بسم الله الرحمن الرحيمنتوقف اليوم مع كلمة (اللهمَّ) الواردة في القرآن الكريم، وفي لغة العرب، ماذا تعني هذه الكلمة، وماذا أفادت الميم المشددة هنا آخر الكلمة؟
أبسط توضيح أن اللغويين العرب يقولون إن الميم المشددة هنا، في كلمة (اللهمَّ)، أتت عوضًا عن حرف النداء (يا)، فهل هذا الكلام صحيح؟
يستدعي الرد أن نتوقف؛ أولًا؛ عند خرافة منشور حذف الياء قبل نداء الله تعالى في القرآن الكريم، والحجة في ذلك؛ كما يزعم بعضهم، أننا نقرأ في القرآن الكريم (ربنا، ربِّ)، من دون حرف النداء (يا)، وذلك لأن (يا) حرف نداء للبعيد، والله تعالى أقرب إلينا من حبل الوريد!
وكأن من كتب هذا المنشور لا يعرف من لغة العرب شيئًا! إذ إن (يا) حرف نداء للقريب وللبعيد، ثم إنها وردت في القرآن الكريم نفسه مرتين في نداء الله تعالى: {وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورًا} و{وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون}... بل إن النحويين اختلفوا هل نقول في كلامنا العامي (يا الله) بوصل الكلمتين (يللاه) كون اللام في اسم الجلالة حرف شمسي لا قمري، أم أننا نقول (يا الله) بالفصل ما بين الكلمتين( يا ألله)، وذلك لأننا نسكت سكتة صغيرة احترامًا لاسم الله تبارك وتعالى.
ثاني نقاط الرد، نرجع بها إلى السؤال الأصلي، هل الميم المشددة أتت عوضًا عن حرف النداء (يا)؟
الإجابة هي نعم، وذلك بحسب اللغويين العرب، وأرى أن لهم وجهة نظرهم في هذا، ولكن، هناك وجه آخر لهذه الميم المشددة، والتي يختص بها اسم (الله) تعالى وحده من دون سواه في لغتنا...
لدينا في اللغة العبرية (إيم)، وحينما تدمج في الكلمة تصبح (يِم) من دون لفظ الهمزة، فهم يقولون (إلوهيم) ويقولون (إفرايم) و(محمديم)... هذه ال(إيم) أو ال(يم) تفيد تفخيم مقام الفرد الواحد، كما ننادي في اللغة الفرنسية الجمع بـ (votre) و(vous)، ولكن الفارق أنها في اللغة العبرية تستعمل لله تعالى وللمخلوقات، بينما تختص في اللغة العربية لله تعالى وحده.
وقد يأتي بعض المتشككين(وقد قرأت لبعضهم) ليقولوا هل تعلمون ما معنى كلمة (اللهم) في القرآن؟ إنها مأخوذة من العبرية، من كلمة (إلوهيم) وتعني تعدد الآلهة! المسلمون لا يعرفون معنى (اللهم) التي يقرأون بها! بل وقرأت مرة أحد الردود يدعو فيه صاحبه قائلًا: (ليت اللغة العربية لم تأخذ من اللغة العبرية)!
وإلى الطرف الأول، طرف المتشككين، لا أظن أن الحماقة بلغت مثل هذا المبلغ بأحد من قبلكم! لا أتحدث عمن يقول بتعدد الآلهة، ولكن من يدعي أن (اللهم) تفيد تعداد الآلهة، فهل الله عز وجل يؤكد لعباده في القرآن الكريم أنه إله واحد، في العديد من المواضع: {وإلهكم إله واحد}، {قل لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا}، {قل هو الله أحد}... ثم يضع الله تعالى في القرآن ما يدل على أنه آلهة متعددة؟! ثم إن العرب كانوا يجاورون آنذاك قبائل يهودية كثيرة، ويعرفون بعقائد اليهود وبلغاتهم أيضًا، فكيف فاتهم جميعًا هذا الأمر لتدركوه أنتم الآن!!
وإلى الطرف الثاني، طرف من يقول (ليت اللغة العربية لم تأخذ من اللغة العبرية) أو طرف المتعصبين ممن ينتفضون غضبًا ليقولوا (لا، القرآن لغة العرب، ولا يمكن أن يكون قد أخذ هذه الكلمة من العبرية) نطرح عليهم الأسئلة الآتية ليجيبوا أنفسهم عنها:
1_ من خلق اللغة العربية؟
2_ من خلق اللغة العبرية؟
3_ من أعطى اللغة العربية المرونة لتأخذ من اللغات الأخرى، ولتعطي اللغات الأخرى؟
وبعد ذلك نشير إلى مسألة أخرى، إن بعض المتعصبين الآخرين يدعون فقط أن (إلوهيم) تشير إلى تعدد الآلهة، ويعتبرون أي كلام سوى ذلك تدليسًا، ويأتي بعضهم ليخفف من ذلك فيقول (إلوهيم) تعني (الإله المرشد الذي يرشده الله)!! وكلا التفسيرين أسوأ من بعضهما، وأنا لا أنظر إلى الأمر من أية ناحية دينية، ولكني أنظر إليه بالحيادية المطلقة، من الأمرين الآتيين:
الأول: وجود الكلمتين بلفظ متقارب في اللغتين (إلوهيم)، (اللهم)، والقول بأن (اللهم) تفيد التعدد قول باطل عقلًا ونقلًا، وقد أوضحنا ذلك أعلاه، وبالتالي كلمة (إلوهيم) مثلها تحتمل التعظيم والتفخيم، وكما أوضحنا أيضًا وجود هذه الخاصية في لغات أخرى مثل اللغة الفرنسية، باستخدام ضمائر الجمع في مخاطبة الجمع، وباستخدامها في مخاطبة الفرد لتعظيم مقامه.
الثاني: كلمة (إفرايم) في اللغة العبرية، هل تعني أن الذي سماه أهله باسم (إفرايم) هو عدة أشخاص؟! وماذا عن اسم (حاييم)، هل هو عدة أشخاص أيضًا؟! وإذا ما قلت (محمديم) هل يعني هذا أن الذي أناديه بهذا الاسم هو عدة أشخاص كذلك؟!
نتمنى أن نأخذ الأمور بتجرد واعٍ بعيدًا عن الانفعالات الدينية التي تنافي المنطق العقلي، فلا نتحمس لاعتبار خاصية ال(يم) العبرية تدل على التعدد فقط، كما أنها لا تدل على التعظيم فقط، ولكنها تحتمل الأمرين معًا، وفي كلمة (إلوهيم) تدل على التعظيم والتفخيم، وكذلك في كلمة (اللهم)...
والله تعالى أعلم.
المفضلات