هذا، ويتميَّز النمط السردي بأنَّ له بُنْيَةً خاصة به، إضافة إلى ما يتميَّز به من الغنى في المؤشرات، وهي وفق الخطوات الآتية:
أ_ الوضع الأولي. ب_ الحدث المبدِّل[1]. ج_ العقدة. د_ الحل. هـ_ الوضع النهائي.
ومن المعلوم أنه، إذ يُطلَب من التلميذ استخراج بُنْيَة النمط السردي، فإن عليه استخلاصها وفق الأفكار الرئيسة، فلا ينسخ الجمل بأكملها، ولا يشير لنا أن الوضع الأولي؛ مثلًا؛ من هذه الكلمة إلى تلك، بل يجب أن يسجلها بأسلوبه الشخصي، وباختصار.
ولا يكفي ما قدَّمناه، حتى الآن، للإحاطة التامة بالنمط السردي، بل لا بدَّ من إضافة مهمة، تتعلق بهذا النمط، مفهومًا اصطلاحيًا، وبعض هذه الإضافات تَمُرُّ مع تلاميذ الحلقة الثالثة كذلك، وبعضها خاصة للمرحلة الثانوية، وبالأخص صف الثانوي الثاني إنسانيات، في محور المقاربات القصصية. (وفق المناهج الدراسية في لبنان، ولا أعلم كيفية تقديمها في سائر الدول العربية، ولكن المعلومة عامة).
وهذه الإضافة مفادها أنه من الخطأ أن نسأل التلميذ عن عناصر الفن القصصي، قاصدين بها بُنْيَة النمط السردي، فالبُنْيَة عنصر واحد من عناصر الفن القصصي، والتي يدرسها تلاميذ الثانوي الثاني إنسانيات، في محور "الفنون الأدبية: الفن القصصي"، تحت عنوان "عناصر القصة".
فعناصر الفن القصصي، أو عناصر القصة، تستدعي من التلميذ أن يذكر موضوع القصة باختصار، ثم يعرض بناء القصة فنيًا، من خلال ذكره حوادثها بتطويل موسَّع، يتناول به كل أحداثها الأساسية، ذاكرًا كيف عرض الكاتب قصته، وهل حافظ على تراتبية بُنْيَة النمط السردي، أم أنه تلاعب بها، وفق براعته الأدبية، ويذكر التلميذ؛ بعد ذلك؛ أسلوب الكاتب في عرضه أحداث قصته، وهل هي ترجمة ذاتية أم سرد مباشَر[2]؟ أم اتبع طريقة حكاية القصة عبر عرضها كرسائل تتبادل الشخصيات إرسالها، في كل رسالة يتمُّ ذكر بعض الأحداث[3]؟
وينتقل التلميذ، بعد ذلك، إلى دراسة شخصيات القصة، ليذكرها مقدمًا إياها بالتحليل النقدي، كاشفًا عن ملامحها، مبرزًا صفاتها[4]، ثم يبيِّن كيف قدَّمها الكاتب لنا، تحليليًا أم تمثيليًا[5]، ويتابع التلميذ بعرض عنوان القصة، ذاكرًا إيحاءاته وانسجام أحداث القصة معه مقترحًا عنوانًا آخر _ أو عناوين_ مع التبرير، ويدرس التلميذ، من بعدها، نهاية القصة، ذاكرًا نوعها[6]، وانسجامها مع الأحداث قبلها، مقترحًا نهاية أخرى[7]، ثم يدرس التلميذ بيئة القصة، ليحدِّد زمانها ومكانها[8]، وهل بيئتها واقعية أم خيالية، ونوع هذه البيئة "بيئة الكرم والجود، بيئة الحرب الأهلية..."، ويتوقف التلميذ مع أسلوب الكاتب[9]، ويختم بِذكر المغزى الذي استخلصه من القصة.
وقد عرضنا خطوات عناصر الفن القصصي، باختصار، لنبيِّن مدى الخطأ في طرح سؤال يتطلب دراسة عناصر الفن القصصي، ونحن نريد من التلميذ أن يعرض لنا بُنْيَة النمط السردي في إجابته، كما أننا أردنا، بما ذكرناه ضمن الحواشي، تعويد التلميذ على المنهجية السليمة، في حال كتب قصة مما يحيط بواقعه وخياله، كيف يقدِّم شخصياتها، وإذ يتمرن الكاتب على المنهجية السليمة في نمط واحد، بات من السهل عليه أن يتمرن على ذلك في سائر الأنماط الأشد صعوبة، مثل النمط البرهاني، والذي قد تؤدي فيه مراعاة المنهجية إلى زيادة مؤشر مهم في مؤشراته، وغياب هذه المنهجية يؤدي إلى غياب هذا المؤشر، وسنفصل الكلام حول ذلك في موضعه.
ونريد أن نؤكد أمرًا منهجيًا، في حال تم طلب استخراج مؤشرات النمط السردي منا، أن نُعَوِّد التلميذ، أن يذكر في شواهد كل مؤشر، أول شاهد تمَّ ذكره في النص، ثم ينوِّع في شواهده ما يشاء من بعدها، فمثلًا حين يذكر لنا التلميذ في المؤشرات "الأفعال الماضية"، فإن أول شاهد هنا يجب أن يكون أول فعل ماض ورد في القصة، وكذلك الأمر في ضمير المتكلم، والجمل الخبرية، وسواها من المؤشرات.
ولا ننسى الإشارة إلى دور كلٍّ من الوصف والحوار والشعر في النمط السردي، وكلُّها تؤدي دورًا واحدًا، يتمثَّل بإضفاء الجمال إلى القصة، ما يبعد الرتابة والملل عنها، وزيادة تشويق القارئ؛ بالتالي؛ إلى متابعة أحداثها.
ونذكِّر، أخيرًا، بأن الترويسة لا تدخل ضمن مؤشرات السرد وبُنْيَته، وهذه الترويسة تعني وجود راوٍ ثانوي غير الراوي الأساسي، يمهِّد لنا أحداثَ القصة، فيخبرنا؛ مثالًا؛ أنه ذهب إلى مكان ما، واستمع قصة على لسان فلان الذي قال، ........ ثم تنتهي القصة دون أن نرجع إلى الترويسة وكلام الراوي الأول، ولا نرى له علاقة بالأحداث، سوى أنه نقل لنا رواية القصة، فهنا كل ما دخل ضمن الترويسة هذه خرج من مؤشرات النمط السردي، ومن بُنْيَتِه بالتالي.

الموضوع الثاني بإذن الله: النمط الوصفي



[HR][/HR][1] ويمكن استخدام مفاهيم اصطلاحية أخرى، (العنصر المحرِّك أو العنصر الطارئ أو العنصر المفاجئ)، على سبيل المثال، أو استخدام هذه الصفات مع الموصوف: (الحدث) بدل (العنصر).

[2] الترجمة الذاتية: هو مصطلح "السيرة الذاتية"، أما السرد المباشَر، فهو مرادف مصطلح "السيرة الغيرية".

[3] ويلحظ كتاب الثانوي الثاني إنسانيات هنا، طريقة تقديم الشخصيات، ثم نرى تكرار هذه الخطوة لاحقًا، ولا داعي للتكرار، بل هو ضعف في عرض عناصر الفن الفني، ويُكتَفى بذكر طريقة تقديم الشخصيات مرة واحدة، وفي موضعه.

[4] والبدء يكون بالشخصية المحورية، ومن بعدها نتابع مع الشخصيات، إما بحسب ظهورها في القصة، وإما بحسب أهميتها في بناء الأحداث.

[5] الطريقة التحليلية هي التي تكشف لنا انفعالات وعواطف الشخصية، مثال: "رد وهو يرتجف، قال وقد احتقن وجهه، أجاب خائفًا..."، أما الطريقة التمثيلية فتعتمد تقديم الشخصيات من دون إبراز هذه العواطف والمشاعر، والطريقة الأولى تتوافق مع تقديم الشخصيات الرئيسة، بينما تتوافق الطريقة الثانية مع تقديم الشخصيات الثانوية.


[6] إن أنهى الكاتب قصته وأحداثها، وتبيَّن لنا الوضع النهائي فيها، فالنهاية مغلقة؛ أما إن أنهاها بشكل لا يختم أحداثها، تاركًا الخيال إلى القارئ كيف يكمل النهاية كما يحلو له، فالنهاية مفتوحة.

[7] على أن تكون النهاية موسعة، وكأننا نتابع الكتابة بدلًا من الكاتب الأصلي، ولا تكون النهاية على غرار: "أقترح نهاية أن يحصل كذا وكذا"!

[8] ويذكر التلميذ نوع الزمان، هل هو مفتوح، أم أنه مقيَّد قد تم تحديده بوقت معيَّن يمكن لنا استخلاصه من القصة بوضوح.

[9 أي هل استخدم الكاتب اللغة الفصحى أم العامية، أم مازج بينهما؟ وهل العامية؛ في حال استخدامها؛ محلية خاصة بمنطقته، أم لها أصل في الفصحى؟ وهل الألفاظ سهلة أم تحتاج الشرح والرجوع إلى المعجم؟