سورة الحجرات، تفسير لغوي وشرعي

[ منتدى نور على نور ]


النتائج 1 إلى 8 من 8

العرض المتطور

  1. #1


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,307
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: سورة الحجرات، تفسير لغوي وشرعي

    [SUB][SUP]
    [/SUP][/SUB]
    بسم الله الرحمن الرحيم

    نتابع وإياكم، في ظلال سورة الحجرات.
    يقول الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون}

    نذكر بالنداء (يا) إنه إما خير نؤمر به، وإما شر ننهى عنه، فوجب أن نعيره انتباهنا... وفي الآية هنا نهي عن مسألتين مختلفتين، الأولى أشد من الثانية، وكلتا المسألتين لها عقاب واحد، فالنهي الأول عن رفع الصوت فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم، الله عز وجل يرشد الصحابة الكرام إلى أعلى درجات الأدب، كانوا يجلسون مع النبي صلى الله وسلم ويتحادثون في أمور دينهم ودنياهم، ولكن عليهم أن يدركوا أنا لمصطفى أعلى منهم درجة ومقامًا، وبالتالي لا ينبغي لأحد أن يرفع صوته أعلى من صوت النبي، وهذا النهي الأول، ومن النهي الأول يأتي التدرج إلى النهي الثاني، فحتى مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم كما يخاطبون بعضهم بنبرة الصوت، خطأ عظيم، يلتقي مع الخطأ الأول، بأن كليهما يؤديان بالمؤمن إلى فقدان أجر عمله من صلاة وصوم وزكاة وصدقة وحج وجهاد وأذكار، كل العمل الطيب الذي يأتيه بالحسنات سيذهب هباء منثورًا، في حال رفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم، أو حتى خاطبه كما يخاطب الناس الآخرين بنفس درجة ارتفاع الصوت، لكن الخطأ الثاني يفترق عن الخطأ الأول بأمر، أن الخطأ الأول (رفع الصوت فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم) له عقوبة ولكن ترك مثل هذا الخطأ ليس فيه ثواب، لأن الأصل وأدب الحوار والكلام ألا نرفع أصواتنا فوق صوت الآخرين، فما بالنا إن كان من نكلمه هو رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

    أما ترك الخطأ الثاني، الذي يُعَدُّ خطأ فقط إن كان مع النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يُعَدُّ خطأ إن كان مع سواه، فله ثواب كبير من الله تعالى: {إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم}، ذلك لأن هذا الأمر فيه تكلف من صاحبه ومشقة عليه، أن يخفض من نبرة صوته المعتادة التي يتكلم بها، فقط حين يكلم إنسانًا معينًا، ونلحظ التدرج في الثواب، أولًا المغفرة، هنا البشارة، أن مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم بنبرة أخف من سواه تغفر الذنوب، وثانيًا الأجر العظيم، وهنا تدرج في رفع المكافأة، فليست فقط المغفرة على عِظَم هذا الأمر، بل إن الله تعالى يزيدنا من فضله أجرًا عظيمًا... وننتبه هنا إلى ورود هذه المكافأة بصيغة النكرة: (مغفرة ) (أجر)، لا المعرفة، وذلك للدلالة على أن المغفرة والأجر هنا غير محددين، بل مفتوحين وواسعين...
    ومسألة أخرى نشير إليها هنا، أن الله تعالى أكد في الآية القرآنية أمرًا مهمًا، فهو لم يأمر المؤمنين بخفض أصواتهم في مخاطبتهم النبي صلى الله عليه وسلم، بل أمرهم بِغَضِّها، قد أخفض صوتي في مخاطبة أحد احترامًا له، وقد أخفض صوتي في مخاطبة أحد، ولكن صوتي لا يحمل نبرة الاحترام، أما غض الصوت، فلا يكون إلا استحياء وتواضعًا، فهو أعم وأشمل من مجرد خفض الصوت.
    ويطرح السؤال نفسه: هل هذا النهي وهذا العقاب وهذا الثواب، كانوا فقط للصحابة رضوان الله عليهم، ولمن عاصر النبي صلى الله عليه وسلم، لاعتبار أننا لا نستطيع الآن أن نغض أصواتنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
    والإجابة: لا، بل هذه الأمور عامة تشمل كل أمة محمد، فهو وإن توفاه الله تعالى، ما زالت سنته وأحاديثه بيننا، وكم من شخص تذكر له ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم أو أمر به أو نهى عنه فيجادل ويرفع صوته معترضًا مبررًا لنفسه؟ ألا يدخل هؤلاء في باب (الذين يرفعون أصواتهم فوق صوت النبي)؟! بلى إنهم يدخلون فيه... كما يدخل في الأجر والثواب من يصمتون إذ يستمعون حديث النبي صلى الله عليه وسلم، ومن إذا استفسروا عن شيء من كلامه فعلوا ذلك بغضِّ أصواتهم...

    والله تعالى أعلم وأحكم.



    التعديل الأخير تم بواسطة أ. عمر ; 7-6-2018 الساعة 01:13 AM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...