .
- تلاوة القرآن: ((شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن)) .
- الدعاء: ((فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان)) .
- والإعتكاف: ((وأنتم عاكفون في المساجد)) .
- والتكبير للعيد: ((ولتكبروا الله على ما هداكم)) .
((وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت)) تذكرت هذه الآية , وأنا أنظر إلى المسلمين , كيف تغير دولاب حياتهم من حين دخل رمضان , لقد انصهروا من جديد ! فما أسهل صياغة الحياة عبر نظام الإسلام إذا صدقت النوايا , وخلي بين الناس وبين الخير !
رمضان بإطلالته المباركة فرصة ومنحة لأن يطهر المسلم نفسه بالنهار ليُعدهَّا لتلقي هدايات القرآن الكريم في قيام الليل: ((إن ناشئة الليل هي أشد وطئاً وأقوم قيلا)) وناشئة الليلك ساعاته , فهي أجمع للقلب على التلاوة , فكأن الصيام في النهار تخلية , والقيام بالليل تحلية .
إذا أقبل رمضان أمر الخالق بصيامه معللاً بـ: ((لعلكم تتقون)) وإذا شارفت أيامه على الإنقضاء تبدأ الأنفس تتشوف إلى قبول صيامه وقيامه , فلنفتش عن نصيبنا من قول الله عز وجل: ((إنما يتقبل الله من المتقين)) .
((ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون)) قد يقول قائل:
في الصوم مشقة وتعب , فكيف يؤمر العبد بالشكر ؟
فيقال: من نظر في الثمرات العظيمة التي ترتبت على هذه الفريضة: من حلاوة المناجاة , وتلاوة القرآن , وأنواع الإحسان التي وفق لها العبد , ومواهب الرحمن والعتق من النار , عرف أن الله وحده يستحق الشكر
على واسع فضله , وعظيم نعمائه .
((والذين اهتدوا زادهم هدىً وآتاهم تقواهم)) مثال تولد الطاعة , كمثل نواة غرستها فصارت شجرة , ثم أثمرت فأكلت ثمارها وغرست نواها , فكلما أثمر منها شيء جنيت ثمره , وغرست نواه , وكذلك تداعي المعاصي فليتدبر اللبيب
هذا المثال , فمن ثواب الحسنة الحسنة بعدها , ومن عقوبة السيئة السيئة بعدها .
هذه بعض القرآءات لبعض لبعض المشايخ القرآء حفظهم الله:
الشيخ القارئ: أحمد العجمي
الشيخ القارئ: ناصر القطامي
الشيخ القارئ: ياسر الدوسري
الشيخ القارئ: سعد الغامدي
الشيخ القارئ: ماهر المعيقلي
الشيخ القارئ: عبدالباسط عبدالصمد (قرآءة رائعة)
الشيخ القارئ: إدريس أبكر
الشيخ القارئ: محمد جبريل
الشيخ القارئ: محمد صالح
الشبل القارئ: محمد البراك
في الختام لا أنسى أن أشكر المشرفين القائمين على هذا القسم جزاهم الله خيراً .. وأشكر
المشرفة المصممة .K.T. على تصمميها الفواصل الرائعة فجزاها الله كل خير ..
وتقبلوا تحياتي ....
المفضلات