الجزء الثاني لفتاة الجبل الفاتنة (المؤامرة)

[ منتدى قلم الأعضاء ]


النتائج 1 إلى 17 من 17
  1. #1

    الصورة الرمزية Risa-Chan

    تاريخ التسجيل
    Oct 2006
    المـشـــاركــات
    155
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي الجزء الثاني لفتاة الجبل الفاتنة (المؤامرة)

    قبل فترة طويلة , كتبت رواية بعنوان (فتاة الجبل الفاتنة) ولقد نال استحسان الكثيرين , والآن إليكم الجزء الثاني من الرواية , وهي من تأليفي شخصيا ..

    (الفصل الأول : رياح غامضة .. من دوفر )

    بعيداً عن أحضان الجبل الهادئة , نحن الآن في ضاحية من ضواحي لندن البعيدة عن العمران, في الريف الإنجليزي العريق , والشمس تتثاءب بنعومة خلف الأفق في ساعات الصباح الأولى , و الضباب البريطاني الشهير مازال يلف المكان, في أجواء مألوفة ..
    في ذلك الريف الهادئ شيد قصر آل (ستيوارت), حيث الغابات المحتضنة أشجارها منذ سنوات , وبالرغم من قسوة الحرب , إلا أن الطبيعة اللندنية استعادت قواها تدريجياً , وعادت تمارس حياتها الاعتيادية , الطيور رجعت تعانق زرقة السماء الصافية , والنهر الجاري يتدفق بحيويته المعتادة , حاملاً معه الرقة وخريره العذب ..
    والسناجب الصغير ة على الأغصان , تقضم حبات الجوز بأسنانها الرفيعة , لتلج بيوتها في سرعة مع أدنى صوت يتناهى لمسامعها ..
    عاد الوجود كما كان , وكأنما شيئاً لم يحدث ..
    وفي قصر (ستيوارت) , حدث الكثير بعد عودة (ويلي) ..
    صارحه عمه الحبيب بسر غموضه وصمته الدائمين , وقرر (ويلي) احتمال عمه أكثر من ذي قبل , إكراماً لعطفه وحنانه , لم يتغير في حياتهما الكثير , مازال (وليم) كما هو , يحب عزل نفسه في مرسمه , صموتاً , ولكنه لم يعد نادر الحديث كما في السابق بالكاد حدث تغير طفيف على شخصيته, أصبح يجاذب ابن أخيه أطراف الحديث بين الفينة والفينة , وان كانت بضع كلمات , لكنها كافية له .

    في مرسمه الغامض , الموجود في نهاية رواق طويل بالطابق الأسفل للقصر , حيث الهواء المتجدد والنوافذ المطلة على حديقة القصر , والتي يوليها البستاني ـ بأمر (ويلي) ـ جل رعايته واهتمامه , قبع (وليم ستيوارت) في تلك الساعة المبكرة , يحتسي القهوة المرة التي يعشق , وهو يقف في منتصف مرسمه , متطلعاً في شرود إلى اللوحات المجنونة المعلقة منها والملقاة أرضاً في إهمال , وقبضات الأوراق المتناثرة في كل المرسم , أسند ظهره إلى حاجز النافذة المفتوحة خلفه , ووضع قدح القهوة الفارغ على المنضدة الرخامية قربه , ليلتقط رسالة ما , وأخذ يعيد قراءتها , والنسيم اللطيف يداعب قماش الدانتيلا خلفه , ويعبث بمقدمة شعره الذهبي الجميل ويحاول بنعومته انتزاع الرسالة منه , كل هذا الجمال غاب عن ذهنه وإمارات التركيز تحتل الجانب الأعظم من وجهه , وعيناه تجري على الكلمات في بطء وتوتر ..
    حمل له الخادم هذا الصباح , رسالة وصلته من إحدى قريبات زوجته الراحلة , رسالة غريبة من أرملة صغيرة , تطلب منه استضافتها في قصره لبضعة أشهر , بغية علاج شقيقتها الصغرى على يد طبيب شهير في المدينة , وبسبب بعد المسافة عن مسكنها وأسرتها , قررت المكوث في قصره حتى يتم شفاء شقيقتها الصغرى ..
    قرع أحدهم باب مرسمه وقطع عليه حبل أفكاره , فرفع (وليم) عينيه عن الرسالة , وقال بصوته الهادئ :
    ـ تفضل .
    ولج (ويلي) المرسم مبتسماً في حنان , وهو يلق تحية الصباح بمودة , وأغلق الباب خلفه , وتطلع لعمه صامتاً محتفظاً بابتسامته , وأردف في مرح :
    ـ أخبرني (جون) برغبتك في رؤيتي ..
    تلاشت ابتسامته تدريجياً , عندما تنهد عمه في حرارة , وهو يقدم له الرسالة , فالتقى حاجبيه وهو يتنقل بصره بين الورقة الممدودة وعيني عمه الذابلة , وألتقط الرسالة وقرأها في عناية ..
    عزيزي (وليم ستيوارت) ..
    سنوات مضت ولم نتقابل , وأراهنك أن لا أثر لملامحي في ذاكرتك المتخمة بالجراح , عقب رحيل ابنة عمتي ـ زوجتك ـ والأسباب عديدة , وكلانا يعرفها , فلا داع للخوض في غمارها ..
    أنا (كريستين هارولد) , المرأة التي رأت الكثير في حياتها , بأكثر مما تحتمله سنوات عمرها الأربع والعشرين , تزوجت وترملت , مات زوجي في الحرب كما زوجتك , وغرقت في الحزن والوحدة , ولا أرى في الدنيا سواك لأبث له بهمومي وأحزاني ..
    عزيزي ..
    لست أستدر عطفك , ولكن أناشدك العون في مسألة لا أظن صدرك سيضيق بها , شقيقتي الصغرى (ديانا) تعان من عيب خلقي في القلب , وتحتاج لمتابعة مستمرة من الدكتور (ألبرت جونز) , والذي يعمل في مستشفى لندن , وبما أننا نقيم في (دوفر) , فمن الصعب علينا زيارته على نحو أسبوعي , لهذا قرر والدي ترشيحك لأقيم في قصرك , مع معرفته التامة بوجودك فيه وحدك , فلست أظنك ترفض رفقتي طوال مدة علاج أختي .. لاسيما ألا أقارب لنا هنا سواك .. صدقني , لن تندم على استضافتي , كلانا وحيد , وكلانا يحتاج لبعض التغيير , والنذر اليسير من الاهتمام ..

    مع فائق تقديري / كريستين هارولد

    طغى التوتر على قسمات (ويلي) وهو يبعد الرسالة عن عينيه , ورمق عمه في اهتمام وعمق , في حين أشعل (وليم) سيجاراً, ونفث مع أنفاسه هموم قادمة , فسأله (ويلي) في حذر:
    ـ وما رأيك يا عمي ؟
    عقد (وليم)أحد ساعديه أمام صدره وثنى الآخر , وجذب أنفاس أخرى من سيجاره , وغمغم في قلة حيلة:
    ـ سأستضيفها كما تريد .
    وسعل في شدة وكأنما ذكر أمراً يفوق قدرته على الصبر , فتوترت أعصاب (ويلي) واستمر يرمق عمه في صمت قلق , وهبات شذى الصباح تصر على اللهو بشعره , من النافذة خلفه ..
    هو أعلم الناس بحالة عمه الحبيب ..
    وهذه المرأة لا ريب تخفي أمراً ما ..
    إحساسه الداخلي يخبره بوجود متاعب قادمة في الطريق ..
    وحالة عمه لا تحتمل مزيداً من الضغوط ..
    مطلقاً..
    ماذا لو حدث بقدومها الأسوأ ؟
    هل سيحتمل عمه مزيداً من الأحزان ؟
    أم أنه بحاجة حقاً لوجود امرأة في حياته ؟
    قال (وليم ) بعد فترة من الصمت , وهو يسحق سيجاره بحذائه ومازال في العقب المزيد :
    ـ عرفتها في طفولتها, كانت الفتنة مجسمة.
    رمقه (ويلي) في إشفاق , ووضع الرسالة جانباً , وقال في رفق :
    ـ أخشى أن يرهقك وجودها .
    تطلع إليه في حيرة, وترك اللوحة البيضاء التي استعد للرسم عليها, فازدرد (ويلي) لعابه, مع نظرة عمه المتسائلة, فاستطرد في خفوت:
    ـ أقصد أن القصر سيضم أشخاص سوانا, وأنت بالكاد تحتملني , و..
    قاطعته ابتسامة عمه الدافئة , فتضرج وجهه بحرة الخجل , وشعر أنه أهان عمه دون قصد , وأشاح بوجهه حينما بسط عمه كفيه على كتفيه , وضغطهما في لطف , وسمعه يقول في حنان :
    ـ أتخشى علي من امرأة ؟
    تدفقت دماء الخجل أكثر لوجنتي (ويلي) وعجز تماماً عن الحديث , أو النظر لوجه عمه , ولام نفسه على عبارته ..
    وان كانت شكوكه في مكانها السليم , فليس من حقه الاعتراض على ضيوف عمه , مهما كانوا ..
    ومهما أنبأه إحساسه الداخلي بعدم الارتياح ..
    لكن ما العمل ؟
    وأين كانت تلك المرأة ؟
    ولماذا الآن تحديداً ؟
    وهل غايتها ما ذكرته كلمات الرسالة فقط ؟
    أم أنها تخفي أمراً ؟
    ماهذه الحيرة ...؟




    ملاحظة / من دواعي سروري مشاركتي الرأي

  2. #2

    الصورة الرمزية Demor

    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المـشـــاركــات
    3,319
    الــــدولــــــــة
    اليابان
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: الجزء الثاني لفتاة الجبل الفاتنة (المؤامرة)

    اسلوبك روائي جيد ... فلم لا تسمينها رواية ... ان كانت القصة طويلة ....

    هل قرأت لأغاثا كريستي من قبل... أظن أن فكرة الحرب للبريطانين قد أثرت على كتاباتها كثيراً ....

    و بصراحة اسلوبك رائع ...

    بانتظار التكملة يا عزيزتي ...

    ولكن في المرة القادمة اجعلي النص في محاذاة لليمين .... لكي يسهل علي قراءته ... ^^

    الى اللقاء
    تحياتي
    النينجا ديمور

  3. #3

    الصورة الرمزية Risa-Chan

    تاريخ التسجيل
    Oct 2006
    المـشـــاركــات
    155
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: الجزء الثاني لفتاة الجبل الفاتنة (المؤامرة)

    شكرا جزيلا لك يا عزيزتي ..
    مع التكملة ..

    2ـ امرأة ساحرة :
    هناك .. قرب النهر الصاف , جلس (ويلي) حزيناً , شارداً , على بساط عشبي طري , غير مصغ لأنشودة النهر الأبدية , ومياهه الشفافة , وبين أصابعه شريط برسيم ذابل , سحقه فستحال لونه النضر , إلى الخضرة الداكنة , وهو جالساً أرضاً , وقد ثنى ركبتيه وطوقهما بذراعيه , مرسلاً بريق عينيه للبعيد ..
    سماء أيار تشهد مولد الياسمين , وتغريد العصافير يحتفل بالربيع في حفلة وداع رقيقة , وتباشير الخريف طبعت بصماتها على صفرة أشجار الصنوبر الشامخة , شموخ (وليم) وصموده , في مهب أقداره ..
    أربعة أيام مرت وكأنها دهراً بالنسبة لــ(ويلي) ..
    (كريستين) , المرأة الغامضة .. استحوذت على تفكيره كلياً , ودفعت بعقله نحو أكثر من جبهة ..
    إنها قادمة بلا ريب , وستكون لها مكانتها في القصر ..
    وأين سيصل به الأمر مع وجودها ...
    إنه واثق من قدرته على تجاهلها ..
    لكن ماذا عن عمه البائس , وستأتي امرأة ما , تقتحم حياته , وقد تتربع على عرش قلبه ؟
    عرش قلبه ؟!
    انتفض (ويلي) بحق مع هذه العبارة ..
    وأفلت حصار ذراعيه عن ركبتيه ..
    عرش قلبه ؟
    قلب عمه الحبيب ..؟
    هل سينتزع أحدهم قلب عمه , ويفقد هو مكانته ..؟
    مستحيل ؟
    إنه لا يتصور عمه أبداً يولي اهتمامه لشخص غيره ..
    فماذا لو كان الأمر يقصد امرأة فاتنة بشهادته ؟
    هل سيصمد عمه (وليم) , أمام تلك المرأة ؟
    لا سيما ولم يره قط ينظر لأي امرأة منذ قدومه إلى هنا .
    تلك المرأة تخفي شيئاً ولا ريب ..
    وعمه شديد الأناقة , شديد الوسامة , فاحش الثراء ..
    فهل يعقل أن يمر شخصاً بسمات (وليم ) , في حياة تلك المرأة الغامضة مرور الكرام ؟!
    ولكن .. أي نوع من الرجال هو عمه ؟
    إن كان رقيقاً معه هكذا , فكيف سيتصرف أمام كتلة من الأنوثة والنعومة والجمال ؟
    الرقيق لا ينس رقته , ويوزعها بسخاء على الجميع ..
    حتى وإن أظهر عمه النذر اليسير من توتره لقدومها , فأدبه الفطري سيمنعه من البوح بخبايا صدره ..
    لكنه مضطرب..
    لا يتوقف عن الرسم المبهم , والصمت ..
    ليس صمتاً يا عمي , إنما هو الجحيم بعينه ..
    أن تعيش مع شخص يهوى عزل نفسه بمنأى عن الجميع ..
    إلا عني !
    وتلك المرأة قادمة , تظهر البؤس وتخفي شيئاً خلف الستار ..
    يكاد يقسم أنه محق , ويجزم خبث تلك المجهولة ..
    مازال أمامك الوقت يا (ويلي) , لا تستبق الأحداث ..
    خيل إليه أن العبارة الأخيرة انطلقت من فؤاد أرهقه التفكير المضني , فنهض ببطء وعيناه على حزنهما , والكآبة تعصف بشرايين أعماقه ..
    عاد أدراجه في يأس , وكأن أحزان الدنيا تثقله ..
    أرسلت الشمس آنذاك شعاعاً لطيفاً , تسلل من وراء غيمة كبيرة مشبعة بالمطر , سقط أمام طريق (ويلي) وكأنه ينيره في ظلماته , ولكن عبثاً ..
    (ويلي) مقتنع الآن بحقيقة جلية كضوء الفجر الصامت ..
    إنه يحب عمه (وليم) , ويرفض أن يقاسمه أحد هذا الحب ..
    عم (وليم) خلق له فقط .
    له فقط ..
    أخذ يردد هذه الجملة في نفسه بعزم وثبات , إلى أن وصل للقصر وتوقف يرمق السيارة السوداء أمام المدخل , عاقداً حاجبيه في تساؤل مريب ..
    فأمام القصر توقفت سيارة سوداء حديثة , تزامن وقوفها مع وصوله , فضم ساعديه أمام صدره وتوقف إلى يسارها بصرامة محاولاً استراق النظر لراكبيها عبثاً , حينما هبط سائقها في عجل ودار حول مقدمتها ليفتح الباب الخلفي , وينحني في مبالغة وهو يقول في لهجة شديدة الاحترام :
    ـ وصلنا يا سيدتي !
    برزت ساق ممشوقة تنضح نعومة ورشاقة ونضارة , انحشرت في حذاء أسود صغير ذي كعب عال , تليها الأخرى .. ثم أعتدل جسد صاحبتها , وقفز حاجبا (ويلي) للقمة , وأعتدل في بطء مع تدلي فكه السفلى , وذراعيه ينحلان من حول صدره , ودون أن يشعر بهما تقريباً ..
    وترددت أنفاس الانبهار في صدره مرات ومرات ..
    ورغماً عنه أصدر فؤاده آهة ذهول .. ولا يلام أبداً .
    وجهاً لوجه .. وجد نفسه واقفاً أمام أجمل امرأة وقعت عليها عيناه ..
    كانت الفتنة مجسمة , نجمة صباح أضلت طريقها ووصلت خطأ للأرض ..
    امرأة شابة رائعة ..
    من الإجحاف وصف جمالها ..أو الإشارة إليه بالكلمات ..
    عيناها قطعتا ألماس متوهجة , في لون العسل الذهبي الصاف ..
    رموشها تلق ظلال تحت عينيها ..
    أنفها تحفة منمنمة ملساء ..
    شفتاها ثمرة ناضجة , ممتلئتان في إغراء ودعة ..
    وجهها دائري عذب , ناصع البياض كأنامل الياسمين في أول إشراقه ..
    غطت شعرها الذهبي بقبعة بيضاء قصيرة الأطراف , وعلى جسدها الرشيق , فستاناً أبيض حفت أطرافه بشرائط سوداء أنيقة , طويل الأكمام , محتشم العنق , وقد دست كفيها الرقيقين داخل قفاز حريري أسود , بالكاد يلامس طرف الثوب ركبتيها ..
    أرسلت المرأة نظرات طويلة صامتة لـ(ويلي) الغارق في التطلع إلى حسنها , وتركته يتأملها مستمتعة بنظراته , مدركة بخبث أنثوي قدرتها على اجتذاب الرجال , وابتسمت في عذوبة , وقالت في صوت رقيق يفيض دلالاً ودعة :
    ـ صباح الخير .
    انتفض (ويلي) في عنف , كالذي يفيق من حلم جميل , وقال رغماً عنه :
    ـ هه ؟
    اتسعت ابتسامة المرأة وازدادت ثقتها واعتدادها بنفسها , واستدارت تنظر لشقيقتها الصغرى وهي تغادر السيارة بدورها , وتقف بجوارها , فأعادت الفاتنة بصرها لـ(ويلي) وأردفت في خبث وهي ترخي جفونها في حركة مدروسة :
    ـ هل سترسم لي صورة أيها الفتى ؟
    فطن (ويلي) لسلوكه الخالي من اللباقة , وأسرع يرحب بها قائلاً في تلعثم , والكلمات تفر منه :
    ـ عذراً يا سيدتي .
    وانحنى في مبالغة , وضربات قلبه تصل لألف نبضة , وصكت مسامعه ضحكات ناعمة , غادرت شفتي الصغيرة وهي تقول في سخرية :
    ـ يالسوء حظك يا (كريستين) , هاقد وضعت في موضع السلعة مرة أخرى .
    اتسعت عينا (ويلي) لعبارة الفتاة , واعتدل بسرعة وقد فهم مقصدها على نحو خاطئ , وتضرج وجهه بحمرة خجل قانية , وهو يلوح بكفيه قائلاً بارتباك مضاعف :
    ـ أكرر أسفي يا سيدتي , ولكن جمالك .. أ ..
    أطبق شفتيه مع ابتسامة المرأة الواثقة , وضحكات الصغيرة تشق أذنيه للمرة الثانية على التوالي ..
    وغرق هو تماماً في بحيرة صغيرة , هي مزيج من العرق والخجل والارتباك ..
    ترى .. كيف ستكون ردة فعل (وليم) أمام كل هذه الأنوثة الطاغية ؟
    هل سيصمد أم يتهاوى كما فعل ابن أخيه ؟

  4. #4

    الصورة الرمزية Demor

    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المـشـــاركــات
    3,319
    الــــدولــــــــة
    اليابان
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: الجزء الثاني لفتاة الجبل الفاتنة (المؤامرة)

    هههههههههههههههه
    رااااااااااائع .. بانتظار التكملة ^^ ..

    تحياتي النينجا
    ديمور

  5. #5

    الصورة الرمزية Risa-Chan

    تاريخ التسجيل
    Oct 2006
    المـشـــاركــات
    155
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: الجزء الثاني لفتاة الجبل الفاتنة (المؤامرة)

    3ـ (كريستين) .
    حملت هبات أيار شذى أول تفتح بنفسج , وتراقصت ستائر الحرير الشفاف داخل الصالون الفخم , المصمم على طراز ما قبل الحرب العالمية الثانية , حيث استقبل (ويلي) ضيوف عمه , قبل أن يستدعيه الخادم .
    كان يحتل الصالون غرفة ضخمة فارهة , يغلب عليها اللون الأبيض والأزرق السماوي , تعج بالتحف الباهظة , وقطع السجدات الوثيرة , وصفت قطع الصوفا البيضاء في تناسق بديع , يوحي بالذوق والأناقة , وفي ركن قصي , نصبت تحفة هائلة الحجم , تبلغ قيمتها آلاف الجنيهات , على أقصى تقدير .
    وضعت المرأة قبعتها جانباً , فبدا شعرها الأشقر متموجاً في نعومة حتى أسفل أذنيها , حيث أطرافه , وأعادت ترتيب ما فر من خصلات بفعل النسمات , وأسبلت جفنيها في حركة مدروسة وعادت تفتحهما , ورسمت على شفتيها ابتسامة تحمل طناً من الثقة والغرور , وهي ترمي (ويلي) بنظراتها , فأنكمش (ويلي) على نفسه , وأسترق بضع نظرات لشقيقتها التي تبدو أكثر هدوءً وطبيعية , كانت جميلة دون مبالغة , في ربيعها الخامس عشر , شقراء كشقيقتها , عيناها في زرقة السماء الصافية , رقيقة الملامح , قصيرة نوعاً ما , بجسد ضئيل أضناه المرض .
    وضعت المرأة ساق فوق أخرى , تاركة طرف ثوبها ينحسر عن فخديها أكثر فأكثر , وتململت في جلستها وهي تقول في ضجر واضح :
    ـ أين الكونت (وليم ستيوارت) ؟
    ازدرد (ويلي) لعابه في حركة مسموعة , وغمغم :
    ـ لقد أرسلت في طلبه منذ برهة , سيأتي حالاً .
    أرخت ظهرها على الأريكة وتطلعت إليه ملياً , فتشاغل هو بالنظر لأختها , والتي بدت هادئة للغاية .
    انفرج الباب عن وجه (وليم) , فنهضت المرأة في انبهار , وتعلقت عيناها بوسامة (وليم) الملفتة , وهمست لنفسها مأخوذة :
    ـ أروع مما تخيلت , ما هذه العينان ؟ ما هذه الشفتان ؟ إنه الجمال بعينه .
    اقترب منها حاملاً ابتسامة ودود , ابتسامة خالية تماماً من مشاعر الإعجاب أو الانبهار , بخلاف ابن أخيه , الذي كاد يصرع أمامها , فتمالكت المرأة نفسها ونفضت عنها ما تشعر به , وإن عجزت تماماً عن السيطرة على خفقات قلبها السريعة , والرجفة الممتعة التي سرت في شرايينها , وحين توقف على بعد خطوات قصيرة منها , امتلأت أنفاسها برائحة عطره الآسرة , وتعلقت عيناها بعينيه , وهو يقول مرحباً , بلكنته الهادئة , ويمد كفه ليصافحها :
    ـ أهلاً بك يا (كريستين) ؟
    أشرق وجهها بابتسامة فرح , وقدمت له كفها مقلوبة وكأنما تدعوه ليلثمها بقبلة , وفي بساطة يحسد عليها تناول أناملها في راحة يده , فسرت قشعريرة لذيذة في أوصالها مع ملمس أنامله الدافئة , وحينما لا مست شفتيه ظهر كفها البض , حلقت (كريستين) في سماء الحب الوردية مع قبلته , وكادت تفقد وعيها مع بريق عينيه الغامض , وتمنت لو يحتضن كفها , ويشبعه تقبيلاً , واحتضاناً , و....
    أعتدل تاركاً كفها بهدوء وتلقائية , فأفاقت من أحلام اليقظة , ودهش (وليم) من نظراتها التي تكاد تخترقه , وصدرها الذي يعلو ويهبط في أنفاس متعاقبة , فخفض بصره مع عجزه عن الاستمرار في التحديق بها , ثم دعاها للجلوس في بساطة , وسمعته يرحب بشقيقتها بهدوء شديد , قبل أن يتخذ مكانه بجوار ابن أخيه ..
    لحظات صمت مضت , كأنها عمراً بالنسبة لـ(كريستين) و(ويلي) ..
    (وليم) يحاول حجب وجهه عن نظرات (كريستين) المفعمة إعجاباً , ونشوة , ولو كان بمقدور البشر اختراق حجب العقول , لسمع أعماقها تصرخ :
    ـ هذا هو هدفك يا (كريستين) , هذا الرجل يمثل المجد , واسم العائلة العريق , وأطناناً من المال , وجمالاً لا يضارع , هذا هو .
    (ويلي) شعر بارتياح عجيب, وكأنما حملاً ثقيلا ً زال عن كاهليه , فنظرات عمه للمرأة الفاتنة , لا تختلف قط عن نظراته إليه , وهذا ما سيدفع بالمزيد من روح الثقة بذاته .
    (ديانا), أخذت ـ بحكم سنها ـ تقارن بين ملامح (ويلي) العادية, وملامح (وليم) المبهرة, واختلست التطلع لشقيقتها الرائعة, متخيلة مدى انسجامهما في المستقبل.
    تنحنح (وليم) وقال في هدوء :
    ـ حمداً لله على سلامتك يا (كريستين) , سنوات مضت على آخر لقاء لنا .
    ابتسمت قائلة في لهجة تقطر دلال ونعومة :
    ـ أجل , كنت صغيرة جداً آنذاك .
    وافقها بابتسامة اجتماعية خالية من المشاعر , ثم أشار لـ(ويلي) قائلا ً :
    ـ أقدم لك ابن أخي , (ويلي ستيوارت) .
    ضاقت حدقتاها وهي تغمغم في ضيق خفي :
    ـ أهو ضيفك أيضاً ؟
    أجاب في تلقائية :
    ـ كلا .. بل يقيم هنا .
    تراقص الغضب في فؤادها , وهي من حسبته يعيش بمفرده , لكن غرورها دفع بغضبها بعيداً , لا سيما مع ثقتها اللانهائية بنفسها وجمالها , فاستعادت ابتسامتها وقالت في تصنع :
    ـ جميل, فـ(ديانا) لا تحب الوحدة.
    مط (ويلي) شفتيه في اعتراض, وترك أمر الرد لعمه, الذي نهض قائلاً في حنان, موجهاً حديثه للصغيرة :
    ـ أتمنى لك الشفاء .
    واستدار لـ(ويلي) وأردف في خفوت شديد :
    ـ تولى أمر العناية بهما يا عزيزي .
    وفي هدوء استفز (كريستين) غادر الصالون , فأشتعل الغضب في أعماقها أكثر فأكثر..

  6. #6

    الصورة الرمزية Demor

    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المـشـــاركــات
    3,319
    الــــدولــــــــة
    اليابان
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: الجزء الثاني لفتاة الجبل الفاتنة (المؤامرة)

    بانتظار عقدة القصة لتبدو مثيرة أكثر .... ^^

    اعجبني اسلوبك في الكتابة واتمنى ان يكون فيه المزيد من التحفظ ....

    see u'

    مبارك عليج الشهر ....

  7. #7

    افتراضي رد: الجزء الثاني لفتاة الجبل الفاتنة (المؤامرة)

    hello there
    u have a woderful writing skill
    ur story is also beautiful
    and not ordinary,, untill now
    I'm looking forward to the next part

  8. #8

    الصورة الرمزية Risa-Chan

    تاريخ التسجيل
    Oct 2006
    المـشـــاركــات
    155
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: الجزء الثاني لفتاة الجبل الفاتنة (المؤامرة)

    رمضان كرييييييييم يا حلوين , وشكرا حار لكل من يقرأ الرواية وإليكم الفصل الرابع


    4 ـ النوايا المزدوجة .
    ثلاثة أيام انصرمت من عمر الأيام , و(كريستين) مع شقيقتها في قصر
    آل (ستيوارت) ..
    ثلاثة أيام مثلت الدهر بذاته , جراء ما شعرت به من الملل والسأم والكآبة ..
    (ديانا) تزور طبيبها لمدة ساعة واحدة كل يومان , يرافقها أحد الخدم من القصر , وتمض (كريستين) الساعات الطوال وحيدة , تتنقل في ضيق ما بين الحديقة وأرجاء القصر المنيف , الهادئ دائماً ..
    (ويلي) يمض لمدرسته ليعود مرهقاً بعد الظهر , بالكاد يجيبها , أما (وليم) فهو قصة أخرى عجيبة ..
    (كريستين) تقسم في أعماقها أنها لم تقابل قط رجل مثله , منذ مجيئها لم يتبادل معها سوى بضع كلمات , لا تتجاوز .. صباح الخير , عمت مساء ً , فقط ..
    فقط !
    الأمر الذي سيؤدي بها للجنون ..
    من أي شيء قد هذا الرجل ..
    ودفعها عقلها الغاضب إلى احتمالات عدة ..
    إما أنه خلق من صخر لذلك خلا قلبه من إحساس الرجل الطبيعي , أو أنه ...
    الثري ذي الأطوار الغريبة ..
    نعم , لا تجد صفة أكثر ملائمة له سواها ..
    لقد اعتادت أن تكون محط أنظار الرجال في (دوفر) ..
    الجميع يحوم حولها, والجميع يتمنى لو تجود له بنظرة..
    مركزها الاجتماعي, وجمالها الأخاذ يبهر كل من يراها ..
    إلا (وليم)..
    يا للقدر ..
    (كريستين) التي طالما استمتعت بإذلال كل من يقترب منها ..
    أضحت في نفس موضع أولئك البؤساء ..
    بالأمس أذلت ناصية نبلاء (دوفر) .. واليوم يذل نبيلاً من (لندن) ناصيتها ..
    وليته يشاركها الوجبات ليتسنى لها مبادلته أطراف الحديث, بل أنه منعزل دائماً في غرفة ما أقصى الرواق الشرقي , تاركاً إياها مع (ويلي) الذي يتجاهلها على نحو سافر, وشقيقتها (ديانا) تقض معظم وقتها متنقلة بين حديقة القصر وإسطبلات الخيول , غير مدركة أبداً نوايا شقيقتها ..
    لكن (كريستين) لم تعتد رفع راية الاستسلام بسهولة ..
    إنها (كريستين هارولد) ..
    الأرملة الأكثر شهرة في (دوفر) ..
    لن تسمح لشخص كـ(وليم) بإذلال ناصيتها ..
    أبداً ..
    وفي هذا الصباح اتخذت قرارها ..
    إن لم يشعر بها (وليم) بهدوء فستجبره بسحرها ودفئها أن يفعل ..
    وفي الغرفة المخصصة لها , ارتدت ثوباً فضفاضاً في لون السماء , عاري الذراعين , قصير كعادتها , وطوقت عنقها بعقد من اللؤلؤ الطبيعي , مع لمسة عطرية ناعمة , دفعت بالمزيد من الثقة لفؤادها , وغادرت الغرفة وفي رأسها تعربد فكرة واحدة ..
    يجب أن ينظر (وليم) إليها ..
    تريد أن ترى نظرات نهمة في عينيه , واهتمام يشوبه الحب ..
    نعم , هي تريده أن يقع في حبها ..
    رغماً عنه سيحبها ..
    وعن طريق إحدى الخادمات وصلت لمرسمه , وتمالكت أنفاسها قليلاً , وقرعت الباب
    وانتظرت ..
    أجابها الصمت فقط , فأنتابها السأم من الانتظار , فعادت تقرع الباب في إلحاح مزعج , ولا مجيب أيضاً , فعقدت حاجبيها الجميلين , وزفرت قائلة في حنق :
    ـ هل يمارس العاملون هنا نوعاً من العبث معي ؟
    وقرنت قولها بدفع الباب في بساطة , فانفرج عن غرفة واسعة , مشرقة في ارتياح , بأشعة شمس الصباح التي تتوسد أرضيتها الخشبية , وان كانت توحي بالفوضى والإهمال , بلوحاتها وأوراقها , وفي المنتصف تماماً وقف (وليم) يضرب لوحته بفرشاته , وقد توقف عن الرسم , وأرسل إليها نظرات حيرة ودهشة ...
    ولأول مرة ينتاب (كريستين) شيء من الخجل , ورجل ما يتأمل محياها الرقيق , فسرت حمرة خجل طفيفة على وجنتيها , دفعتها للقول في ارتباك ضايقها شخصياً :
    ـ عذراً يا (وليم) , لكن طرقت الباب عدة مرات ولم يجبني أحد , فدخلت .
    استمر متطلعاً إليها بذات النظرات التائهة , كالذي يراها للمرة الأولى , ففسرت نظراته تلك على نحو خاطئ , الأمر الذي جعلها تفقد سيطرتها على أعصابها لتصرخ في حدة مباغتة :
    ـ لست كاذبة , إنها الحقيقة .
    اضطرب (وليم) كثيراً من صوتها الحاد المباغت , لدرجة وقوع فرشاته و طبق ألوانه في صوت مزعج , وهو يتراجع للخلف مطبق الشفتين , ممتزج الحاجبين , وقد تسارعت نبضات قلبه , وتعاقبت أنفاسه , وفرت الدماء الطبيعية من وجهه , فغدا شاحباً شحوب الموتى .
    بلغت دهشة (كريستين) مبلغها مع حالته هذه , وأدركت بطبيعتها الخبيثة أنه يعاني من متاعب ما , وتواثبت قطرات السعادة في حناياها , وبسرعة تفوق التصور , تقمصت الوداعة واللهفة الخائفة , وهي تثب إليه قائلة :
    ـ رباه , هل أرعبتك يا عزيزي ؟
    أشاح بوجهه عنها , وحاول عبثاً السيطرة على خفقات قلبه , وقد أرعبه صوتها المرتفع بحق .
    وضعت (كريستين) كفها على صدره , وأودعت شفتيها أكثر ابتساماتها إغراءً وفتنة ,
    وهي تستطرد في قلق كاذب :
    ـ آسفة جداً , أنا الملامة على تصرفي , و..
    بترت عبارتها حينما شعرت بنبضات قلبه أسفل كفها , تكاد تخترق صدره , وأدركت أنه خائف للغاية , وبالرغم من جهلها أسباب كل هذا الذعر والأمر لا يستحق , إلا أنها قررت استغلال هذا الأمر لصالحها , فربتت على صدره , ورفعت رأسها إليه ودفعت بالمزيد من أريجها العطري لأنفاسه , والسكينة الخادعة تملئ عينيها , وتأملت وسامته في افتنان , ثم ملت نحوه هامسة كالأفعى :
    ـ لا تقلق , (كريستين) هنا , وستظل بجوارك لترعاك .
    تجاهلها تماماً ومازال مشيحاً بوجهه , وقد عجز حتى عن الرد مع ارتجافه شفتيه , وجزءً كامن في ذاكرته يخبره أن من تقف جواره , تحمل الكثير من دفئ زوجته وحنانها , فرفع ذراعيه في بطء ليحتويها , لولا صرخة ألم انبعثت من أعمق أعماق فؤاده , تحمل صوت زوجته الحبيبة , فأزاحها عنه برفق , وركض مغادراً مرسمه وهو يسد أذنيه بكفيه , والألم يغزو ملامحه , ويعمي بصيرته .
    وقفت (كريستين) في مكانها حائرة , فتصرفه أقلقها وأسعدها في نفس الوقت ..
    إنه بحاجة للمزيد من الوقت معها , لتكسب وده وحبه , لكنه غير طبيعي ..
    بل إنه ..
    معتوه ؟!
    أجل .. إنه كذلك ..
    مثلما توقعت ..
    تألقت عينيها في نشوة , واستدارت تنظر للوحاته وهي تهمس في ثقة :
    ـ إنه مريض يا (كريستين) , هذه فرصتك الذهبية , لن يقف شيء بينك وبينه , ستجذبينه بقلبك ودفئوك , واهتمامك المزيف , ومع شخص كهذا .. لن يكتشف خداعك له أبداً .
    تطلعت للوحاته الغامضة , ومررت سبابتها على إحداها وقلبت شفتيها قائلة في امتعاض :
    ـ ياللسخف , لوحات غبية , من المؤسف أنه فاحش الثراء .
    استمرت تستعرض لوحاته وإهمال مرسمه , و حذاؤها يدوس أكوام الأوراق في استهتار ..
    ثم أردفت في خيلاء :
    ـ إنه لا يستحق كل ما حصل عليه في حياته .
    من يصدق أن (وليم ستيوارت) معتوه ؟
    ضحكت في سرها وهي تضم ساعديها أمام صدرها , متخيلة نفسها تزف لمعتوه مثله , ولكن لا يهم ..
    عائلتها تواجه شر الإفلاس , وسمعتها على المحك ..
    والكونت المعتوه هدفها ..
    لن يقف أحد في سبيل أهدافها ..
    وستقذف (ويلي) كالحذاء القديم من طريقها ..
    و..
    " ماذا تفعلين هنا ؟ "
    صكت هذه العبارة الغاضبة أسماعها , فأفاقت في فزع من أفكارها , وعقدت حاجبيها في شدة وهي ترى (ويلي) أمام عتبة المرسم , غاضباً حانقاً , ولم يمهلها لتستعيد جأشها بل وثب نحوها , وغرس أصابعه في ذراعها العاري وهو يتابع في خشونة :
    ـ ما لذي جاء بك إلى هنا ؟
    أحتل العناد والغضب محل الصدارة في مشاعر (كريستين) فأستاعدت ذراعها وصرخت في ثورة :
    ـ لا شأن لك , وإياك والتدخل في أموري .
    صاح في ثورة مماثلة :
    ـ ليست أمورك فقط إن تعلق الأمر بعمي (وليم) .
    انقلبت سحنتها وبدت أشبة بالشيطان وهي تتراجع للوراء , وتصوب إليها نظرات تحرق الفؤاد , بادلها بمثلها , وأسرعت تغادر بدورها , محاولة إيجاد منفذ آخر يفضي بها لـ(وليم) , لا سيما الآن وقد أدركت جزء من متاعبه .
    أما (ويلي) فقد زفر في غضب , والخوف يتسلل إلى أعماقه ويعبث جيداً بمشاعره ..
    مثلما تكهن ..
    هدف هذه المرأة عمه ..
    وتغير الأمر يا (ويلي) , فعوضاً عن خوفك من عمك على هذه المرأة , أصبح الأمر معكوساً ..
    ومرعباً ..
    فطن لحالة الألوان المسكوبة أرضاً , فانحنى وحملها مع الفرشاة في عناية , ووضعها على المنضدة الرخامية , ولفت انتباهه أنبوب الألوان الفارغ , ذي اللون الأسود , فحمله في حرص , واحتواه بين أصابعه قائلاً لنفسه :
    ـ إن ابتعت المزيد من هذه الألوان القاتمة , فسأحتفظ بعمي (وليم) إلى الأبد .
    واحتوت راحته الأخرى الأنبوب , وعقله شارداً لما وراء حجب النظر ..
    نعم .. سأبتاع كل الألوان الداكنة في المتجر ..
    سأجعلك تنغمس في سواد سرمدي ..
    هذه هي الطريقة الوحيدة التي أضمن بها الاحتفاظ بك لي ..
    لا أريد شفاؤك من مرضك ..
    أريدك أن تبقى كما أنت ..
    لا تقوى على العيش دوني ..
    قلبك لي فقط يا عمي الحبيب ..
    للأسف يا (ويلي) ..
    لست مختلفاً أبداً عن (كريستين) ..
    وكما تسعى هي لاستغلال ضعفه ومرضه , ستفعل أنت الشيء ذاته ..
    حبك الأناني لعمك , سيحطمه دون أن تشعر ..
    هذه هي المؤامرة القذرة ..
    والضحية , (وليم) البائس ..

  9. #9

    الصورة الرمزية Demor

    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المـشـــاركــات
    3,319
    الــــدولــــــــة
    اليابان
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: الجزء الثاني لفتاة الجبل الفاتنة (المؤامرة)

    جميل جداً...

    بانتظار التكملة يا عزيزتي ... ومزيد من الأحداث المشوقة ^^

    الى اللقاء

  10. #10

    الصورة الرمزية Risa-Chan

    تاريخ التسجيل
    Oct 2006
    المـشـــاركــات
    155
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: الجزء الثاني لفتاة الجبل الفاتنة (المؤامرة)

    5 ـ على حافة الهاوية .
    اكفهرت سماء أيار , وشقت خيوط البرق اللامعة سحبها المتعانقة , وأسدل الظلام سدوله رغم تجاوز الساعة الواحدة بعد الظهر بقليل , وأعقب البرق صوت الرعد الرهيب , المصاحب لزخات من المطر البارد , وراحت نوافذ القصر العتيق تصدر صريراً مخيفاً مع هبوب الريح القوية في الخارج , وأضحى رواق القصر المظلم إلى ما يشبه مغارة مهجورة , تقطنها الأشباح , لا سيما مع زمجرة الريح الغاضبة ..
    دست (ديانا) رأسها أسفل وسادتها في غرفتها, وأغمضت عينيها ذعراً مع هبوط صوت الرعد الرهيب, ثم فتحت جفنيها وتطلعت لشقيقتها في حيرة..
    كانت (كريستين) تقف أمام النافذة في صمت وشجاعة , وقطرات المطر تتحطم على النافذة بالخارج , وعيناها شاردتان للغاية , والتفكير العميق يرسم بصمته في وضوح على قسماتها , تساءلت (ديانا) عن طبيعة شقيقتها الغريبة , وقد وقفت في مواجهة ضوء البرق الصاعق , واللامبالاة تغزو ملامحها , لم تكن تعلم أن (وليم) محور تفكيرها ..
    لم يعد مسموحاً لها بالتجول في القصر كما في السابق ..
    (ويلي) حذر الخدم من السماح لها ببلوغ المرسم , طالما عمه بداخله ..
    الأمر الذي أحنقها ..
    أحنقها بشدة ..
    لكن لا شيء بيدها , ليست سيدة القصر لتكسر أوامره ..
    لا سطوة لها وهي في مصاف الضيوف ليس إلا ..
    و(وليم) لا أثر له إطلاقاً ..
    منذ ذلك اليوم لم ترى له وجهاً ..
    وهذا الأمر يزعجها ..
    يغيظها ..
    ويسلب منها لذة الارتياح ..
    ولكنها لن تعدم وسيلة ..
    إن لم يكن (وليم) لها , فلن يكون لسواها ..
    بذكائها وخبثها ستحقق هذه المعادلة الصعبة ..
    حزمت أمرها وبخطوات قوية غادرت الغرفة , فهتفت بها (ديانا) في فزع :
    ـ إلى أين ستذهبين ؟
    تجاهلتها كلياً وهي تصفق الباب على وجهها , فدفنت (ديانا) نفسها أسفل الغطاء الثقيل , وجاهدت لسد أذنيها عن هدير السماء ..
    قطعت (كريستين) الرواق المفضي لغرفة (وليم) , والجمود يملئ ملامحها , وقرعت باب غرفته عدة مرات , وحين لم يبدي استجابة , دفعت الباب في جرأة وقحة , وأرسلت بصرها لداخل الغرفة شبة المظلمة , وعقدت حاجبيها حينما لم تجده , فأغلقت الباب متمتمة :
    ـ لا ريب أن المعتوه في مرسمه .
    وبسرعة خاطفة هبطت للأسفل , ووقفت قليلاً أمام البيانو القديم , الموضوع إلى يسار السلم , فاتجهت إليه مبتسمة في سخرية , ومررت إصبعها على سطحه اللامع , وتلاشت ابتسامتها وسخريتها دفعة واضحة , حين رأت ثقب خلفته رصاصة أعلى الغطاء , فتوترت أعصابها رغماً عنها , وتذكرت بلمحات خاطفة أيام مريرة , تحمل عنوان الحرب .
    نفضت عن نفسها هذا الشعور السلبي , ورفعت الغطاء في حذر , وضغطت احد أصابع البيانو , فأصدر صوت تردد صداه في الردهة الخالية , فتدفق الارتياح لصدرها فاتخذت مجلسها على المقعد الدائري الصغير , وراحت تنقل أناملها بين أصابع البيانو , وعزفت لحناً قديماً من ألحان المقاومة الشعبية , واسترسلت في عزفها , والسماء تزأر غضبى , والرعد يهز الجدران في هدير مفزع .
    وفي انسيابية , تسلل صوت البيانو في أرجاء القصر الغارق صمتاً وحزناً , إلى أن وصلت أنغام البيانو لمرسم (وليم) , فتوقف عن ضرب لوحته بالفرشاة , وأصغى في انتباه للعزف , وتداعت في مخيلته صورة زوجته الحنون , حين كانت تعزف هذا اللحن بالذات , أبان الاحتلال البغيض , وضحكات أطفاله الثلاثة , أحباءه الذين رحلوا إلى السماء ..
    " (وليم) .. حتى لو فرقنا الموت, فحبنا باق "
    " عش حياتك يا حبيبي, وساعد في بناء (لندن) مع أبناء شعبنا الغالي "
    " لا تدع الحزن يحتوي قلبك , وفكر في المستقبل "
    " أنت حبي الوحيد .. حبي الغالي "
    أخذت تلك الكلمات تدور في عقل (وليم) ويتردد صداها في روحه ..
    كانت آخر كلمات زوجته وهي تموت بين ذراعيه ..
    لقد رحلت , وحل الحزن والعذاب محل الفرح والسعادة ..
    برحيلها رحلت الأيام السعيدة واللحظات الحنونة ..
    صوت البيانو ما زال مستمراً ..
    وقلب (وليم) يدق بشدة ..
    بعنف ..
    كلا .. لا أريد سماع ما يذكي نيران شوقي لـ(جوليا) .
    كفى عزفاً ..
    كفى عذاباً ..
    أفلتت أصابعه ألوانه الداكنة الجديدة , هدية (ويلي) له ..
    وجثم (وليم) أرضاً , واحتضن جسده المرتجف بذراعيه , والدموع تترقرق في عينيه , وسرت قشعريرة خوف في أوصاله , ودب الرعب في كيانه الواهن , والموسيقى تصر على تعذيبه أكثر فأكثر ..
    البيانو.. هديته لـزوجته (جوليا) , في عيد ميلادها الثامن والعشرين ..
    لم تسعد به البائسة كثيراً ..
    وبرحيلها , أقسم ألا يستخدمه ..
    حتى (ويلي) تجاهل وجوده وكأنما لا يراه رغم وجوده في مكان بارز..
    وصرخت أعماق (وليم) في عذاب :
    ـ من يثير في نفسي ذكرى مؤلمة , يجهل أنه يعذبني ويرهقني , البيانو أحد هذه الذكريات ..
    صر على أسنانه في قوة ودموع جرحه النازف تنهمر بغزارة , وتلاحقت أنفاسه وصدره يضيق بها بلا رحمة , وارتجافه جسده تزداد , ومازال يطوق صدره بذراعيه ما أقسى حياتك يا (وليم) ..
    وما أشده من عذاب ذاك الذي تحيا في نطاقه ..
    فجأة .. توقفت الألحان , ففتح (وليم) عينيه في بطء , وحل ذراعيه تدريجياً عن جسده , وبدأت الدماء الطبيعية تعود لوجهه , وهدأت أنفاسه المضطربة .
    لم يخطر بباله قط أن (ويلي) الآن , يواجه لحظات صعبة مع (كريستين) , الفاتنة الشرسة .
    قبض (ويلي) على معصم (كريستين) في قوة رهيبة , دفعتها للوقف والصراخ
    في حدة :
    ـ ويحك أيها الحقير , من تحسبني ؟
    سطع البرق على وجه (ويلي) الغاضب , ثم قال في صوت هادئ يخفي خلفه عاصفة من الثورة والغيظ :
    ـ لا أحسبك سوى نبيلة من أوساط راقية , ولكن أتتصرف النبيلة في ممتلكات الغير كما تهوى ؟.
    قاومت إحكام قبضته عبثاً , وهي تجيب في حنق :
    ـ كل هذا لأنني سمحت لنفسي بالعزف ؟
    أجابها في برود مستفز ومازال محتفظاً بمعصمها :
    ـ تعزفين في ليلة عاصفة ؟
    وأفلت معصمها مع آخر حروف عبارته , فتحسسته في ألم وتمتمت في شراسة :
    ـ أعزف طالما البيانو هنا .
    تأملها في إمعان فأجابته بنظرة تحد ومقت , وتجلت الحيرة في عينيه وهو يقول في خفوت :
    ـ ماذا تريدين بالضبط ؟
    قطبت جبينها في تساؤل , فتنهد في حرارة , وأردف بأعصاب قوية :
    ـ أنت هنا لأجل مرض شقيقتك كما ذكرت آنفاً , و(ديانا) تزور طبيبها بمفردها , ولم أرك قط تجلسين معها أو تلقين بالاً بها , وكثيراً ما أراها تتجول وحيدة في حديقة القصر , أو تلهو مع سائس الخيول , في حين تتفرغين أنت لمضايقه عمي (وليم) .
    اشتعلت أعماقها ثورة , متصوره أنه أهان كبرياءها المريض , فقذفت بالكلمات في وجهه قائلة في نفور :
    ـ أضايقه ؟ ذلك المعتوه ؟ سيكون من حسن حظه أن ألق له بالاً .
    قفز حاجبيه في ذهول , وهو يتراجع برأسه , لكن سرعان ما استعاد طبيعته , ومال إليها صارخاً :
    ـ عمي ليس معتوهاً .
    صاحت في هياج :
    ـ بل هو كذلك , اعرضه على أي اختصاصي وستسمع الجواب بنفسك .
    بهت لعبارتها الصريحة , وأدرك أنها أصابت كبد الحقيقة في براعة تحسد عليها , واستمر يحدق بها , فأشاحت بوجهها , واستطردت بأنفاس ملتهبة :
    ـ وعوضاً عن اتهامي جزافاً بما لم أفعل , خصص جزء من وقتك الثمين وجالسه لبضع ساعات فقط .
    وأدارت رأسها وتابعت في احتقار :
    ـ وحاول انتشاله من مستنقع الظلام الذي يحيا فيه مع لوحاته الغبية .
    ومرقت بجواره متعمدة الارتطام بكتفه , فأخذ يتطلع إليها في دهشة , وعقله يميل إلى تصديق عبارتها ..
    بالفعل ..
    لم يحاول قط الجلوس مع عمه من قبل ..
    حينما أدرك طبيعته الصامتة تركه كما يهوى ..
    لم يجاهد صمته ذاك , وعوضاً عن مساعدته فر بعيداً إلى جبال (اسكتلندا) , حيث (ليليان) ..
    وهناك , نسي عمه تماماً , حتى أرسل له رسالة تذكره بوجوده كجزء من حياته ..
    حتى بعدما صارحه عمه بهموم احتواها قلبه الرقيق , استمر وضعه على حاله ..
    متى اهتم بعمه بالضبط ؟
    عدا سؤال يتيم يلقيه على مسامع الخدم عن طعامه , هذا إن خطر السؤال بباله ..
    عمه بحاجة لقلب كبير .. كبير .
    فؤاد عطوف يطوي أحزانه ..
    لقد فشلت يا (ويلي) ..
    عمك أكثر كرماً منك ..
    لم يطلب منك المساعدة قط ..
    لم يطالبك بأخذ ما في قلبه من عتمة , بعد مصارحته لك ..
    ظل كريماً كما هو ..
    حزن لوحدتك وعجز في الوقت ذاته عن انتزاع أحزان قلبه ..
    لماذا أخبرك بحزنه يا ترى ؟
    أليس لتخرجه من بؤرة التعاسة ؟
    من أجل حياة خالية من مشاعر الألم والعذاب ..
    من الطبيعي أن تكون أنانياً يا (ويلي) , فلقد أعتدت على الأخذ , ولم تتعود العطاء ..
    حياتك الطويلة من عمك لم تعلمك شيئاً , لكن بضع كلمات من (كريستين) الخبيثة علمتك في لحظات قصار , ما عجز عقلك الصغير عن استيعابه في عشر سنوات , مدة إقامتك في القصر..
    كيف تدعي إذن حبك الشاذ لعمك ..
    ليس حباً , إنه تملك ..
    شيئاً تملكه وتجهل طريقة الاحتفاظ به ..
    هذه هي صورتك الأصلية ..
    اذهب إليه يا (ويلي) فما زال في العمر بقية ..
    اركض إليه وقبل قدميه جزاء معروفه اللانهائي ..
    حاول .. فعمك يستحق المساعدة .
    وبكل مشاعره الجديدة وثب لمرسم عمه ..
    6 ـ الخاتمة .
    دفع (ويلي) باب المرسم في لطف , وابتسم في حنان لرؤية عمه يجلس على مقعد صغير في زاوية قرب النافذة , صامتاً .. هادئاً , ورأسه ملق على الحائط خلفه , و ملامحه توحي بشرود عميق , والسماء تبرق خلفه .
    اقترب منه بخطوات مرتبكة مترددة , فأدار (وليم) رأسه إليه ببطء , وغمغم باسمه في صوت غير مسموع .. فابتسم (ويلي) في حرج , وأدار عينيه في علبة الألوان الجديدة ليحجب انفعاله , ثم رجع ببصره لعمه , وقال في خفوت :
    ـ أريد مجالستك قليلاً .
    تألقت السعادة في عيني (وليم) واعتدل في هدوء , وهمس في صوت مبحوح :
    ـ تجلس معي ؟
    وثب (ويلي) إليه وجثم أمامه واضعاً كفيه على فخذي عمه , وقال في حنان :
    ـ عمي , لقد جئتك طالباً مساعدتك .
    رمقه (وليم) في حيرة وحرك شفتيه دونما صوت , فأومأ (ويلي) برأسه موافقاً وكانمأ أدرك ما يود عمه قوله , فأردف (ويلي) في عطف :
    ـ أريدك أن تخرج من عزلتك , وتعيش حياتك بطبيعية بعيداً عن مرسمك والقصر , فالحياة لا تتوقف برحيل أحباءنا .
    تراقص الحنين في عيني (وليم) مع عبارة ابن أخيه , وبدا مصغياً إليه في اهتمام , فتشجع (ويلي) على الاستمرار , وتابع بابتسامة حزينة :
    ـ أنت تحجز نفسك هنا منذ سنين , لم تقابل أحداً خارج القصر , كل شيء تغير واختلف بعد الحرب , (لندن) تنبض أملاً وإشراقا , المدينة تحيا من جديد , فلماذا لا نفعل نحن الشيء ذاته .
    انزلقت دمعة يتيمة من مقلتي (وليم) , وأخذ يفرك كفيه في توتر , مع كل عبارة ينطق بها (ويلي) , ولاحظ (ويلي) ارتباكه وانفعاله , فاحتضن كفيه وقال في دفئ :
    ـ ساعدني على التخلص من هذا الحزن الطويل , والصمت اليائس , مازلت شاباً يا عمي , وسيم وأنيق للغاية , المال لا ينقصك , والصحة في جسدك , تنقصك الشجاعة فقط , لتبدأ حياتك من جديد .
    عند هذه العبارة أشاح (وليم) بوجهه , وانحدرت دمعة أخرى جرت في أعقابها أخرى , حتى ابتل وجهه واحمرت أرنبة أنفه , وصدره يكاد ينفجر من ضغط أنفاسه المتسارعة , أصاب (ويلي) القلق عليه , ووقع قلبه بين قدميه حينما همس عمه في بطء
    ـ برحيل عائلتي , لم تبقى لي حياة .
    عقد (ويلي) حاجبيه , واقترن قلقه بخفقات قلبه الذي كاد يثب من مكانه , عندما نهض عمه ووقف مواجهاً للنافذة , والعاصفة تزأر في الخارج , ثم قال في ألم :
    ـ لا يطيب لي العيش دون (جوليا) .
    وأرخى جفنيه في عذاب , فتعلق (ويلي) بذراعه وهو يقول في إشفاق :
    ـ لا أطلب منك نسيانها , لكن الحياة لا تتوقف بموت أحدهم , (جوليا) رحلت لكنك هنا , حياً تنعم بالحياة .
    غمغم (وليم) في قنوط ورأسه يتهدل أرضاً :
    ـ أنا رجل ميت .
    هتف (ويلي) معترضاً :
    ـ عمي !
    وواجهه مستدركاً في حزم :
    ـ طالما تتردد الأنفاس في صدرك , فأنت حي .
    وترقرقت الدموع في عينيه بغتة , وتابع في صوت متحشرج من غصة بكاء أليمة , امتلئ حلقه بها :
    ـ وأنا بجوارك , وسأضل بجوارك .
    وألقى نفسه بين ذراعيه وطوقه في حرارة , وأخذ يجهش بالبكاء ورأسه مدفون في صدره , وهو يغمغم :
    ـ أرجوك ساعدني لتتخلص من عزلتك هذه , أرجوك .
    أخذ (ويلي) يردد كلمته الأخيرة عدة مرات , و(وليم) يقف حائراً لا يعرف كيف يتصرف , إزاء بكاء (ويلي) , فأشاح بوجهه في ألم , وصمت .
    وبجهد جهيد غادر مرسمه بذهن شارد وفؤاد خال من المشاعر, دون أن يسمح له عقله المضطرب بالتفكير في كل ما سمعه , و(ويلي) يحتضن كفه في محبة مخلصة , عاقداً العزم على المضي في طريق شفاء عمه , ولجا الردهة معاً , ولكن صوت (كريستين) الخافت الآتي من زاوية قريبة استوقفهما , ومد (وليم) بصره إليها , وهي تتحدث في الهاتف في صوت خافت , وكأنما تحرص على ألا يسترق أحدهم السمع , مديرة ظهرها لأي قادم من تلك الناحية , والتقى حاجبا (ويلي) وهو يصغ إليها وهي لا تراهما من تلك الزاوية المعتمة , كانت تقول والسخرية تقطر مع كل حرف يغادر شفتيها :
    ـ إنها مسألة وقت يا أبي , فالكونت (وليم ستيوارت) مصاب بنوع غريب من الجنون , يدفعه للعزلة دائماً , وبقليل من الصبر سأغزو قلبه وأتزوجه , ومن ثم سأرسله إلى مستشفى الأمراض العقلية , حيث يجب أن يعيش , أما عن ذلك الأبله (ويلي) فسأركله خارج القصر , فلن أسمح لدخيل كهذا بمشاركتي ثروتي الجديدة .
    امتقع وجه (وليم) من هول ما يسمع , وصعدت دماء مخيفة لعينيه وأغشت بصره , وترنح رغماً عنه , فأسنده (ويلي) بسرعة , وعاد يتطلع لـ(كريستين) في بغض هائل , وهي تطلق ضحكات ظافرة , وتحت ثقل جسده على (ويلي) , سقط (وليم) أرضاً في ضجيج مزعج , بعد ارتطام رأسه أثناء وقوعه بحافة منضدة رخامية , فأفلتت (كريستين) سماعة الهاتف واستدارت وهي تشهق في هلع وذعر , وجحظت عيناها لرؤيتها (وليم) فاقداً وعيه , و(ويلي) يستنجد بالخدم , والخوف يلتهم أعصابه .
    ظلام دامس ..
    عتمة سرمدية ..
    بصيص من الضوء يبدو ضالاً من بعيد , حيث يجب أن أكون ..
    فتح (وليم) عينيه في بطء , ورأى ظلام دامس يحيط به في استماتة , وفي مكان تفوح منها رائحة الدواء , مازال الضباب يكتنف برأسه , والرؤية معدومة كلياً , وسمع في وضوح صوت أحدهم يتمتم بكلمات لم يفقه منها شيئاً , وبضعة أيدي تحاول إسناد رأسه إلى وسادة إضافية ..
    كف ماً تجذب جفنه الأيمن للأعلى قليلاً , وانتقلت تلك الأنامل لعينه اليسرى , دون أن يعرف السبب لكل هذا ..
    يريد أن يسأل , لكن لسانه ثقيل .. ثقيل ..
    ثم غادر الجميع غرفته , وهو لا يفهم شيئاً , ولا يرى شيئاً ..
    وبعيداً عن غرفته ..
    اتخذ الطبيب مكانه خلف مكتبه , وشبك أصابع كفيه أمامه , وأخذ يرمق (ويلي) المنهار في إشفاق , وهو بالكاد يقف , وفي خفوت ينذر بعاصفة سأله الطبيب :
    ـ معذرة يا بني , أنا مضطر لذكر الحقيقة كاملة لك .
    هوى (ويلي) بجسده على مقعد قريب , وقال في انفعال :
    ـ أرجوك يا سيدي .. لا تخفي شيئاً عني , إنه عمي الحبيب .
    قلب الطبيب كفيه قائلا ً في حيرة :
    ـ الفحوص الأولية قررت إصابته بنوع مؤقت من العمى , كونه وقع بقوة على جزء حساس من الدماغ , لكنه صامتاً تماماً , لم يبدي أي استجابة لأسئلتي , فهل يعاني عمك من متاعب في السمع ؟
    حدق به في ألم , وعجز عن التفوه بحرف واحد ..
    لم يعد حاجزه الصمت ..
    لقد أصيب بالعمى أيضاً ..
    عمه الحبيب .. أعمى .
    الرجل الذي لا يجد نفسه إلا في لوحاته ومرسمه ..
    أهذا ما كان ينقصه ليضاف إلى رصيد آلامه ..؟
    ياللقدر ..
    أدرك الطبيب الكهل حزن (ويلي) وشدة مصابه, فقال مشجعاً:
    ـ لا داع للقلق يا عزيزي , فمسألة العمى قد تكون مؤقتة , لكني الآن حائراً في صمته , و..
    قاطعه (ويلي) في مرارة بدت في أذني الطبيب مؤلمة :
    ـ ليس صمتاً مؤقتاً يا سيدي , إنه صمت طويل ..
    ووجد نفسه يروي للطبيب تفاصيل مأساة عمه ..
    منذ البداية ..
    وحين فرغ من حديثه , تنهد الطبيب في حرارة , وغمغم آسفاً :
    ـ في هذه الحالة , أنا مضطر إبقاءه هنا لفترة من الزمن .
    اتسعت عينا (ويلي) في ارتياع , فأسرع الطبيب يستدرك :
    ـ هذا لصالحه يا بني , فعمك مريض بشدة إن صحت روايتك تماماً , إنه مصاب بمرض نفسي , معظم الناس أصيبوا بحالات مماثلة بعد الحرب , البعض منهم شفي ومارس حياته على نحو طبيعي , والبعض منهم عزل نفسه كعمك , وعاش عالماً خيالياً منفصلا ً ـ رغماً عنه ـ عن واقعه .
    سأله (ويلي) في انهيار :
    ـ والحل ؟
    عقد حاجبيه وأجاب في حزم :
    ـ يبقى هنا , وسنحاول بذل جهدنا لشفائه , من العمى ومن مرضه النفسي .
    نكس (ويلي) رأسه , وترقرقت دموع العجز في مقلتيه , وجثم الضيق على صدره فأحصى أنفاسه , وفقد كل رغبة له في الحياة ..
    لقد خسرت القلب الوحيد الذي أحاطك بحبه وعطفه ..
    خسرته بأنانيتك واستهتارك ..
    وحينما نهض , ناء جسده بسنوات عمره الفتية , وجر قدمه في صعوبة من غرفة الطبيب , الذي شيعه في أسى وقل حيلة , وعندما خرج وجد (كريستين) باكية أمامه , فرمقها في خواء , وهي ترتجف باكية بصدق , وقد فرت دماء الحيوية من وجهها النضر , وتركته شاحباً كالأموات .
    أرسل إليها (ويلي) نظرات عميقة تنبض بمزيج مدهش , من العتاب والمقت والكراهية , محملاً إياها ما أصاب عمه الحبيب , امتزجت شفتيها بدموعها وهي تتمتم محترقة الفؤاد :
    ـ لم أقصد ..
    قاطعها بإشارة واهية من كفه , فأطبقت شفتيها في أسى , وتسارعت نبضات قلبها وهي تشعر بندم حقيقي ..
    لم تقصد قط إيذاءه على هذا النحو ..
    فعلاً لم تقصد ..
    لكن حالة (ويلي) الآن ليست طبيعية, وأي كلمة الآن لن تكون في مكانها الصحيح, ولن تكون في صالحها أيضاً .
    وبأنات قلب جريح , مقهور , مرير , قال (ويلي) ودموع ملتهبة تغرق وجنتيه :
    ـ لن يجدي الأسف نفعاً , كلمات الرثاء لن تعيد إلي (وليم) الإنسان , الطيب , المحب , لقد حولته الحرب سابقاً إلى حطام , والآن حولته أنت إلى .. شظايا .
    انهارت أعماق (كريستين) بحق هذه المرة , ومادت بها الأرض , فترنحت . وبهدوء شديد , بصمت يقارب صمت القبور , تركها (ويلي) ..
    لقد خسر والديه من قبل ..
    والآن خسر القلب الوحيد الذي أحبه بإخلاص وصدق ..
    غادر المستشفى وكأنما الروح تفارق جسده , ترك المستشفى مودعاً خلفه جسداً مسجى , خلا مجازاً من روح رقيقة شفافة , رفرفت إلى الوراء .. باحثة عن حب آخر , فارق هذا العالم بلا رجعة .



    النهاية .
    أعزائي في المنتدى ..

    تشجيعكم حافزي الاول , فلا تبخلوا علي بكريم ردكم ونقدكم



  11. #11

    الصورة الرمزية Demor

    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المـشـــاركــات
    3,319
    الــــدولــــــــة
    اليابان
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: الجزء الثاني لفتاة الجبل الفاتنة (المؤامرة)

    تشجيعكم حافزي الاول , فلا تبخلوا علي بكريم ردكم ونقدكم
    يا إلهي !! مسكين ويليم *___*

    النهاية كانت مناسبة للقصة كما أنها محزنة ...

    ريزا شان ... لقد أعجبني اسلوبك في الكتابة ...

    اشكرك على هذه القصة ...

    النينجا

    >>>>>> تعرفيني ... والا؟؟؟

    ^^

  12. #12

    الصورة الرمزية ~قطوطة مسومس~

    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    المـشـــاركــات
    1,346
    الــــدولــــــــة
    اليابان
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    رد: الجزء الثاني لفتاة الجبل الفاتنة (المؤامرة)

    مشكوره أختي القصه حلوه...

    أختكم:o

  13. #13

    الصورة الرمزية Risa-Chan

    تاريخ التسجيل
    Oct 2006
    المـشـــاركــات
    155
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: الجزء الثاني لفتاة الجبل الفاتنة (المؤامرة)

    شكر عام لكل من تابعني وشكر حااااااااااااااار لكل من شجعني

  14. #14


    تاريخ التسجيل
    Oct 2006
    المـشـــاركــات
    228
    الــــدولــــــــة
    الامارات
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: الجزء الثاني لفتاة الجبل الفاتنة (المؤامرة)

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

    ما هذا الإبداع إختي ريسا

    أسلوب رائع و تعبير عن الطبيعة أروع

    و لكن لدي طلب بسيط أتمنى أن تضعي جزء آخر تكون تكملة لويلم في المشفى و لويلي

    حيث تكون لهم نهاية سعيدة و لكن أتمنى أن لا تتدخل كريستين بحياتهما

    و أتمنى أن تأتي فتاة من الريف خلوقة و طيبة تساهم في إرجاع العم ويليم إلى ما كان إليه و تبني معه عائلة جديدة

    و كذلك الحال مع ويلي أتمنى أن يجد الفتاة التي يحب و يتزوجها و يعيش الجميع في سعادة

    عفواً ع الإطالة

  15. #15

    الصورة الرمزية Risa-Chan

    تاريخ التسجيل
    Oct 2006
    المـشـــاركــات
    155
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: الجزء الثاني لفتاة الجبل الفاتنة (المؤامرة)

    شكرا جزيلا على الاطراء , من يدري قد أفاجأكم بجزء ثالث عما قريب

  16. #16

    الصورة الرمزية keko

    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المـشـــاركــات
    2,481
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: الجزء الثاني لفتاة الجبل الفاتنة (المؤامرة)

    ماشاء الله القصه أكثر من رااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااائعه..

    وأنا أفضل لو انجد تكتبين رواية لان اسلوبج الروائي واااااااااااااااايد حلو ماشاء الله ..

    يعطيج العافيه واستمري في كتاباتج وطرحها علينا...

    تقبلي مروري ^^ وكل عام وانتي الى الله اقرب

  17. #17

    الصورة الرمزية Risa-Chan

    تاريخ التسجيل
    Oct 2006
    المـشـــاركــات
    155
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: الجزء الثاني لفتاة الجبل الفاتنة (المؤامرة)

    شكرا جزيلا لإطراءك أختي الكريمة ..
    قد افعلها في المستقبل إن شاء الله

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...