بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قبل رمضان بأسبوع تقريبًا، حدث لي موقف حطّم كل ذرة أمل لي بأن أرى شوارعنا في يوم من الأيام نظامية. هل من المستحيل أو هل من الصعب جدًا أن نتقيد بأنظمة المرور؟ كم هي سهلة جدًا وليس متعبة. ولكن كما يقولون، "كلٍ عقله في راسه". وللأسف الرؤوس لدينا منزوع منها الخوف من الغير (النظام) + التسبب في أذية الغير (اللي ما يعرف يسوق لا يطلع الشارع) + من أي أحد تقريبًا (كل من تصدمه أو ترتكب حادثًا ضده ليس الخطأ منك، بل منه لأنه لا يجيد القيادة).
تعلم الأنظمة وتطبيقها سهل، ولكن إن كان أولياء الأمور مخالفون من الدرجة الأولى ويخالفون أمام أبنائهم وهم كثر، فكيف سيكونون بعدهم؟ وبالتأكيد أبناؤهم سيتعلمون نفس الشيء. وفي عقولهم مبدأ (خالف تُعرف) + (تحدي النظام من المرجلة وما شابه) + (لازم نعلم عيالنا يكونون رجال والخرط الزائد من هذا النوع)
ما حدث لي قد يكون سيئًا، كالعادة، لو كان من المواطنين وقد أدعو عليه وقد أوبخه بإشارات تعبيرية من وجهي لن يلقي لها أحد أي بال، ولكن المصيبة أن ما حدث لي كان طرفه الآخر ممن اُفترض ويُفترض بهم تطبيق الوعي وردع المخالفين، رجل مرور!
كنت أسير في طريق ذي مسارين ومليء بالمداخل والمخارج الجانبية على اليمين المؤدية للأحياء الداخلية. كان الوقت تقريبًا بعد منتصف الليل وكنت أسير بالسرعة المحددة وهي 80 كلم/سـ. فجأة تخرج سيارة من الجانب دون أن يلقي قائدها أدنى اهتمام لأنه داخل على طريق رئيسي وفيه سيارات مسرعة وكدت أن أصدمه لولا رحمة الله. إذا بي أرى رجل مرور في دوريته غير أبه بما حدث وبوقوفي المفاجئ والإشارة بأنوار سيارتي وضرب البوق ومتابعًا طريقه، ولولا أن أهلى ينتظرونني في الخارج لحدث أمر آخر نتيجة غضبي الشديد وقتها. ولمن يعرفني، أكثر ما أكرهه هو المخالفات المرورية وعدم التقيد بالأنظمة المرورية وغيرها ومن ثم إظهار اللامبالاة وعدم الاهتمام بما حدث.
طبعًا هذا النوع من المخالفات مجرد قطرة في بحر كبير من اللامباليين الكثر. على سبيل المثال، من يقف عند الإشارة على المسار الأيمن. هل يعلم هؤلاء أنهم قد يكونون سببًا في موت أوسوء حالة أشخاص بتعنتهم بعد مشيئة الله؟ أظنهم يعون ذلك ولكن لا يأبهون.
نهض عمر في يوم من الأيام وإذا بابنته الصغيرة قد أصيبت بتسمم شديد، وفي غلبة من نفسه وتوتره أخذها وهو يفكر في الطريق الذي سيسلكه للوصول للمستشفى في أقصر وقت في خضم الزحام والإشارات.
فكر وحصل على طريق قصير يقتضي الاتجاه يمينًا عند كل إشارة ليقف عند إشارتين فقط من خمسة. وصل الإشارة الأولى والثانية وانتظر ومر، أما الثالثة فكانت في طريق ذي ثلاث مسارات وفي كل مسارة تقف سيارتين فقط وسيارة في المسار الأيمن، ومهما حاول تنبيه السيارة التي أمامه بالبوق، إلا أن الفائدة كانت معدومة، واستمر بذلك حتى أشار له قائدها بإصبعه القذر وإذا به مراهق يبحث عن مشاكل مع أي أحد.
صبر عمر وهو ينظر لابنته المسكينة. وصل للإشارة الرابعة وإذا بها مكتظة في جميع المسارات، والأدهي أن في المسار الأيمن سيارة دورية وسطها، والأدهي والأمر أنها وبعد أن أضاءت الإشارة الخضراء اتجهت الدورية لليسار في محاولة اخرتاق لصفوف السيارات التي كانت متجهة للأمام ولم تذهب لليمين كما هو متوقع ممن يسير على ذلك المسار. والإشارة الأخيرة، وصل إليها عمر وهي فارغة واتجه يمينًا ووصل للمشفى وابنته على وشك فقدان وعيها وفي حالة خطرة. حدث هذا الأمر لي قريبًا ولكن فضلت تغيير الشخصيات
أين المرور من كل هذا؟ لم أرَ نقطة تفتيش واحدة داخل المدينة منذ بدء تطبيق ساهر. وحتى المرور السري أصبح نادرًا وإن رأيته فهو لا يعمل سوى على إيقاف المسرعين دون المخالفين الآخرين. يبدو أنهم اكتفوا من أموال الشعب ولم يعودوا يريدون المخالفات الصغيرة كحزام الأمان أو الوقوف المخالف في عدة مسارات كأن تجد طريقا ذا ثلاث مسارات ومنها مسارين أصبحا للمواقف. أين هم من الذين يقودون بسرعة 20 في طريق ذا سرعة 100-120 وهذه تعتبر مخالفة في الدول الأخرى لتعطيل السير. أين المرور من مخالفي إضاءة الأنوار فكم حادث كاد يقع لي بسبب أشخاص خرجوا من طريق جانبي وهم يسيرون على المسار الأيسر المعاكس وأنوارهم مطفئة؟ أصبح الناس يضيئون الأنوار نهارًا ويطفئونها مساءً. أهذه العقلية المتخلفة هي التي وصلنا إليها؟ لا يحق لولي الأمر إعطاء سيارة لابنه إلا وهو واثق كل الثقة بقدرتهم على تحملها، فهي ثقيلة وقيمتها حياة بشر. كل هذا على عاتق أولياء الأمور. ومن هنا كتبت ما كتبت لكم يا آباء المستقبل. فكروا بمن ستسببون لهم الأذية بتسليمكم مفتاح السيارة لأبنائكم.
يبدو أن مرورنا نسي كل المخالفات واكتفى بالسرعة. صحيح أن السرعة من أكبر أسباب الوفيات على الطرقات، ولكن المخالفات الأخرى لا تقل خطورة عن السرعة ويمكن أن تسبب موتًا نفسيًا بطيئًا لنا وللمخالفين الذي لم يعد يهمهم شيء.
نسأل الله أن يرزقنا المال الحلال ويبعدنا عن أموال الحرام، ويرزقنا حسن الخاتمة ويغفر لنا في شهره الفضيل.
إلى اللقاء
المفضلات