بنية اللغة العربية بناء وتأثيرًا

[ منتدى اللغة العربية ]


صفحة 3 من 4 الأولىالأولى 1234 الأخيرةالأخيرة
النتائج 41 إلى 60 من 65
  1. #41


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: بنية اللغة العربية بناء وتأثيرًا

    ولكن، هذه القيم الفنية العامة، وليس لنا أن نذكرها بهذا الشكل، بل علينا أن نحدِّد القيم من خلال المعاني التي نقرأها، إذ إنهم لا يطلبون منكم، أيها الطلاب، تسميع القيمة غيابيًا، بل تحديدها مما تقرأونه وتفهمونه من المعاني والأفكار، ولنعطِ المثال الآتي:
    _ (رجع الطالب إلى بيته هاتفًا: لقد نجحتَ لقد نجحت)!
    لا نقول القيمة التعبير عن الهدوء العقلي! بل إننا نحدد القيمة من خلال المعنى، يتبيَّن لنا أن الولد منفعل وسعيد، إذًا القيمة هنا: (تبيان مدى انفعال الولد وسعادته بسبب نجاحه).

    ولا نكتفي بتحديد القيمة بـ(الانفعال) دائمًا، بل إنه من الأفضل تحديد سبب هذا الانفعال، ولنأخذ المثال الآتي كذلك:
    _ خرج الولد من بيته مسرعًا، ولم ينظر إلى طريقه جيدًا، وكادت تدعسه سيارة، وأمه تصرخ برعب، ولكنَّ رجلًا ألقى بنفسه أمام إطارات السيارة لينقذ الولد، فهتفت الأم بلهفة، وهي لا تكاد تصدق عينيها: (أنتَ أنقذتَ ولدي، لا أدري كيف أشكرك).
    القيمة هنا: (تبيان مدى انفعال الأم وتأثرها لإنقاذ الرجل ابنَها من الموت)، ولا نقول (الهدوء العقلي) كونها جملة خبرية!

    ويمكن للأساتذة التوسع في تدريس تلاميذهم أمثلة عن الجمل الإنشائية وقِيَمها من خلال المعاني المباشرة خلال دروس النحو، ولهم في درسَي (التعجب) و(الاستفهام) مجال واسع، كما قد ذكرنا ذلك في ملحوظاتنا حول القواعد، ونقدِّم، كذلك، أمثلة أخرى، فلو قلنا عن شخص ما (إن مطبخ بيته نظيف تمامًا)، فإن قيمة الكناية هنا ليست القدرة التأثيرية، أو التخفيف، فحسب، بل إننا نشرح الصورة البيانية: (إن مطبخ بيته نظيف تمامًا) كناية عن البخل، أو عن الفقر الشديد (بحسب المعنى الذي نقرأه ونستنتجه)، وقيمتها: القدرة التأثيرية، من ناحية كونها للتلميح عن حالة هذا الشخص (الفقر/البخل) بدلًا من التلميح بذكر هذه الصفة، والتخفيف، عبر الإتيان بألفاظ مخففة (مطبخ/بيت/نظيف) بدلًا من الألفاظ الثقيلة على الآذان (بخيل/فقير).

    إذًا، علينا تحديد المعنى والفكرة الرئيسة التي يريدها الكاتب، قبل أن نشرح الصورة البيانية أو نحدد قيمتها، أو قيمة أي وجه من الأوجه البلاغية، كأن نقول مثلًا: "فلان ثقيل الدم"، كناية أنه سمج لا يُطاق، لكن لو قلنا مثلًا: "قالت الأم لابنها أَلَمْ تجد سوى هذا الرفيق ثقيل الدم ليزورنا"؟
    ثقيل الدم كناية عن أنه سمج لا يُطاق كما أوضحنا، لكن القيمة المعنوية هنا، تبيان انزعاج الأم من زيارة رفيق ابنها ثقيل الدم، وإذا ما غيَّرنا المثال إلى: "قالت الأم لابنها هنيئًا لكَ هذا الرفيق، إنه مثلك ثقيل الدم"! فالقيمة المعنوية هنا، تفيد سخرية الأم بمصاحبة ابنها رفيقًا سمجًا مثله، والأمر كذلك بالنسبة إلى باقي الصور البلاغية.
    ولنأخذ التشبيه مثالًا: (وجهه كالبدر نورًا)، ليس المطلوب هنا سرد القيم الفنية، بل تحديدها من خلال المعنى المباشر: (تجميل صفة جمال وجه الممدوح)، و(المبالغة في تصوير مدى ما يتمتع به هذا الشخص من من جمال الوجه)، و(تحويل المعنى المجرد "الجمال" إلى صورة حسية نستطيع رؤيتها "نور البدر").


  2. #42


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: بنية اللغة العربية بناء وتأثيرًا

    2_ البلاغة التطبيقية:
    أ_ الخبر: كل كلام يحتمل الصدق والكذب: نجح أخي، نال ابن عمي المركز الأول، كتبت مئة قصة...
    وهو نوعان: غير مؤكد مثل الأمثلة السابقة، ومؤكد بأداة توكيد أو أكثر (قد نجح أخي، لقد نجح أخي).
    والخبر غير المؤكد اسمه الخبر الابتدائي، والخبر المؤكد نفسه قسمان، إن أكدناه بأداة توكيد واحدة، كان الخبر طلبيًا. وإن أكدناه بأكثر من أداة توكيد، كان الخبر إنكاريًا.

    ب_ الإنشاء: كل كلام لا يحتمل التصديق ولا التكذيب.
    وهو نوعان: الإنشاء الطلبي، والإنشاء غير الطلبي.
    الإنشاء الطلبي: (شرحناه قبل ذلك في دروس الأنماط، تحديدًا في مؤشرات النمط الإيعازي):
    الأمر: كن صادقًا.
    النهي: لا تكذب.
    الدعاء: رحمهم الله.
    النداء: يا رب.
    الاستفهام: كم تلميذًا نجح في الصف؟
    التمني: ليتني أنجح/آه، لو أنجح/ليت كل رفاقي يرسبون لأنجح وحدي.
    التحذير: إياكَ والكذب.
    التحضيض: هلا كنتَ بارًا بأمك؟ ألا تنتبه إلى نفسك؟ لولا تكون من المجتهدين.
    والإنشاء غير الطلبي:
    التعجب: ما أجملَ يومَ النجاح!
    المدح والذم: نِعْمَ الفتاةُ التي تساعد أمها، بِئْسَ الأبُ الذي يُهمِل أولاده.
    القسم: والله سأسعى جاهدًا.
    الرجاء: لعلي أنجح، عسى أن أنجح.

    والرجاء يختلف عن التمني، بل هو طباق للتمني، إذ إن الرجاء يحمل معنى العزم والتصميم، والقدرة على تحقيق الأمر المطلوب، بينما التمني يحمل معنى الضعف والتراخي والاعتماد على الآخرين، أو ربما على الحظ نفسه، لينطلق التمني بعيدًا في الأمور المستحيلة: (ليت أمي ترجع إلى الحياة)، أما الرجاء فلا يكون إلا في الواقع فحسب (لعلي أنجح، عسى أن أحقق لنفسي مستقبلًا جيدًا).

    ت_ الكناية:
    ونستخدمها كثيرًا في كلامنا اليومي، كأن نصف جارًا فضوليًا لنا بأن (أنفه طويل)، كناية عن تدخله في ما لا يعنيه، أو نقول عن شخص لا يتورع عن أخذ المال بالسرقة والاحتيال، أو تسبب بالكثير من الأذى للآخرين (يده سوداء)، كناية عن لصوصيته وأعماله السيئة، أو تنصحك والدتك أيام الاختبارات قائلة: (اترك رأسك مفتوحًا)، كناية عن الوعي والتنبُّه، أو يعظك والدك بقوله: (افتح عينيك جيدًا في هذه الحياة)، كناية، كذلك، عن الوعي والتنبُّه، لكن في أمور الحياة كافة، لا في أمور الاختبارات المدرسية وحدها، كما في المثال السابق، أو كما قد تسمع والدتك أو أخواتك يتكلمْنَ عن سيدة قمْنَ بزيارتها ولم تقدِّم إليهن شيئًا: (القدور لديها بيضاء تلمع، ليس عليها ولا ذرة غبار)!

    ث_ التورية: وتحمل، مثل الكناية، معنيين، ظاهر لا نقصده من الكلام، وباطن بعيد نقصده من الكلام، ولكن في الكناية يجوز إرادة المعنى الأصلي، أما التورية فلا يمكن لنا أن نتخيل معناها الحقيقي، كما أن التورية، وإن كانت ترتبط بما قبلها من الكلام، إلا أنها كلمة مفردة بخلاف الكناية كذلك.
    والمثال الشهير في حالات شرح التورية، البيت الشعري الآتي:
    قَالَتْ لي بِرَبِّكَ رُحْ مِنْ أَمَامِي=فَقُلْتُ لَهَا بِرَبِّكِ أَنْتِ رُوحِي
    لقد أراد الشاعر مصالحة الفتاة التي يحبها، فأقسمَت عليه أن ينصرف من أمامها، لأنها لا تريد رؤيته، فهل يكون الرد أنه يقسم عليها أن تنصرف هي؟ هل هذه هي المصالحة التي يسعى إليها هذا الفتى؟ إذًا، المعنى الظاهر من كلمة (روحي)، هو (طلب الانصراف)، لكن المعنى الحقيقي المقصود هو (حياتي).

  3. #43


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: بنية اللغة العربية بناء وتأثيرًا

    ج_ الطباق: وهو نوعان:
    طباق السلب، وفيه أدوات نفي: رجعت عمتي من السفر، وما رجعت أختي. تابع أخي دراسته في الجامعة، ولم يتابعها ابن عمي.
    وطباق الإيجاب: وليس فيه أدوات نفي: نجح ورسب، الليل والنهار، الاجتهاد والكسل، التعب والراحة... ويكون الطباق في الأسماء، وفي الأفعال (كما لحظنا من الأمثلة) كما يكون في الأحرف (له مثل ما عليه).
    د_ المقابلة: وهي طباق مركب، أي كلمتان، تليهما أضدادهما: ليل قصير ونهار طويل. نجح المجتهد ورسب الكسول.
    ذ_ الجناس:
    وهو نوعان: التام، أن تأتي كلمة واحدة بأكثر من معنى: مثال: العين في ضيعتنا أبعد من مرمى العين: العين الأولى هي نبع الماء، والثانية هي أداة البصر. عند الأصيل عدت إلى بيتي الأصيل: الأصيل الأولى هي الوقت بين العصر إلى المغرب، أو هي الوقت قبيل المغرب مباشرة. والأصيل الثانية هي العريق (أي ما جمع بين القِدم والأصالة). ولنأخذ مثالًا آخر، مع بيان قيمته المعنوية: "رأيتُ شخصًا يحتضن طفلتيه، هاتفًا بفرح: آية وآلاء، آية وآلاء من ربنا". آية وآلاء أسماء الطفلات، وآية وآلاء _ بعد ذلك _ بمعنى العلامة المميزة والنِّعَم الكثيرة.
    ماذا عن قيمة هذا الجناس؟ إنه يظهر براعة الأديب اللغوية في جمعه الألفاظ المتجانسة (آية وآلاء) وتطويعها للمعنى الذي يريده (تصوير مدى فرح هذا الأب بطفلتيه)، بغية إثارة الدهشة والإعجاب والجناس غير التام: وهو أن تتقارب كلمتان لفظًا، مع اختلاف المعنى: سالت من عينه عَبْرَة لما أدرك العِبْرَة. (عَبرة: دمعة، وعَبْرة: موعظة أو حِكْمَة).
    ر_ السجع:
    وهو توافق نهاية الفواصل: مثال: أشرق النهار، وغنَّت الأطيار. (التوافق بنهاية الراء المضمومة هنا. مثال آخر: الحر إذا وعد وفى، وإذا أعان كفى، وإذا قدر عفا. (التوافق بنهاية الفاء المطْلَقَة: فا). والسجع هو علم البلاغة الوحيد الذي لا يُطلَب فيه القيمة المعنوية، بل قيمته واحدة ثابتة، وهي إغناء الكلام بالإيقاع الموسيقي، ويمكن لنا أن نعبِّر عن ذلك بأكثر من صياغة، كأن نقول مثلًا: (يولِّد في النص إيقاعًا موسيقيًا)، أو (يضفي على النص إيقاعًا موسيقيًا عذبًا)، وما إلى تلك التعابير، غير أنني أرى أن قيمته لا تكتمل بهذا التحديد (وهو المطلوب في صف الأساسي التاسع)، ولكن الأفضل أن نكتب القيمة بشكل مفصَّل موسَّع: (يضفي على النص إيقاعًا موسيقيًا عذبًا، ليزيده جمالًا، ويزيد القارئ حماسة وتشويقًا إلى المتابعة).
    ز_ الحقيقة:
    هي أن يدل الكلام على معناه الحقيقي: بنيتُ حائطًا في حديقة داري.
    س_ المجاز: (الاستعارة):
    هو أن يدل الكلام على غير معناه الحقيقي، وندرك مباشرة بالعقل أنه ليس حقيقيًا: استقبلتُ حائطًا في حديقة داري. (المقصود رجل شديد الضخامة، أو شديد العناد).
    ش_ التشبيه:
    إلحاق طرفين بصفة مشتركة بينهما أو أكثر: كأن نقول: أنت كالقمر نورًا: ألحقنا الممدوح بالقمر، لاشتراكهما في صفة الجمال، وليس لاشتراكهما بكل الصفات. أو أن نقول: خالد كالبحر في علمه: ألحقنا خالدًا بالبحر، لاشتراكهما في صفة التوسع والعطاء الذي لا ينقطعان.
    ص_ الاستعارة: ونشرحها بالمقارنة مع التشبيه هذه المرة، يجب أن نحذف أحد طرفي التشبيه، ليكون لدينا استعارة، وإلا كانت الجملة تشبيهًا، كأن نقول: (محمود كالبحر في عطائه): المشبه: محمود، المشبه به: البحر. أداة التشبيه: الكاف (وقد تكون مثل أو كأنه أو يشبه أو يماثل...) ووجه الشبه: العطاء. ونحولها إلى استعارة بمحاولة حذف أحد الطرفين، إن أردنا حذف المشبه به (زارني محمود) فالجملة حقيقية ليس فيها استعارة، وبالتالي نستطيع حذف المشبه هنا (محمود) ثم نضع الفعل (زارني البحر في منزلي، قابلتُ البحر في طريقي إلى العمل)... المستعار له: البحر. المستعار منه: الإنسان وهو محذوف. اللفظ المستعار: البحر (لأننا لو قلنا محمود لم يعد لدينا استعارة). الجامع بينهما: العطاء (وقد يكون العِلم، ونحدِّد ذلك من خلال معنى النص العام الذي بين أيدينا). والقرينة المانعة من إرادة المعنى الأصلي: (الفعل: زارني، قابلتُ).

  4. #44


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: بنية اللغة العربية بناء وتأثيرًا

    ويمكن، كذلك، أن نستخدم تقنية الجداول المبسطة، أو الموسعة، بحسب الدروس التي نريد توثيق معلوماتها في أذهان الطلاب: (ولا نكتفي بذلك، بل نطلب تحديد القيمة المعنوية):
    [TABLE="class: MsoTableGrid"]
    [TR]
    [TD]التشبيه[/TD]
    [TD="width: 355"]لسانه طويل.
    [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD="width: 355"]الاستعارة[/TD]
    [TD="width: 355"]توقعت أن يرحم الهرة، لكنه لم يرحمها.
    [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD="width: 355"]الكناية[/TD]
    [TD="width: 355"]قال الأب: آية وآلاء طفلتان رائعتان، آية وآلاء من ربنا لي.
    [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD="width: 355"]الطباق[/TD]
    [TD="width: 355"]غَنَّتِ النجوم في الليل.
    [/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD="width: 355"]الجناس[/TD]
    [TD="width: 355"]غنَّتِ الطفلة، وصوتها مريح كمنظر النجوم في الليل.
    [/TD]
    [/TR]
    [/TABLE]
    وهذا جدول ثانٍ مبسَّط ثانٍ، لمن يحب تمرين طلابه وفق هذه الجداول، أو وفق نمط هذه الجداول وأسلوبها:
    [TABLE="class: MsoTableGrid"]
    [TR]
    [TD]التشبيه[/TD]
    [TD="width: 459"]أحبُّ الليل، لأني لا أحبُّ سوى الهدوء.[/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD="width: 251"]الاستعارة[/TD]
    [TD="width: 459"]لَبِسَتِ الطفلة الفستان الجديد، صباح يوم العيد.[/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD="width: 251"]الكناية[/TD]
    [TD="width: 459"]جاءنا ضيفٌ أصيل، أمس، قرب وقت الأصيل.[/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD="width: 251"]الجناس[/TD]
    [TD="width: 459"]كَلَّمْتُ الشمس.[/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD="width: 251"]السجع[/TD]
    [TD="width: 459"]كان وجهها يضيء مثل البدر لفرحتها بالنجاح.[/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD="width: 251"]الطباق[/TD]
    [TD="width: 459"]لم تستمع إلى نصائح والدتها، وأغلقت الباب خلفها، وذهبت.[/TD]
    [/TR]
    [/TABLE]


  5. #45


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: بنية اللغة العربية بناء وتأثيرًا

    خامسًا: علم العَروض
    سؤال العروض بات شبه ثابت في امتحانات الشهادة الرسمية لصف الأساسي التاسع، غير أن نقطة الضعف التي ينبغي تداركها أن لا نبتدئ بتدريس الطلاب العروض في صف الأساسي التاسع، بل يجب أن نبتدئ بتعليمهم مبادئه الأساسية في الصف السابق، لأننا نلحظ أن عددًا من الطلاب لا يستطيعون التأقلم مع علم العروض وفهمه بسهولة، رغم أنه سهل بالنسبة إلينا، لكننا ننظر بعين الطلاب، منهم من يستطيع الإجادة به، وينال العلامة الكاملة، ومنهم من لا يستطيع ذلك، وفي الحالتين إن التأسيس في علم العروض في الصف السابق يزيد الطالب قوة، ويثبِّت له المعلومات، ويوثقها في ذهنه. ونقدِّم دراسة علم العروض، بتحديد مبادئه العامة أولًا، ثم ننتقل بعد ذلك إلى بحور الشعر المطلوبة في صف الأساسي التاسع، وعرض تفعيلاتها وجوازاتها.

    1_ مبادئ علم العروض:
    أ_ الشطر الأول يسمى (الصدر)، والشطر الثاني يسمى (العجُز)[1].
    ب_ التفعيلة الأخيرة في الصدر اسمها (العروض)، والتفعيلة الأخيرة في العجُز اسمها (الضرب)
    [2].
    ت_ لا يبتدئ الشطر بحرف ساكن، ولا ينتهي بحرف متحرك.
    ج_ لا يلتقي الساكنان في أي تفعيلة في بحور الشعر
    [3].
    ح_ لا يمكن أن يلتقي أربع حركات في العروض نهائيًا
    [4].
    خ_ كل ما نلفظه يُعتَبَر حرفًا، من حقه الحركة إذا كان متحركًا (/) والسكون إذا كان ساكنًا (.)
    د_ الحرف الذي لا نلفظه ليس له أي اعتبار في التقطيع والتفعيل.
    ذ_ الهاء المتحركة بين متحركين نزيد لها حرفًا من جنسها (هُ=هو، هِ=هي).
    ر_ الروي هو الحرف الأصلي الأخير في القصيدة.
    س_ القافية هي حركات تحتوي ضمنها السكونين الأخيرين، ونأخذها من الساكن الأخير في البيت رجوعًا إلى الخلف، حتى نجد الساكن السابق، هذه هي القافية، لكن نزيد لها الحرف المتحرك كي لا يبتدئ الكلام بساكن.
    [HR][/HR][1] العجُز: بضم حرف الجيم، لا بسكونه كما ينطق ذلك بعض الزملاء!
    [2] لم يُسأَل الطلاب؛ بعد؛ عن تحديد العروض والضرب، لكنهم سُئلُوا عن تحديد الصدر والعجز أكثر من مرة.
    [3] ونعني بذلك المطلوب في صف الأساسي التاسع، أما في المرحلة الثانوية فيلتقيان في بحور شعرية محددة، وهذا يسمى في علم العروض (التذييل).
    [4] ربما تمر هذه الحركات المتتالية الأربع مع الطالب في المرحلة الجامعية، إن دخل اختصاص الأدب العربي، وربما لا! أما في المرحلة المتوسطة، والثانوية كذلك، فلا يمكن التقاء الحركات الأربع نهائيًا.


  6. #46


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: بنية اللغة العربية بناء وتأثيرًا

    2_ بحر الطويل:
    أ- تفعيلات بحر الطويل:
    فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن
    //./. //././. //./. //././. //./. //././. //./. //././.
    كيف حصلنا على هذه الحركات؟
    نلفظ الأحرف حرفًا حرفًا، فما نلفظه متحركًا (/) وما نلفظه ساكنًا (.)، ومثال على ذلك: (فَعُوْلُنْ) الفاء متحركة (/) العين متحركة (/) الواو ساكنة (.) اللام متحركة (/) والنون ساكنة (.)، ومجموع الحركات: (//./.). والأمر ذاته بالنسبة إلى التفعيلة الثانية (مفاعيلن) وإلى تفعيلات بحور الشعر وجوازاتها كافة.
    ب- جوازات تفعيلات بحر الطويل:
    (فعولن //./. _ فعولُ //./)
    (مفاعيلن //././. _ مفاعلن //.//.)
    ويجوز، كذلك، أن تأتي التفعيلة الأخيرة في بحر الطويل (فعولن //./.)
    ت- القافية في بحر الطويل:
    إذا أردنا تحديد القافية في بحر الطويل، ننظر إلى التفعيلة الأخيرة، وهي وفق حالات ثلاث:
    أ_ التفعيلة: مفاعيلن //././.
    القافية (/./. عيلن)
    ب_ التفعيلة: مفاعلن //.//.
    القافية (/.//. فاعلن)

    ت_ التفعيلة: فعولن //./.
    القافية (/./. عولن)
    [1]
    [HR][/HR] [1] ويمكن أن نكتب التفعيلة (مفاعي //0/0) بدلًا من (فعولن)، ونقول إن القافية (فاعي) بدلًا من (عولن).

  7. #47


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: بنية اللغة العربية بناء وتأثيرًا

    3_ بحر البسيط:
    أ_ تفعيلات بحر البسيط:
    مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن

    /0/0//0 /0//0 /0/0//0 /0//0 /0/0//0 /0//0 /0/0//0 /0//0

    ب_ جوازات تفعيلات بحر البسيط:

    (مستفعلن /0/0//0 _ مفاعلن //0//0 _ مفتعلن /0///0).

    (فاعلن /0//0 _ فعِلن ///0 _ فعْلن /0/0).
    ت_
    القافية في بحر البسيط:
    إذا أردنا تحديد القافية في بحر البسيط، ننظر إلى التفعيلة الأخيرة، وهي وفق حالات ثلاث:
    أ_ التفعيلة:
    (فاعلن /0//0) القافية (/0//0 فاعلن)
    ب_ التفعيلة: (فَعْلُنْ /0/0) القافية (/0/0 فَعْلُنْ)
    ت_ التفعيلة: (فَعِلُنْ ///0) لا نجد الساكن قبل الأخير، فننظر في التفعيلة قبلها كذلك، لنجد أن القافية هي (/0///0 لُن فَعِلُنْ).

  8. #48


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: بنية اللغة العربية بناء وتأثيرًا

    4_ بحر الوافر:
    أ_ تفعيلات بحر الوافر:
    مفاعلَتن مفاعلَتن فعولن مفاعلَتن مفاعلَتن فعولن

    //0///0 //0///0 //0/0 //0///0 //0///0 //0/0

    ب_ جوازات تفعيلات بحر الوافر:
    (مفاعلَتن //0///0 _ مفاعلْتن //0/0/0) إذًا، بحر الوافر فيه جواز واحد، وهو تسكين حرف اللام في (مفاعلَتن) لتصبح (مفاعلْتن) كما يمكن لنا أن نكتبها (مفاعيلن)، أما (فعولن) فلا تتغير هنا، لكن قد تُحذَف نهائيًا من الشطرين، ليكون معنا بحر مجزوء الوافر.
    ت_ القافية في بحر الوافر:
    كالعادة ننظر في التفعيلة الأخيرة، وهي هنا تفعيلة ثابتة من دون جواز:
    _ التفعيلة: (فعولن //0/0) القافية (/0/0 عولن).
    ولكن في مجزوء الوافر:
    _ التفعيلة: (مفاعلَتن //0///0) القافية (فاعلَتن /0///0)
    _ التفعيلة (مفاعلْتن //0/0/0) القافية (عَلْتن /0/0) وإذا كتبناها (مفاعيلن //0/0/0) فالقافية (عيلن /0/0)


  9. #49


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: بنية اللغة العربية بناء وتأثيرًا

    5_ نماذج تطبيقية:
    إذا بَلَغَ الرَّأيُ المشُورَةُ فَاسْتَعِنْ برأي نصيحٍ أو نصيحةِ حازِمِ
    إذا بلغ ررأي لـ مشور ة فستعن برأي نصيحن أو نصيح ة حازمي
    //0///0/0/0//0///0//0 //0/ //0/0/0 //0/ //0//0
    فعولُ مفاعيلن فعول مفاعلن فعول مفاعيلن فعول مفاعلن
    بحر: الطويل.
    الروي: الميم المكسورة (مي)
    القافية (حازمي /0//0)
    مَنْ يَفْعَلِ الخَيْرَ لا يُعْدَمْ جَوَازِيْهِ لا يَذْهَبُ العُرْفُ بَيْنَ اللهِ والنَّاسِ
    من يفعل لـ خير لا يعدم جوازيهي لا يذهب لعرف بين للاه ونناسي

    /0/0//0/0//0/0/0//0/0/0 /0/0//0/0//0/0/0//0/0/0
    مستفعلن فاعلن مستفعلن فعْلن مستفعلن فاعلن مستفعلن فعْلن
    بحر: البسيط.
    الروي: السين المكسورة (سي)
    القافية (ناسي /0/0)
    وكُنْ
    رَجُلًا على الأهْواءِ جَلْدًا وشِيْمَتُكَ السَّمَاحَةُ والوفَاءُ
    وكن رجلن علل أهواء جلدن وشيمتك سسماحة ولوفاءو
    //0///0//0/0/0//0/0 //0///0//0///0//0/0
    مفاعلتن مفاعيلن فعولن مفاعلتن مفاعلتن فعولن
    بحر: الوافر.
    الروي: الهمزة المضمومة (ءو)
    القافية (فاءو /0/0)

  10. #50


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: بنية اللغة العربية بناء وتأثيرًا

    6_ نماذج للتطبيق:
    "قطِّع بيوت الشعر الآتية، واذكر تفعيلاتها، وسَمِّ بحورها، وحدِّد في كلٍّ منها جوازات تفعيلاتها، والصدر والعجز، والعروض والضرب، والروي والقافية":
    _ فَمَنْ تَكُنِ الحَضَارَةُ أَعْجَبَتْهُ_فَأَيَّ رِجَالِ بَادِيَةٍ تَرَانَا
    _ سَتُبْدِي لَكَ الأَيَّامُ ما كُنْتَ جَاهِلًا_ويَأْتِيْكَ بالأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ

    _ دَعْنِي أَجِدُّ إلى العَلْيَاءِ في الطَّلَبِ_وأَبْلُغِ الغَايَةَ القُصْوَى مِنَ الرُّتَبِ

    _ وَلا تَعْتَذِرْ بِالعُدْمِ عَلَّ الذي طَرَا
    [1]_يَظُنُّ لَنَا مَالًا فَيُوسِعُنَا ذَمَّا
    _ لا تَحْقِرَنَّ صَغِيرًا في مُخَاصَمَةٍ_إنَّ البَعُوضَةَ تُدْمِي مُقْلَةَ الأَسَدِ
    _ إذا طَمَعٌ يَحِلُّ بِقَلْبِ عَبْدٍ=عَلَتْهُ مَهَانَةٌ وعَلَاهُ هُوْنُ
    _ لَهُ المؤاسَاةُ عِنْدِي إنْ تَأَوَّبَنِي
    [2]_وكُلُّ زادٍ وإنْ أَبْقَيْتُهُ فَانِ

    _ يَمُوتُ الفَتَى مِنْ عَثْرَةٍ بِلِسَانِهِ_وَلَيْسَ يَمُوتُ المرْءُ مِنْ عَثْرَةِ الرِّجْلِ

    _ ولَمْ أَرَ في عُيُوبِ النَّاسِ شَيْئًا_كَنَقْصِ القَادِرِيْنَ على التَّمَامِ

    [HR][/HR][1] طَرَا: الأصل (طَرَأَ)، وحُذِفَت الهمزة للضرورة الشعرية، والمعنى (جاء فجأة).
    [2] تَأَوَّبَنِي: أي عاد إليَّ نَادِمًا.


  11. #51


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: بنية اللغة العربية بناء وتأثيرًا

    سادسًا: التعبير الكتابي
    1_ أسباب ضعف الطلاب في التعبير الكتابي:
    يمثل التعبير الكتابي مشكلة بالنسبة للكثير من الطلاب، ونرى علامات منخفضة، وتعابير رديئة المستوى والتركيب، ويرجع ذلك إلى أسباب متعددة، منها:

    أ_ غياب تقنية التعبير الشفوي:
    هذه التقنية التي تُعَدُّ الخطوة الأولى في طريق التعبير الجيد والصحيح، والخطوة الممهدة الأساسية للتعبير الكتابي الموسَّع والمترابط.

    ب_ غياب المطالعة من قاموس الطلاب:
    ولعلها من أبرز أسباب الضعف في التعبير الكتابي، فهم؛أي الطلاب؛ يقرأون نصوص الكتاب المدرسي؛ بالكاد؛ ما يجعل تعابيرهم ضعيفة، لقلة الأفكار، ولضعف الحقل المعجمي والمترادفات لديهم.

    ت_ إضافة إلى ذلك، لدينا غياب الإلمام بالقواعد النحوية والإملائية المطلوبة:
    بل إن أساسياتها تغيب عن مدارك الطالب، فنراه؛ في الصف التاسع؛ يكتب الفعل بتاء مربوطة في آخره! ونراه؛ في صف التاسع؛ يكتب الاسم في حالة الجمع بتاء مربوطة في آخره كذلك! ونراه؛ في صف التاسع؛ لا يعرف كيف يكتب الهمزة، كما أننا نراه متحمسًا لوضع كل فعل في صيغة الجمع، إذا كان بعده الفاعل في صيغة الجمع، فيكتب التلميذ (قالوا الأولاد)، بدلًا من (قال) الأولاد.

    ث_ والمشكلة الأكثر ضررًا على الطلاب، التسرع في كتابة التعبير الكتابي:
    ربما خوفَ انتهاء وقت المسابقة، أو استهتارًا منه بالتعبير، وقراءته إياه مرة واحدة بنظرة سريعة فحسب، بل ربما يقرأ بعض الكلمات منه فقط ويبني عليها التعبير، وقد لحظنا نماذج عملية كثيرة تؤكد هذا الأمر، ويكتب الطالب موضوعًا قد يكون خارجًا عن المطلوب نهائيًا.

    وأذكر مرة في إحدى دورات الشهادة الرسمية، في جولتي بين الصفوف؛ كمراقب عام؛ أن طالبة أخذت تهتف متحمسة في الصف بأن الموضوع: (أن نكتب القصة التي نريدها)! علمًا بأن نص التعبير كان عن طالب حصل له حادث ما قبل امتحان الشهادة الرسمية، لكنه تغلب على ما يعانيه، ودرس وتقدَّم للامتحان ونجح... و(أنشئ من هذه الأفكار قصة متماسكة)!

    ومن المؤكد أن حالة هذه الطالبة ليست الحالة الوحيدة، فكم من تعبير نقرأه، لا علاقة له نهائيًا بالمطلوب ضمن نص الموضوع، وإذ نسأل الطالب عن سبب ذلك، يكون رَدُّه بأنه كان مستعجلًا، فلم يركِّز في نص التعبير الكتابي كما ينبغي!


  12. #52


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: بنية اللغة العربية بناء وتأثيرًا

    2_ الحلول المقترحة لمعالجة نقاط الضعف:
    أ_ تحقيق تقنية التعبير الشفوي بشكل صحيح:
    يجب التركيز على الإكثار؛ بقدر المستطاع؛ من تحقيق تقنية التعبير الشفوي، عبر حصة مخصصة للتعبير الشفوي، وخلال الحصص الدراسية المعتادة، بطرح أسئلة حول صورة النص، وحول مضامينه، والاستماع إلى إجابات الطلاب، على أن هذه التقنية التعبير الشفوي تحتاج منا ألا نكتفي بطرح سؤال والاستماع إلى إجابته فحسب، وانتهى الأمر! وهذا الطالب جيد، وذلك الطالب تعيس! هذا ما لم نقاطع الطالب عدة مرات لتصحيح أخطاء ضبط الكلمات، ما يضيع الهدف والإفادة من التعبير الشفوي، وتوظيفه بشكل صحيح لتنمية مقدرة الطالب وجرأته في التوسع في التعبير الكتابي.
    علينا تقبل الإجابة، كما هي بادئ الأمر فحسب، ولو كان ضبط الكلمات خاطئًا بالكامل، بل حتى لو كانت بالعامية، ثم محاولة الوصول بالطالب إلى إعادتها باللغة الفصيحة، بضبط صحيح، وذلك بعد تشجيعنا إياه لإجابته، ليشعر أنه قد قدَّم إجابة صحيحة ولها وزنها واعتبارها عند الأستاذ، ولكن هذه الخطوة؛ كذلك؛ لا تكفي، بل علينا فتح الحوار مع الطالب خلال التعبير الشفوي بقدر الإمكان لتوجيه مداركه نحو كل النقاط التي يمكن لنا أن نريد منه أن يعبِّر عنها[1].
    ب_ تفعيل المطالعة:
    ولا يعني ذلك أن ينزل الطالب إلى المكتبة ويقرأ قصة، بل يجب أن يتعود توثيق القصة، وتدوين أفكارها الرئيسة، وإن وجدناه مترددًا غير واثق من نفسه، نطلب إليه أن يكتب لنا (ما فهمه من القصة)، ويحدد رأيه في تصرف بعض الشخصيات، وما الذي أعجبه، وما الذي لم يعجبه، وإن كان هو بدلًا من الكاتب، فكيف كان سيجعل تلك الشخصية تتصرف، أو كيف كان سيحول نهاية القصة إلى نهاية أخرى أفضل، وفي كل النقاط يجب أن يذكر التلميذ السبب، يجب أن يعلل لنا لماذا أعجبه هذا الأمر أو ذاك، ولماذا لم يتقبل حصول هذا الأمر أو ذاك، ولماذا يريد النهاية التي يقترحها، بل ويقترح عنوانًا آخر، مبررًا اختياره.
    أما الظن بأن (المطالعة) تعني (الجلوس في المكتبة)، فهذا ظن ليس في مكانه، واكتفاء التلميذ بقراءة القصة فحسب، أمر جيد، لكن بالنسبة إلى الطالب المتمكن، أما بالنسبة إلى الطالب غير المتمكن، فستبقى مشكلته في التعبير الكتابي قائمة مثلما هي، ما لم نحاول توجيه المطالعة كما ذكرنا، بقدر المستطاع، ومهما كلفنا هذا الأمر من الجهد والتعب.
    ت_ التذكير بالقواعد الأساسية دائمًا:
    حتى لو كان في هذه الخطوة إرهاق شديد للأستاذ، لكن عليه أن يشير إلى كل الأخطاء الإملائية والنحوية في مسابقة التلميذ، وكتابة الصواب فيها، أما الطريقة التقليدية بالاكتفاء بوضع خط تحت الخطأ، أو خطين إن كان الخطأ فاضحًا، فهذا ما لا يقدِّم ولا يؤخِّر شيئًا، إلا بالنسبة للطالب المتمكن، فإنه (قد) يدرك خطأه، وبعد ذلك علينا أن ننبِّه التلاميذ؛ مباشرة أو في حصص لاحقة خلال دروس تستدعي الأمر؛ إلى القواعد الأساسية، وما أخطأوا به، لكن من دون تسمية المخطئ، بل إننا نقول مثلًا (نام العامل المتعب نومًا عميقًا)، لا (نوم عميق)، لأن (نومًا هنا مفعول حقيقي للفعل نام، إذًا إعرابها مفعول مطلق، والمفعول المطلق منصوب)، ونعطي أمثلة أخرى إضافية، وهذا الأمر لن يأتي بنتيجة إيجابية مباشرة، لكنها عملية البناء التي تستغرق وقتها، وعلينا أن نقوم بها بكل جهدنا تجاه طلابنا، فهم أمانتنا ومسؤوليتنا.

    ث_ تمرين الطالب على تدوين الأفكار الرئيسة:
    وهذا أمر مجهِد لنا، ولكنه واجب وضروري، علينا أن نبتدئ مع الطالب في الحلقة الثالثة، بل قبل ذلك، بأن نمرِّنه على استخراج وتدوين الفكرة الرئيسة من كل فقرة يقرأها، هذا الأمر لا يزيد الطالب قوة في التحليل فحسب، بل إنه يُعَوِّده التركيز المطلوب في قراءة النصوص، وفي قراءة نص التعبير الكتابي المصغر بالأولى، ما يجعل إجابته ضمن المطلوب، لا خارج نص التعبير، ويضمن له أن ينال العلامة، وفق ما يُبدِع في تعبيره، بدلًا من أن يكون في خطر ضياعها بالكامل، نظرًا لتَعَوُّدِهِ القراءة السريعة التي تفتقر إلى التركيز.

    [HR][/HR][1] نكتفي بهذا القَدْر هنا، إذ سَنُوَسِّع عرض هذه الإشكالية موضعَها المناسب.


  13. #53


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: بنية اللغة العربية بناء وتأثيرًا

    3_ الأخطاء في كتابة التعبير الكتابي:
    ونتناول هذه الأخطاء، منتقلين من أخطاء (ما قبل التعبير) التي تجعل الطالب لا يجيد التعبير أصلًا، إلى مسألة نلحظها من ظن بعض الطلاب أنهم قدَّموا تعبيرًا كتابيًا جيدًا؛ بل مميزًا؛ وفق رأيهم، وينتظرون العلامة المرتفعة، ثم يُفاجَأون؛ بعد ذلك؛ بعلامة منخفضة، قد تسبب لهم الإحباط، وتصل بهم إلى مرحلة الظن أنهم مهما كتبوا و(أبدعوا) فإن ذلك لن يعجب الأستاذ، ولن يضع لهم علامة جيدة!

    وأحاول؛ في هذا البند؛ الإشارة إلى أبرز الأخطاء التي يقع فيها التلاميذ في معالجة التعابير الكتابية على اختلاف أعمارهم وصفوفهم، ولعل في تجاوز هذه الأخطاء ما يرتقي بأسلوب تلاميذنا إلى الأفضل:

    أ_ عدم معالجة كل المطلوب في نص الموضوع:
    فقد يكون المطلوب معالجته جزئيتان أو ثلاث، ثم نرى التلميذ قد اكتفى بمعالجة جزئية واحدة فقط، مهملًا كل ما عداها، وربما يقدم معالجته تلك بأجمل الأساليب وأرقاها، ولكن، من الناحية الواقعية، هو لم يعالج أكثر من نصف أو ثلث الموضوع، وبالتالي سيكون حساب علامته وفق هذا الأساس، مهما كانت المعالجة رائعة ومتميزة، فقد يُطلَب إليه تصوير أثر سياحي، ووصف حركة السياح حوله، وإبداء مشاعره وعواطفه، فيكتفي الطالب بتصوير هذا الأثر، ويعبِّر عن مشاعره وعواطفه، ويرى نفسه مبدعًا بتعبيره، ولكنْ؛ أين كلامه عن السياح وحركتهم حول هذا الأثر السياحي؟ ها قد أضاع الطالب بعض العلامات، من دون أن ينتبه إلى ذلك! بل قد يُطلَب منه تقديم التعبير مستعملًا (السرد والوصف والحوار)، فيكتفي التلميذ بالسرد والحوار، مضيعًا على نفسه جزءًا كبيرًا من العلامات، ظانًا أنه سينال علامة مرتفعة.

    ب_ معالجة المطلوب في نص الموضوع، من غير تسلسل:
    فقد يكون المطلوب معالجته ثلاث جزئيات مثلًا، فيبتدئ التلميذ بالأولى ثم الثالثة، ثم الثانية، أو بأي ترتيب لا يراعي التسلسل المطروح ضمن نص الموضوع، ومهما بلغت جمالية المعالجة من وجهة نظر التلميذ، إلا أنها في وجهة نظر المصحح، ليست تقدِّم أكثر من موضوع ركيك الأسلوب، لعدم معالجته المطلوب بالترتيب.

    ت_ معالجة كل المطلوب، ولكن في فقرة واحدة:
    والأصل في التعبير الكتابي أن يكون مقدمة (فقرة) وصلب موضوع (3_5 فقر) وخاتمة (فقرة)، فنرى التلميذ أحيانًا يقدم الموضوع كله فقرة واحدة، فيكون حساب علامته على أنه قد كتب مقدمة طويلة جدًا، ولم يعالج الموضوع، وإن كان قد عالج عمليًا كل النقاط، أو قد يكتب التلميذ مقدمة، ثم صلب موضوع من فقرة واحدة، وهنا هو أضاع على نفسه ثلثي العلامة الممنوحة لصلب الموضوع، ما لم يدمج الخاتمة؛ كذلك؛ بصلب الموضوع، كما رأينا ولاحظنا الكثير ممن يفعل ذلك، ذاهبًا بدرجتها، من دون أن يدرك أو يشعر.

    ث_
    ضعف الصياغة، وتتمثل في أمرين اثنين:

    _
    التكرار:
    ولا نعني هنا التكرار الجيد، وسنشير إلى مواضعه في الهامش أدناه[1]، ولكن قد ترى المقدمة رائعة، ثم يبتدئ التلميذ بصلب الموضوع (وكما قلنا في المقدمة...)، وتراه أعاد نصف المقدمة، أو كلها في بعض الأحيان! وهنا الخطأ المزدوج، أنه وقع في التكرار من ناحية، وأنه أضاع على نفسه علامة فقرة من فقر صلب الموضوع، ومن التكرار ذِكرُ الفكرة نفسها أكثر من مرة، بلا داعٍ، إلا لزيادة عدد أسطر الموضوع فحسب!

    _ الخطأ في استخدام أدوات الربط:
    فإما تكرار أداة واحدة: (و..و...و...و...و...)، أو الاستخدام الخاطئ لأدوات الربط، مثلًا (أما فهو..) والفاء ترتبط بجواب أما وجوبًا، ولا يجوز وضعها قبل ذلك (أما هو.. فــــ...)، أو استعمال أدوات ربط متنوعة (ولكن، إنما، و، لذا...) وبشكل عشوائي تمامًا، فقط ليظهر التلميذ أنه يستعمل أدوات الربط، وكذلك عدم مراعاة أدوات الربط المخصصة للأنماط، فمثلًا النمط السردي، تتعلق أدوات الربط فيه بالزمان، وتتعلق في النمط الوصفي بالمكان، كما أوضحنا ذلك في شرح الأنماط، وبالتالي لا يجب على التلميذ استخدام أدوات ربط في غير مواضعها، أو لا تتلاءم مع النمط الذي يَكتُب به.

    ج_ الكتابة بالعامية
    : وهي من الأخطاء الكبيرة التي نراها، رغم أن الكتابة بالعامية لها فوائد إيجابية، ولكن لا يحق للتلميذ استخدام العامية في التعبير الكتابي، لأنه وضع أصلًا ليختبر قدرته في التعبير باللغة الفصحى السليمة، ولا يجوز استخدامها إلا في موضعين اثنين، أولها أن يكون النص المعطى للتحليل، والذي تدور عليه أسئلة فهم النص مكتوبًا فيه بالعامية، أو يضطر التلميذ إلى استخدام أمثال شعبية، وحتى في هذه الحالة، عليه أن يضع الكلام بالعامية بين قوسين، ولا يخلطه بالفصحى.
    واختلاف اللهجات بين المناطق المحلية في الدولة الواحدة نفسها، يجعل استخدام اللغة العامية أمرًا بالغ الرداءة، وذلك لاحتمال وجود بعض الكلمات التي قد لا يفهمها حتى المصحح نفسه، نظرًا لأنه من منطقة تختلف عن منطقة الطالب.
    ح
    : الكتابة الخاطئة، إملائيًا ونحويًا: وهناك فارق فيما بينهما، فقد يكتب الولد كلمة (تفاحة) مثلًا، كلمة صحيحة إملائيًا، ويكتب: أكلت تفاحةٍ، فهنا وقع في خطأ نحوي، وكلاهما يحاسب عليه، ومن أسوأ الأخطاء الإملائية التي نراها وضع التاء المربوطة للفعل، وفي الحلقة الثالثة الكتابة الصحيحة إملائيًا ونحويًا لها علامتان (ظاهريًا)، بينما هي واجب أن يعرفها ويتقنها الطالب في المرحلة الثانوية تحت طائلة حسم ثلث العلامة للموضوع، في حال القصور اللغوي (ويشمل الخطأ النحوي والإملائي وضعف الترابط).

    خ:
    ومن النقطة السادسة، ننطلق إلى النقطة السابعة، ومما ينقص علامة التعبير الكتابي عدم إلمام التلميذ بالتقنيات المطلوبة منه في التعبير، فمثلًا صف الشهادة المتوسطة، التعبير على 21 علامة، وربما يبدع الطالب حقًا، ويتصور أنه سينال علامة متميزة، ولكنه لا يعلم بأن المعالجة للأفكار المطلوبة لها 9 علامات فحسب، ولا يعلم؛ كذلك؛ أنه مهما تغيرت التقنيات، لدينا تقنيات ثابتة، كترك الفراغ بداية كل فقرة، وأنه مهما أبدع فلن ينال العلامة الكاملة في التوسيع، فكيف الحال إذا ما أهمل التقنيات؟ وسنقدِّم شرح التقنيات بالتفصيل ضمن خطوات الحلول.

    د:
    إهمال الطالب اقتراح عنوان مناسب لتعبيره الكتابي:
    وهذا من التقنيات الحديثة المطلوبة[2] لصف الأساسي التاسع وفق التوصيف الجديد.

    [HR][/HR][1] نستطيع معرفة إن كان التكرار جيدًا أو رديئًا، من خلال السماع، ولنلاحظ تكرار كلمة (أمي) في المثالين، مما كَتَبَتْه إحدى الطالبات في صف الأساسي التاسع، من بضع سنوات:
    أ_ "استيقظت أمي صباحًا، وتناولت أمي طعامها، وذهبت أمي إلى السوق، واشترت أمي من السوق ما يحلو لها، ثم عادت أمي إلى البيت، وحين عادت أمي إلى البيت، طبخت لنا أمي الطعام". التكرار رديء لا معنى له، وهو؛ ونظيره، مما يُضعِف العلامة، بخلاف المثال الآتي:
    ب_ "أمي، نغم عذب أمي ، ما أحلاها من كلمةٍ كلمةُ أمي"!. هنا تكرار جيد، أعطى النص صبغة إيقاعية جميلة، ولنختصر المسافة، سنقول إن التكرار موضعه فقط في المواقف الوجدانية لا أكثر، وبخلاف ذلك يكون رديئًا، ويُعَدُّ من الأخطاء المنقصة للعلامة.
    [2] ونسجله في بند منفصل، كونه؛ كما أشرنا؛ تقنية حديثة، ما يزال كثير من الطلاب يهملونها، رغم أننا نكتبها لهم ضمن (الملحوظات والتوجيهات)، لكن ذلك بسبب أنهم لم يتعودوها في صفوف سابقة، ولذلك يجب أن يتعودها الطالب من صف الأساسي السابع وما بعده، كي لا تضيع علامتها منه في امتحان الشهادة الرسمية.

  14. #54


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: بنية اللغة العربية بناء وتأثيرًا

    4_ الحلول المقترحة لمعالجة الضعف:
    أ_ تفعيل تحليل التعابير الكتابية استقرائيًا: وذلك بعدم الاكتفاء بإعطائها فروضًا منزلية، بل علينا تخصيص عدة حصص للتعبير الكتابي الصفي، خلال السنة، وذلك بكتابة نص التعبير المطلوب على اللوح، أو توزيعه عبر أوراق مصوَّرة للطلاب، واستقراء جزئياته، وتدوين كل المطلوب من الطالب أن يتكلم عنه خلال تعبيره، وبالتسلسل المتدرج، على اللوح، ليدوِّنه الطالب لديه (يجب أن نعالج في التعبير: أولًا... ثانيًا... ثالثًا...)، وهذه الخطوة كفيلة بحل مشكلتين من مشاكل التعبير الكتابي، مشكلة عدم معالجة كل المطلوب في نص التعبير الكتابي، ومشكلة المعالجة العشوائية التي تفتقر إلى التسلسل المنطقي.
    ب_ تنبيه الطلاب؛ دائمًا؛ إلى وجوب تقسيم الموضوع فقرًا متعددة: ويكون ذلك بمحاسبة جادة وقاسية بالعلامة في حال لم يلتزم الطالب بتقسيم الموضوع عدة فقر، وبتشجيعه بعلامة إضافية إذا ما التزم بهذا التقسيم، على أن نُعَوِّده؛ مهما أخذ ذلك معنا من وقت؛ أن يترك سطري فراغ بعد فقرة المقدمة، وسطر فراغ واحدًا بعد كل فقرة من فقر صلب الموضوع، وسطري فراغ بعد الانتهاء من صلب الموضوع قبل الانتقال إلى الخاتمة.
    ويمكن لنا؛ كذلك؛ عبر تقنية التعبير الكتابي الصفي الاستقرائية، وبعد تدوين الأفكار التي ينبغي معالجتها، أن نسأل الطلاب: (بناء على هذا التوزيع، أي فكرة يمكن لها أن تكون المقدمة؟ وأي الأفكار يمكن أن نوسعها ضمن صلب الموضوع؟ وأي فكرة يمكن لها أن تكون الخاتمة)؟ أو (بناء على هذه النقاط التي ينبغي أن نفصلها ضمن صلب الموضوع، ترى ماذا يمكن أن نكتب في المقدمة؟ وبعد الإجابات الاستقرائية المنوعة، نسأل ماذا يمكن أن نكتب في الخاتمة؟ كيف يمكن أن ننهي الموضوع)؟ ونستمع؛ كذلك؛ إلى عدد من الإجابات، ونحاول أن نفسح المجال أمام الكل للمشاركة.
    ت_ العمل على البناء التركيبي الصحيح: وذلك لمعالجة مشكلة ضعف الصياغة، علينا ألا نكتفي بشطب الجمل، أو منح العلامة المنخفضة، بل يجب أن نكتب للتلميذ أداة ربط مناسبة بين الجمل التي يسيء وضع أداة الربط المناسبة لها، أو لا يختار لها أداة ربط حتى، وعلينا أن نمرِّن الطلاب على تقنية التركيب الصحيح، بشرحنا لهم ما هي أدوات الربط، وما وظائفها، وإعطائهم أمثلة عملية، عبر تذكيرهم بها من خلال الدروس، درسًا تلو الآخر، كما علينا؛ بعد التعبير الكتابي؛ أن نكتب يمين اللوح أدوات الربط المتنوعة، وفي منتصفه بعض الجمل التي رأينا صياغتها الضعيفة لدى الطلاب، على اللوح، ونقوم بعملية عصف ذهني لنختار أداة الربط المناسبة.
    كما يجب علينا أن نشير للطالب إلى التكرار الذي وقع به في تعبيره الكتابي، ونحاول أن نمرِّنه على صياغة الجمل من دون تكرار بعض الكلمات، أو ذكر الفاعل مثلًا عدة مرات متتالية، وإذا كان التكرار يهدف إلى زيادة الأسطر وحجم التعبير الكتابي، فإن علينا أن نحاسب التلميذ بشكل قاسٍ بعض الشيء، ليعلم أن المعتبر في تصحيح تعبيره، ما كتبه من دون هذا التكرار، لا؛ بل ليعلم كذلك أنه لو لم يقع في هذا التكرار، لكانت علامته أفضل مما نالها الآن.
    ث_ رفض التعبير الكتابي باللغة العامية: ولا نكتفي بشطب الكلمة، أو التساؤل (لماذا تكتب بالعامية)؟ بل علينا أن نحاسِب الطالب على ذلك، وأن نذكر له هذا الأمر في تصحيحنا التعبير الكتابي، قائلين له إن الكتابة باللغة العامية أضعفت العلامة، وإن أمكن لنا؛ وهو الأفضل بكثير؛ أن نسجل له البديل الفصيح لكل كلمة عامية قد كتبها، لعله يتحسن بتعبيره ويرتقي إلى نبذ العامية في كتابته بقدر ما يمكننا أن نحقق له التطور الأدائي.
    ج_ الجداول المفصِّلة: وذلك بإعداد جداول نوجز فيها القواعد الإملائية المطلوبة الأساسية، مثلًا جدول بأنواع الهمزة وكيفية كتابتها، وتدوين أمثلة متنوعة فيها، وشرح سبب كتابة الهمزة في كل جدول تفصيليًا، والطلب إلى التلميذ أن يعطي أمثلة أخرى، مفصلًا فيها سبب كتابة الهمزة، والأمر كذلك في المقارنة بين القواعد التفصيلية للفعل الماضي، وعلامة بنائه، وسبب تغيرها، وعلامة رفع الفعل المضارع، وما إلى ذلك، وهذا بعد شرح الدروس والتطبيقات حولها، إذ يلزم تنشيط ذهن الطالب لإدراك القواعد النحوية والإملائية الأساسية على الأقل، وأن يكون مُلِمًا بقواعد الهمزة والتاء والاسم المنقوص وسواها، فهذا ما يعالج لدى الطالب مشكلة الكتابة الخاطئة إملائيًا ونحويًا، كما يعالج كذلك مشكلة ضبط الكلمات ضبطًا خاطئًا من قبل الطلاب، حتى أننا بالكاد نرى من يضبطها ضبطًا صحيحًا!
    ح_ التمرُّس بملحوظات وتوجيهات التعبير الكتابي: إذ إننا نلحظ، في توصيف الأساسي التاسع الجديد، كتابة ملحوظات وتوجيهات حول كل تعبير كتابي، وسواء أظلت هذه الخطوة موجودة أم لا، فإن على أستاذ الصف الاستفادة منها، وذلك باستقراء الملحوظات والتوجيهات التي يُدَوِّنها للتلاميذ حول كل تعبير كتابي، وصولًا في مرحلة لاحقة إلى كتابة نص التعبير الكتابي على اللوح، من دون كتابة هذه الملحوظات والتوجيهات من قبل الأستاذ، بل فعل ذلك استقرائيًا عبر طرح السؤال الجوهري: "ما هي الملحوظات والتوجيهات الرئيسة في مثل هذا التعبير الكتابي"؟ وإجراء الحوار مع التلاميذ، وتنويع الإجابات والمشاركات، وهاتان الخطوتان تفيدان تدريجيًا في علاج مشكلة ضعف التركيز لدى التلاميذ.
    خ_ شرح تقنيات التعبير الكتابي شرحًا مفصلًا نظريًا وتطبيقيًا: أما (نظريًا) فيكون بشرحها قبل الامتحانات، والتركيز عليها عدة مرات، أما (تطبيقيًا) فيكون بتفصيل علامة التعبير الكتابي، لا وضعها واكتفينا، لا نضع العلامة للطالب (7/21، 14/21، 16،5/21) أو في صفوف ما قبل التاسع (6/8، 2/8)... بل علينا أن نحقق له أمرين في التصحيح، مهما كان ذلك مرهقًا لنا، الأمر الأول أن نذكر له كل إيجابياته لتعزيزها، وكل نقاط الضعف، لعله يتفاداها لاحقًا، والأمر الثاني أن نكتب له كل جزئيات تصحيح التعبير، وعلامة كل جزئية منها، وكم نال عليها من العلامة، لعله؛ مرة تلو الأخرى؛ يتعود ملاحظة وتحقيق كل التقنيات المطلوبة في تعبيره الكتابي، وإليكم شرحًا مفصلًا لهذه التقنيات، وفق صف الأساسي التاسع، على أن يُراعي أساتذة صفَّي الثامن والسابع ما أمكنهم منها:
    [TABLE="align: right"]
    [TR]
    [TD]التقنية المطلوبة[/TD]
    [TD]درجتها من العلامة[/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]_ اقتراح الطالب عنوانًا ملائمًا للتعبير الكتابي[1].[/TD]
    [TD](علامة ونصف)[/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]_ توسيع الأفكار المطلوبة ضمن نص التعبير الكتابي[2].[/TD]
    [TD](تسع علامات)[/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]_ توظيف المكتسبات البلاغية والصرفية والنحوية والإملائية: وتنقسم علامته بين تضمين التعبير صورًا بيانية ومحسنات بديعية (علامتان) وضبط قواعد النحو والصرف والإملاء (علامتان) واستخدام أدوات الربط استخدامًا سليمًا (علامة واحدة) واستخدام علامات الوقف المناسبة (علامة واحدة).[/TD]
    [TD](ست علامات)[/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]_ التميُّز والفرادة: وتنقسم علامته؛ توازيًا؛ بين غنى الأفكار وغزارة
    الصور البيانية والتنوع في الجمل الإنشائية.
    [/TD]
    [TD](علامتان وربع العلامة)[/TD]
    [/TR]
    [TR]
    [TD]_ الإتقان في العرض والتقديم: وتنقسم علامته بين تقسيم الموضوع
    فقرًا (ثلاثة أرباع العلامة)، وترك فراغ بداية كل فقرة (نصف علامة)، وترتيب المسابقة كلها والكتابة بخط واضح (علامة واحدة)
    [/TD]
    [TD](علامتان وربع العلامة)[/TD]
    [/TR]
    [/TABLE]
    والسؤال؛ هنا؛ هل هناك تكرار في توزيع العلامة؟ نلحظ في البند الثالث (توظيف المكتسبات البلاغية والصرفية والنحوية والإملائية) رصد علامتين لـ(تضمين التعبير صورًا بيانية ومحسنات بديعية)، كما نلحظ في البند الرابع (التميز والفرادة) رصد ثلاثة أرباع العلامة لــ(غزارة الصور البيانية)، والإجابة: لا؛ لا تكرار هنا، فتضمين التعبير صورًا بيانية، يعني استخدام صور بيانية، أيًا كان نوعها، سواء استخدم الطالب التشبيه أم الاستعارة أم الكناية، أما حينما يستخدم الطالب عددًا جيدًا من الصور البيانية وينوِّع الاستخدام بين أنواع البيان الثلاثة، فإن هذا يدخل في باب غزارة الصور البيانية.
    ولا يمكن للطالب الاستهانة بهذا الأمر، أو أن يقول هذه التقنية لها ثلاثة أرباع العلامة فحسب، كتقنية التنوع في الجمل الإنشائية على سبيل المثال، أي أن ينوع الطالب في استخدام صيغ الإنشاء المختلفة، بحسب ما يقتضيه التعبير الكتابي الذي يكتبه، بين نداء وأمر واستفهام وتَمَنٍّ وتعجب، وما إلى ذلك، فهذه لها علامتها (المنفردة) 4/3 من أصل 21 علامة، ولكنها تدخل؛ حتمًا؛ في علامة التوسيع الكتابي التي رُصِدَ لها تسع علامات كاملة، وهل يُعقَل أن يتخيل الطالب توسيعًا مليئًا بالصور البيانية والجمل الإنشائية المتنوعة؛ إضافة إلى الجمل الخبرية طبعًا؛ سينال صاحبه العلامة ذاتها التي تُمنَح لتعبير كتابي ليس فيه صور بيانية ولا جمل إنشائية؟ قد ينال صاحب التعبير الأول (7/9) في علامة التوسيع، إضافة إلى العلامة المنفردة التي تُمنَح لتقنية الصور البيانية لاحقًا (2) لاستخدامها و(4/3) لغزارتها، و(4/3) لتنويع الجمل الإنشائية، أما صاحب التعبير الثاني الذي يخلو من الصور البيانية، أو بالكاد نلحظ صورة يتيمة، ولا تنويع فيه بين الجمل الإنشائية، فإنه قد لا ينال على تعبيره أكثر من (3/9) أو (4/9) ربما على أكثر تقدير، فكم علامةً قد خسر هذا الطالب؟
    ومن هنا؛ ينبغي على الطالب أن يدرك أهمية كل تقنية مطروحة ضمن التقنيات، وأن يسعى إلى تحقيقها في تعبيره الكتابي، كون الكثير من هذه التقنيات يدخل ضمن علامة التوسيع، كما له علامته المنفصلة على النحو الذي أوضحناه لكم.
    وتبقى لدينا ملحوظة أخيرة في هذا الصدد، وتتمثل في المعلومة الآتية، في صفوف الشهادات الثانوية، يجب أن يتم إنهاء المقدمة بطرح إشكالية ممهدة لصلب الموضوع (ولها نصف علامة المقدمة عادة)، ويجب أن يتم إنهاء الخاتمة بطرح إشكالية ممهدة لمعالجات جديدة (ولها ثلاثة أرباع علامة الخاتمة عادة)، بينما لا يُطلَب ذلك في الحلقة الثالثة، إلا في حالة واحدة، وهي أن يكون التعبير المطلوب من التلميذ (مقالة)، فالأفضل هنا إنهاء المقدمة بطرح إشكالية (أي سؤال ممهد لصلب الموضوع، أو إبداء رأي معين)، وكذلك الخاتمة، لكن هذا (الأفضل) وليس (إلزاميًا).
    [HR][/HR][1] والأفضل أن يتعود الطالب اقتراح العنوان قبل البدء بالتوسيع، وذلك في المرحلة الأولى، والأفضل؛ كذلك؛ أن يراجع التلميذ العنوان الذي اختاره بعد انتهاء التعبير، ليغيِّره إن رأى أنه يمكن اختيار عنوان أفضل منه، بناء على ما كتبه في التعبير الكتابي، وفي هذه الحالة إذا ما نسي المراجعة لتسرعه في تسليم المسابقة، يكون على الأقل قد ضمن جزءًا من علامة العنوان، إذ إنه قد اختاره مسبقًا، أو ربما يضمنها كلها إذا كان عنوانه ملائمًا، إذًا؛ فليكتب الطالب العنوان أولًا، وبعد ذلك يوسع الأفكار المطلوبة، أما إن كان الطالب منتبهًا إلى هذا الأمر، واثقًا من نفسه، مجيدًا في إدراك المطلوب، فلا بأس له أن يختار العنوان بعد التعبير.
    [2] ويشمل هذا التوسع: معالجة كل المطلوب ضمن نص التعبير الكتابي، وبالتسلسل المتدرج.

  15. #55


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: بنية اللغة العربية بناء وتأثيرًا

    سابعًا: فهم المسموع
    1_ مشكلة تقنية فهم المسموع: تقنية فهم المسموع من التقنيات الرئيسة في التدريس، وأهدافها واضحة لا تخفى، إننا نسعى؛ خلال فهم المسموع؛ إلى تنمية مقدرة الطلاب على التركيز والإصغاء، والإجابة عن أسئلة تتعلق بنص مسموع، وإعادة إنتاج نص من خلال أفكاره الرئيسة، وما إلى تلك المفردات والمصطلحات العامة. ولا ننكر إطلاقًا أهمية هذه الأهداف، على أنني أتوقف عند الهدف الثاني، الهدف العائم الذي لا يُمكِن قياسه تقريبًا، ما المقصود بـ(الإجابة عن أسئلة تتعلق بنص مسموع)؟ وما أهمية مثل هذا الهدف؟ بل ما الفارق الحقيقي ما بين إجابة الطالب عن أسئلة تتعلق بنص مسموع، وإجابته عن أسئلة النصوص التي يقرأها، والمسابقات الخطية الكتابية التي نضعها أمامه؟!
    أيًا ما كانت أهداف فهم المسموع وإفادته، يجب علينا أن ننتبه إلى عثرات فهم المسموع ومشكلاته الكبرى التي نعانيها في مدارسنا، إذ إننا نرى الطلاب كأنهم في حالة حرب، التوتر يسودهم، والأقلام في أياديهم لنسخ النص الذي نقرأه لهم، وإن كنا لا نعمِّم هذه الظاهرة، إلا أنها موجودة بشكل ملحوظ، وبهذا التصرف من الطلاب، هل يمكن لنا أن نعتبرها حصة فهم مسموع؟ إنها أقرب إلى حصة إملاء مشوَّهة الشكل والتفاصيل، تعتمد أن نتكلم وينقل خلفنا التلاميذ، لكن من دون أن نصحح لهم الأخطاء الإملائية!
    أعتقد أن مشكلة فهم المسموع ترجع إلى التربية المنزلية، إذ يغيب الحوار المركَّز ما بين الطالب وأهله، لا يتعوَّد الطالب منذ صغره الاستماع إلى أهله، إلا عبر الأوامر والنواهي، أما أن يتكلم الأب _ أو الأم _ مع الابن عدة دقائق متتالية، يتكلمون عدة جمل، ثم يسألون الولد ماذا قالوا، وهل فهم عليهم، وما رأيه، ولماذا، ويطلبون منه هو التعبير عن رأيه بكل جرأة وانطلاق، فهذا الأمر أظنه غائبًا عن كثير من البيوت، ليجد التلميذ نفسه فجأة إزاء مشكلتين كبيرتين في حياته التعليمية، مشكلة فهم المسموع، ومشكلة التعبير الشفوي، التي سنتناولها تفصيليًا في البند اللاحق. إذًا، ماذا نفعل نحن كأساتذة؟ هل نلغي حصص فهم المسموع؟
    الأمر غير مقبول منطقيًا، فهذه كفاية أساسية لا غنى عنها، ولكننا لا نستطيع أن نذهب إلى بيوت الطلاب لنطلب إلى الأهل أن يطبقوا نظرتنا في مبدأ الكلام والاستماع والتعبير بينهم وبين أبنائهم! وبالتالي لا بد لنا من إيجاد الحلول ما أمكننا ذلك.

  16. #56


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: بنية اللغة العربية بناء وتأثيرًا

    2_ حلول مشكلة تقنية فهم المسموع:
    لا مشكلةَ من دون حل لها، وقد تختلف الحلول بين أستاذ وآخر، وفقًا لمستوى تجاوب الطلاب المتفاوت ما بين مدرسة وأخرى، وربما يحتاج الأمر اختيار الحلول جميعها، وقد لا يحتاج إلا إلى شيء بسيط منها، وأضع بين أياديكم الحلول التي أراها مساعدة في هذه الحالة:

    أ_ اختيار نصوص تتعلق بالطلاب، بما يَخُصُّ حياتهم اليومية، ومواقفهم التي يَمُرُّون بها، حتى لو اقتضى الأمر أن يؤلِّفها الأستاذ، ليس من الضروري أن يكون كل نص فهم مسموع لكاتب ما، سواء أكان كاتبًا معروفًا لنا أم لا، ومنشورًا في كتاب أو مجلة، فالهدف مصلحة الطلاب لا نسبة النصوص.
    ب_ وننطلق من النصوص التي تَخُصُّ الحياة اليومية، إلى أخرى اجتماعية، انطلاقًا من مواقف التلميذ الاجتماعية التي يراها أمامه، مثل (البخل، التسول، الكرم، السرقة، الطلاق)...

    ت_ التدرُّج في نصوص فهم المسموع، ولا نعني بذلك النصوص الاجتماعية والشخصية، بل إن هذا التدرُّج ينطلق من أمرين أساسيين:

    _ التدرُّج في نوعية النصوص التي نقدِّمها إلى الطالب بشكل متسلسل، فإن طرحنا له نصًا اجتماعيًا لا يجب أن نسأله عن نوع النص، لكن يمكن لنا؛ حينما نسأل عن نوع النص؛ أن نبتدئ بنصوص سردية، أو سردية يمازجها الوصف، وقد يمازجها الحوار، تدريجيًا إلى أن نسأل التلميذ بفهم المسموع عن نوع النص (المقالة) التي نُسمِعه إياها.

    _ التدرُّج في حجم النصوص التي نختارها نصوصَ فهم مسموع، فليس من المنطقي أن تستغرق قراءة نص فهم المسموع خمس دقائق كاملة، ثم نعيد القراءة مرة ثانية وثالثة، وبعدها يجد التلميذ نفسه مضطرًا إلى إجابة ثمانية أسئلة مثلًا، فهذا يُشَكِّل ضغطًا في الوقت لا داعي له، وعملية سباق بين التلميذ ودقائق الحصة، وهذا لا يُعتَبَر فهمًا مسموعًا! وإذا أردنا للنص أن يكون كبيرًا، فعلينا أن نخفف حجم الأسئلة بالمقابل، لنتمكن من تحقيق الهدف المطلوب من إجراء هذه الكفاية.

    ث_ اختيار نصوص فكاهية بعض الأحيان، وذلك تخفيفًا على الطالب، وجذبًا له للمتابعة، وكذلك اختيار نصوص من التراث العربي، ليبقى ماثلًا في أذهان التلاميذ، على أن تحمل النصوص مغزى ما، أو تكون مؤثرة بشكل ما.


  17. #57


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: بنية اللغة العربية بناء وتأثيرًا

    3_ نصوص متنوعة لفهم المسموع:
    وسأقدِّم هنا بعض النصوص المتنوعة، متفاوتة الأحجام، ما بين متوسط الحجم وكبير الحجم، متنوعة الأهداف، ما بين القصة الطريفة، والقصة التي تعرض موقفًا عائليًا مؤثرًا، والقصة التي تعرض موقفًا اجتماعيًا مؤثرًا، ولو كان بعض هذه النصوص كبير الحجم، فذلك ليتمكن الأستاذ من اقتباس ما يريده من النص بحسب ما يراه مناسبًا.


    نص (شباب)

    ها أنا كبرت ونبت شارباي، اتركيني يا أماه، لا تبقي بجانبي! اتركيني يا أماه، أتخذ اليوم قراري، فالمسألة مسألة اختيارٍ أبيٍّ، فأنا لم أعد ذلك الطفل الشقي! أعتقيني يا أماه من أحمالكِ الثقيلة، واخفي كل صوري القديمة! أعتقيني من آمالكِ العريضة، واقبلي بصورتي الجديدة! لي رفاق أُجِلُّهم، للقوة للبأس جهدهم، يعلنون للشر الجلاء، ويرغبون في نشر الإخاء. أنا منهم، ومعهم أتحدى كل شتاء! وتردد صوت الأم في ذاكرة الشاب الشقي، ووصله ضعيفًا ضعيفًا، ومن بين كلماتها وصله رجاؤها، أملًا معقودًا ويدًا ممدودة: "يا بُنَيَّ يا صغيري، أنت في ضميري صفحة بيضاء، ريشة في مهب الأنواء، تثور لأقل إشارة، وتموج لأقل إثارة... انتظر حتى تدور الدائرة، وانظر إلى الأمر بجرأة، كي لا تُغلَق الستارة على مأساة دامغة، والصحوة تصبح نادرة، أعطِ نفسك فرصة، لن يسبقك الكِبَرُ، خفِّف عنك وطأة كيلا يهزمك الدهرُ". لم يسمع الشاب الكلمة الأخيرة، وانطلق نحو الدهر، يتحداه، ويمازحه، ويتقلب بين احتمالاته: برد وصقيع، حلاوة ومرارة، صعود وهبوط، ونسي الصوت، ونسي الأمل المعقود واليد الممدودة. وبقيت اليد الممدودة مرفوعة نحو السماء، تدعو كل يوم سمفونية الرجاء، وبقي الأمل المعقود يناجي عودة لا بدَّ من أن تحين، يتلصص على الشارع، بين فينة وأخرى، ويردد: "ربما يعود، سيعود، لا بد من أن يعود".
    د. مهى جرجور – بيت على الحافة _ كتابنا للنشر، المنصورية _ الطبعة الأولى _ 2017م.


  18. #58


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: بنية اللغة العربية بناء وتأثيرًا

    نص (الصياد والأمير)
    حُكِي أن صيادًا صاد ذات يوم سمكةً واحدةً كبيرةً، فلم يَجِد مَنْ يشتريها منه، ليبتاع[1] بثمنها خبزًا لأولاده، فأخذها وأعطاها لامرأته، لِتُصْلِحَهَا عشاء لهم، فقالت: بل الأَوْلَى أن تأخذَها إلى أمير البلد، وتُقدِّمَها له هديةً فَيُكْرِمَكَ بأضعاف ثمنها، فتشتري لنا خبزًا، ويبقى معنا فَضْلٌ للغد وما يَلِيه". فأبى أولًا بحجة عدم تحقق النوال[2]، ثم عمل بمشورتها، تخلصًا من إلحاحها، ولكنه لم يأخذ من الأمير إلا كلمة (عافاك)! فعاد على عقبه صفر اليدين، فحكى لامرأته ما قال له الأمير، فاكتأبت وقامت إلى جيرانها، فاسْتَقْرَضَتْ من الخبز ما به شبعة للأولاد في ذلك المساء. في الغد، ألقى شبكته في البحر، فاشتملت على سمكة أكبر من تلك، فأشارت عليه مشورتها الأولى، وبعد (قال وقيل) سمع لها، وذهب إلى الأمير، وقَدَّمَها له، فَقَبِلَهَا بوجه باشٍّ[3]، وقال له: (عافاك، عافاك)! فانثنى الصياد على عَقِبِه[4] مغمومًا، وقال لامرأته مغضبًا: "ألم أقل لكِ إنه لا خير في هذه التقدمة؟ قومي، أطعمي الأولاد بدل قوتهم الذي أفقدتِهم إياه برأيكِ الفاسد". فقامت للحال، وفعلت فعلها الأول. في صباح الغد، ذهب وألقى شبكته، فأصاب سمكة أكبر من السمكتين الأوليين، فجاءَ امرأتَه قائلًا: "لا جرم[5] أنكِ تجعلينها هذه المرة طعامًا للأولاد، بعد أن فَالَ[6] رأيكِ مرتين". قالت: "تسمع لي هذه المرة أيضًا[7]، وتفعل من بعدها ما تشاء"، فَتَعَوَّذ بالله، ومضى فقدَّمَها إلى الأمير، فَقَبِلَها منه ببشاشة وسرور، وقال له: (عافاك، عافاك، عافاك). فانكفأ[8] الصياد إلى بيته ساخطًا، وأخبر امرأته بما جرى، فقالت له: "لا تحزن يا رجل، فغدًا، إن شاء الله، تنال أضعاف أضعاف ثمن السمكات، فعليك بالصبر إلى الغد، وإن غدًا لناظره قريب". بات الرجل بَحَوبَة سوء[9]، ولم يصدق أن انفجر الصبح، حتى طالبها بإنجاز الوعد، فقالت له: "قُمْ، اتبعني"، فقام، وتبعها إلى السوق، ولما كادت تصل إلى دكان صائغ، قالت له: "سأختار من عند هذا الصائغ سوارين، ثم أقول لك ادفع ثمنهما، وحينئذٍ تفعل ذَيْتَ وذَيْتَ، وتقول كَيْتَ وكَيْتَ"، قال: "سأكون لكِ مطواعًا هذه المرة أيضًا[10]، لأرى نتيجة آرائكِ". لما بلغ دكان الصائغ، انتَقَتْ سوارَينِ ثمينين، وبعد التساوم اتفقا على أن يكون ثمنها[11] ثلاث ليرات. حينئذ سَلَّمَتْهما إلى زوجها قائلة: "خذهما وانْقُدْهُ ثمنهما"، فَمَدَّ الصائغ يده، فإذا بالصياد يَعُدُّ فوقها قائلًا: "عافاك، عافاك، عافاك". فَبُهِتَ الصائغ، وقال له: "أتسخر بي يا رجل؟ ما هذا"؟ قال: "هي الليرات الثلاث، ويجب عليك أن تقبضها راضيًا، لأنها سِكَّة الأمير، وإلا حلَّ بك العقاب". علا الصياح، وكَثُرَ اللغط[12]، واجتمع إليهما مَن في السوق، وأفضى النزاع بينهما[13] أن يترافعا إلى الأمير، فانطلقا إليه معًا، وقَصَّ عليه الصائغ ما جرى، فَأَبِهَ[14] الأمير حالًا لتقصيره في مكافأة الصياد على سَمَكاتِه، وسُرَّ من الطريقة التي اسْتَنْبَطَها[15] لِتَنْبِيهِهِ لما فاته عمله، فالتفت إلى الصائغ ونَقَدَه ثلاث ليرات[16]، وأوعز[17] إليه أن "عُدْ إلى دكانك"، فقبضها وعاد. عند خروجه اسْتَدْنى[18] الأميرُ الصيادَ، ونَقَدَه ثلاث ليراتٍ أخرى، قائلًا: "خذ هذه أيضًا[19]، علاوةً على السوارين[20]، وأنْفِقْها في ما تحتاج إليه. ولولا أنك محق، لما أضْرَبْتُ[21] عن توبيخك على ما فعلتَ". فَقَبَّل الصياد يَدَه، ودعا له دعاءً طويلًا، وانصرف مسرورًا.
    المطران جرمانوس معقد (ولم أعثر على توثيق القصة).

    [HR][/HR][1] يبتاع: يشتري.
    [2] النوال: العطاء.
    [3] باش: مبتسم.
    [4] انثنى على عقبه: عاد من حيث أتى.
    [5] لا جَرَمَ: لا بُدَّ، لا شَكَّ.
    [6] فَالَ: خَابَ.
    [7] أيضًا: لا أرى صوابَ استخدامها هنا، لكنني أنقل القصة كما وَرَدَتْ، و(أيضًا) مفعول مطلق، لفعل (آَضَ) بالماضي، و(يِئِيْضُ) بالمضارع، بمعنى عاد إلى أهله.
    [8] انكفأ: عاد خائبًا.
    [9] الحَوبَة: الحاجة والهم.
    [10] أيضًا: سَبَقَ بيانُها.
    [11] الصواب: ثمنهما.
    [12] اللغط: الصوت والضجة.
    [13] أفضى النزاع بينهما: وصل النزاع بهما، أَدَّى النزاع بهما إلى...
    [14] أَبِهَ: انْتَبَهَ.
    [15] استنبطها: اخترعها.
    [16] ثلاث ليرات: لا ننسى أن كاتب القصة مات قبل الحرب العالمية الأولى، وكان هذا المبلغ في ذلك الوقت مبلغًا باهظًا.
    [17] أوعز: أشار.
    [18] استدنى: طلب إليه أن يقترب.
    [19] أيضًا: سَبَقَت الإشارة إليها كخطأ لغوي منتشر.
    [20] علاوة على: إضافة إلى.
    [21] أضربْتُ: امْتَنَعْتُ.




  19. #59


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: بنية اللغة العربية بناء وتأثيرًا

    نص (القانون)
    انفطر قلبها في أسى ولوعة، وخُيِّل إليها أنه يُنتَزَع من بين أضلاعها، مع انتزاع الطبيب لتذكرته الطبية في ذلك الدفتر الأنيق، الذي يحمل اسمه في كل صفحاته، ومناولتها إياها، وهو يقول في لهجة رجل عملي، لم يَعُدْ لديه وقت للعواطف أو المشاعر: "من الضروري أن تبتاعي هذا الدواء اليوم، وإلا فسيحيا ابنكِ بعاهة مستديمة مدى الحياة".
    ألقت نظرة بلا معنى على التذكرة الطبية، وهي تغمغم: "هل يتكلف الدواء كثيرًا"؟ أجابها في ضجر: "سَلِي الصيدلاني"، ثم هتف ينادي مساعده: "المريض التالي يا عبده".
    خفضت وجهها في استسلام وانكسار، وحملت ابنها الهزيل، ذا الأعوام الستة، وغادرت باب العيادة الفاخر، وقلبها نهبة للحزن والحيرة، إن الذي تحمله هو ابنها الوحيد، لم تُنْجِب سواه في عمرها، ولا أمل لديها في أن تفعل، بسبب خطأ طبيب ناشئ، حاول أستاذه تدريبه على أسلوب جديد للتوليد، وبعدها لقي زوجها، العامل الأجري الصغير مصرعه، عندما سقط من الطابق الرابع في منزل تحت الإنشاء، كان يعمل فيه عامل بناء.
    ومنذ ذلك الحين، وهي تكافح لتحيا، ولكن نوائب الدهر لم ترفع يدها عنها بعد، ها هو ذا ابنها الوحيد يصاب بمرض عضال، يهدده بعاهة مستديمة، وها هي ذي تقف عاجزة عن إنقاذه، وتوقفت مترددة أمام صيدلية كبيرة، ثم دفعت قدميها دفعًا لتخطو داخلها، وامتدت يدها إلى الصيدلاني بالتذكرة الطبية، وهي ترتجف في توتر، فالتقطها منها الصيدلاني البدين، وقلب شفتيه امتعاضًا وازدراء، وهو يتأمل مظهرها الرث، ثم أعادها إليها قائلًا في برود: "هذا الدواء يتكلف أربعين جنيهًا".
    ارتجف كل عرق في جسدها، عند سماع المبلغ، أربعون جنيهًا؟! إنها لم تربح في عمرها كله مثل هذا المبلغ، ولكن ماذا تفعل؟ أتَتْرُكَ وحيدها يواجه مصيره المظلم، لأنها لا تملك مالًا؟ إنها لا تملك حتى القوة للمزيد من العمل، وفي صوت خافت منكر، غمغمت: "ألا يمكنك أن"...
    ولكنه لم ينتظر ليستمع إليها، لقد فارقها ضَجِرًا، لِيُلَبِّيَ طلب تلك السيدة المكتظة التي تطلب شراء دواء لإنقاص وزنها، يبلغ ثمنه ضعفي ثمن الدواء، الذي يحتاج إليه الابن المسكين.
    وغادرت الصيدلية كطير ذبيح، وارتكنت إلى بابها تبكي في مرارة، وهي تحمل ابنها على كتفها، والتذكرة الطبية في يدها، وفجأة، دَسَّ أحدهم في يدها ورقة مالية، جَفَّت دموعها وهي تتطلع إليها في دهشة، وارتجف قلبها وهي تتصور ما حدث.
    لقد ظن الرجل أنها تتسول، فمنحها ذلك الجنيه! تتسول؟! يا له من عار! إنها لم تكن لتفعل هذا أبدًا، ولكن، ماذا تفعل سواه؟
    عادت تستعرض موقفها كله، ثم ضمت ابنها في إشفاق ولوعة، وراحت أعماقها تصارعها، ولم لا تتسول؟! ولم لا تقبل الأقدام من أجل وحيدها؟ وفي حياء تمتمت: "حسنة لله"، خُيِّلَ إليها أن أحدًا لم يسمع صوتها، فَرَفَعَت عقيرتها قليلًا: "أريد شراء دواء لذلك الطفل اليتيم".
    تَطَلَّع إليها بعض المارة في إشفاق، وابتسم آخرون في سخرية وخبث، واقترب كهل منها، ودَسَّ في يدها ورقة مالية كبيرة، وفجأة، هوت على كتفها يد قوية غليظة، وارتفع من خلفها صوت صارم يقول في قسوة: "ماذا تفعلين يا امرأة"؟ انكمشت في رعب، والتَفَتَتْ إليه بعينين هَلِعَتَين وجسم مرتجف، وأرعبتها تلك الصرامة البادية في ملامحه، وهو يستطرد: "ألا تعلمين أن التسول يخالف القانون"؟!
    أرادت أن تشرح له موقفها، وأن تُرِيَه التذكرة الطبية، إلا أن الرعب والرهبة ألجماها، فبقيت صامتة مستسلمة، في حين قال أحد المارة في إشفاق: "دعها ترتزق يا شاويش"، وأضافت سيدة: "ربما كان ابنها مريضًا حقًا"، صاح الشاويش في صرامة لا تقبل الجدل: "وليكن... القانون هو القانون".
    وتَأوَّه ابنها ألَمًا، وزادت هي في ضمه، ولم تنطق بحرف واحد، وقد سالت دموع اليأس والمرارة على وجهها، وهي تسير أمام الشرطي إلى قسم الشرطة في استسلام تام، الآن فقط أدركت ماهية القانون... قانون الأقوياء.
    د. نبيل فاروق _ بتصرف بسيط من القصة الأولى في كتاب "لعنة البحر" _ العدد الخامس من سلسلة كوكتيل 2000

  20. #60


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: بنية اللغة العربية بناء وتأثيرًا

    نص (متسولة)
    لا أحد يعرف من تكون، ولا من أين أتت، لا اسم لها، لذا، أطلق عليها الجميع _ من دون اتفاق _ اسم "متسولة"، فملابسها رثة بالية، ووجهها أصفر شاحب، تستجدي الطعام والمال لها، ولابنها الصغير، إذ لا مُعِيلَ لها بعد وفاة زوجها، هي نفسها قالت ذلك، وهي تستجدي، وكالمعتاد، انقسم الناس فئاتٍ متعددةً، فئةً تجود بالمال، وأخرى بالغذاء، وثالثة بالملابس، ورابعة تشفق عليها، وتردد عبارتها الشهيرة: "يا حرام"، من دون أن تُعطِي شيئًا بالطبع. فئة تستهزئ بها، وفئة تتهمها بالكذب، ولكن الكفة تميل لمصلحة من يصدقها، حجتهم أنها لو كانت كاذبة لأحضرت معها ابنها تتسول به، كما يفعل الغجر في أيامنا، وحتى بعض المتسولات ممن يحملن أولادهن صادقات، وظَلَّ الجميع على خلافهم، حتى جاء يوم، استيقظت فيه القرية على خبر مؤلم، طفل المتسولة صَدَمَتْه سيارة مسرعة، وفَرَّ صاحبها الجبان. وتَبَرَّع بعضهم بنقله إلى المستشفى حيث يطلبون مبلغًا رهيبًا، وعلى والدته أن تُؤَمِّنَه لهم بأسرع ما يمكن، وإلا فَسَيَطْرُدُونَه من المستشفى بلا رحمة، هذا بخلاف تكلفة العملية الجراحية التي يجب إجراؤها له، والتي تتكلف عشرات الآلاف من الدولارات. انتشر الخبر كالنار في الهشيم، وهزَّ القرية كلها، وانطلق الجميع يتبرعون، الكبار والصغار، المصدق والمكذب، كلٌّ حسب إمكانياته، والمتسولة تأخذ المال بيد مرتجفة، من دون أن تدعو لأصحابها كالمعتاد، فلقد كانت دموعها تغرق وجهها، وبأسًى بالغ، تمتم أحد الناس: "المسكينة! لن تجمع مبلغ العملية، ولو ظَلَّت تستجدي عشر سنوات متتالية"، كان يظن صوته منخفضًا، ولكنه فوجئ بالمتسولة تقول بحزم، وبصوت قوي ثابت: "لم ولن أسعى لجمع مثل هذا المبلغ"! التَفَتَ الناس إليها بدهشة، فعادت دموعها تنهمر كالمطر، وارتجف صوتها، وهي تقول: "ليس بإمكاني إجراء العملية لابني، ولكني أحاول جمع المبلغ اللازم له كي لا يُطرَد من المستشفى، لعلهم يُجرُون له الإسعافات الأولية، وبعدها، وبعدها"... عجزت عن إتمام عبارتها، أو أنها لم تجرؤ على ذلك، فَخَفَضَ الرجل عينيه بِنَدَم، قائلًا: "فليفعل الله به وبنا ما في الخير"، لِتَرُدَّ المتسولة بصوتها المرتجف المختنق بالبكاء: "لن أتسول مرة أخرى هنا، أنا أتسول لأجل ابني، وابني سيموت، أو يقع في الغيبوبة، هذا ما قالوه لي في المستشفى". أَبْكَتْ كلماتها أهل القرية جميعًا، تُرى، من المسؤول؟ وأين نَجِدُه؟ أهي الدولة التي لم تَعُدْ تعتبر الفقراء مواطنين لديها؟ أم النواب الذين خانوا الأصوات التي أعطتهم مقاعدهم هذه؟ أم المستشفى من المدير والأطباء، وحتى البوَّاب؟ أم لعله المجتمع وأهل المجتمع؟ لقد خيَّم على القرية كلها صمت مخيف رهيب لم تمرَّ به يومًا، لا صوت، أو حركة، ولا حتى همسة، كل إنسان، بل كل شيء تجمد، حتى النباتات لم تَعُدْ تتمايل مع الهواء، هذا لو أنه ما يزال هناك هواء، وأصبح الموقف يحمل لوحة نادرة، لوحة تستحق اسمها عن جدارة، اسم (السكون) أو (التماثيل الباكية)، حتى ارتفع صوت يتساءل ما الذي يحدث، مُبَدِّدًا الصمت والسكون، فالتَفَتَ الجميع إلى صاحبها باستهجان، كأنه قد ارتكب جريمة نكراء، وكان رجلًا غريبًا، ينظر إلى المتسولة مذهولًا، كأنه قد رأى شبحًا، فَظَنَّ أهل القرية أنه السائق الذي صدم طفلها، فنظروا إليه غاضبين، وقد قَرَّرُوا أن يُحَطِّمُوا كل عظمة في جسمه، ويجبروه على دفع تكاليف المستشفى، حتى لو اضْطُرَّ بهم الأمر إلى بتر أعضائه وبيعها بأكملها، سدادًا للتكاليف! هتف الغريب بالمتسولة متسائلًا: "ما هذه الأسمال المرقعة يا ليلى"؟ لتجيبه المتسولة بصوتها المرتجف: "أنا لستُ ليلى، ولا أعرفك"، ولكن الغريب أَصَرَّ قائلًا: "لن أخطئ معرفة زوج ابن خالتي، أخبريني منذ متى أصبحتِ متسولة؟ وهل يعرف زوجكِ أنكِ هنا"؟ حاولتِ المتسولة أن تَرُدَّ، ولكن الناس انقضوا عليها غاضبين، فأسرعت تعدو، وهم خلفها، ثم رماها أحدهم بحجر كبير على يدها ، لِتُفْلِتَ كيس النقود منها، مطلقةً صرخة ألم عنيفة، ويدها تدمى، لكنها توقفت محاولة التقاط الكيس، ليصيبها حجر آخر في وجهها، ووصلها الجمع الثائر، وأخذوا يركلونها ويبصقون عليها، ثم استوقفهم الغريب هاتفًا: "اتركوها، سأخبر زوجها، وهو سيتصرف". ترك الرجال المتسولة لتنهض بصعوبة وتبتعد عنهم مترنِّحة، ودموع الألم والهوان في عينيها، فيما أسرع الغريب باحثًا عن قريبه، وما إن رآه حتى هتف به: "أتعرف ما تفعل امرأتك من خلف ظهرك؟ إنها تتسول"! اتَّسَعَت عينا قريبه غضبًا واستنكارًا، فتابع الرجل متحمسًا: "لقد رأيتُها منذ أقل من ساعة في القرية المجاورة"، ليضحك قريبه هاتفًا: "امرأتي كانت معي منذ الصباح يا رجل، ولم نفترق حتى دقيقة مَضَتْ، أوصلْتُها إلى أهلها، وها أنذا!، أنت مخطئ، ربما رأيتَ من يُشبِهُهَا"! أما المتسولة فكانت تسترحم مدير المستشفى في ذلك الوقت، كي لا يطرد ابنها، متعهدة بأنها سَتَهَبُهُ أعضاءها ليبيعها، مقابل أن يعالج ولدها، ولكن المدير رَدَّ بقسوة: "لا نعرف هنا شيئًا اسمه الرحمة، لا نعرف سوى المال، أنتِ لم تدفعي، خذي ولدكِ وانصرفي"! هَتَفَتِ المتسولة بانهيار: "أرجوك"، ليصرخ بوجهها غاضبًا: "كفى، هناك مريض دفع التكاليف، وسنعطيه سرير ابنكِ، هل تظنيننا وحوشًا لنحرمه فحوصاته الشاملة التي يرغب بإجرائها؟ نحن لسنا حجارة، أتفهمين"؟ تناولت المتسولة طفلها من يد الممرضة، وخرجت به ذليلة، تحاول جاهدة أن تجمع المال من أيدي المحسنين، متجاهلة آلامها وجراحها، ثم انتَفَضَ جسد ولدها بين ذراعيها، وجحظت عيناه، وسكن جسده تمامًا، بعد أن أطلق شهقته الأخيرة في هذه الحياة بين ذراعي أمه! رَجَّت صرخة المتسولة أنحاء المدينة، وعجزت ساقاها عن حملها، فانهارت أرضًا تبكي بألم هائل، ومرارة قاسية، تبكي وتنادي راحلًا لن يعود، تبكي بحرقة، كأنما دماؤها تحوَّلت حممًا بركانية، وبكل ما في نفسها من مشاعر الألم والحزن واليأس والأسى والفراغ والضياع، طَبَعَت قبلةً على جبين طفلها، وانطلقت دموعها تنساب، بلا توقف، وصرخاتها الملتاعة ترتفع، بلا انقطاع، وما من مستجيب!
    الأستاذ عمر قزيحة _ عام 2010م.



صفحة 3 من 4 الأولىالأولى 1234 الأخيرةالأخيرة

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...