|| رسالةٌ إلى زوجها .. في ليلةِ زفافه || .. فديتي :")

[ شظايا أدبية ]


النتائج 1 إلى 8 من 8
  1. #1

    الصورة الرمزية [ اللــيـــث ]

    تاريخ التسجيل
    Sep 2009
    المـشـــاركــات
    4,329
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي || رسالةٌ إلى زوجها .. في ليلةِ زفافه || .. فديتي :")

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    فديتي .. لها طعمٌ خاص .. أول قصة طويلةٍ أكتبها فـ لله الحمد من قبل ومن بعد :")
    ...



    ما أن فتحتُ لها الباب حتى أجهشتْ زائرتي بالبكاء .. أُصبتُ بذعر و ذهول كادا يقطعان منّي الأنفاس ..
    ما الذّي قذف بصديقة الطفولة التي لم أرها منذ عقدين أو أكثر إلى بيتي في هذه الساعة المتأخّرة من اللّيل ؟
    و دونما استئذان أو حتى إلقاء تحية , تجاوزتْ باب الحديقة بخطى حثيثة لتدلف إلى البيت كمن يبحث عن شيء
    ما أضاعته عندي أو عن شخص تروم لقاءه في هذه الليلة الشتويّة قارسة البرد ... كتمتُ حيرتي و أطردتُ
    عنّي ذهولي و لجاجتي بهذه الزيارة الغريبة بافتعال ابتسامة ترحيب ترفع عنّي و عنها الحرج ..

    ـ مرحبا أخيتّي ... كيف حالك ؟ أي نسيم حملك إلينا ؟ تفضّلي .. تفضّلي ..

    و تستمرُّ زائرتي في حثّ خطاها إلى الداخل و كأنّها لم تنتبه إليّ و لا إلى ترحابي ..
    و يتعالى نحيبها و تتهاطل دموعها سيولا على مقلتيها و يرتفع شهيقها و تتصاعد زفراتها حرّى مدوّية
    في أرجاء سكون اللّيل البهيم حافظ الأسرار و كاتم الأخبار .. و لا يسعني إلا أن أحاول تهدئة روعها و التخفيف
    من همّها علّي أدرك كنة هذه الزيارة الهوجاء .. أجلستُها على أريكة وثيرة و جلستُ بجانبها أمسح عنها
    دموعها حينا و أربّتُ على كتفها حينا آخر دون أن أجرأ على سؤالها عمّا أتى بها إليّ وهي على تلك
    الحالة من التشنّج و الإحباط .. طلبتْ منّي كوب ماء وهي تجول بناظريها المغرورقين بدموع تلتهب حزنا
    و تعبث بخصلات شعرها المبعثر كما الهشيم في سنوات القحط و الجفاف .. حملتُ إليها طبقا به كوبا ماء
    و عصير و بعض الحلويات الشتويّة اللّذيذة فلم تلتفتْ إليّ و لا إلى طبقي و ظلّتْ تحدّق في بعض الصور
    التذكاريّة المعلّقة على جدار قاعة الاستقبال .. لم أشأ أن أقتحم عليها غيبوبتها وهي التّي بدأت عاصفتها
    تهدأ و ثورتها تخمد .. و لمّا طال بها الوقوف و ملّني الانتظار همسْتُ إليها كمن يخشى إزعاج طفل خلد للنوم بعد أن هدّه الوجع :

    - أبثينة , ما خطبك ؟ لا عاش من أبكاك ...إنّي عهدتك رابطة الجأش أبيّة لا يعرف الوهن إليك سبيلا ..
    فما الذي حدث لك أخيّتي .. أخبريني و لن أبخل عليْكِ بما أوتيتُ من... !


    قاطعتْني بتنهيدة زعزع صداها كياني و رمتْ بكلكلها على الأريكة
    المجاورة للصور و صرختْ بكلّ قواها كلبؤة غار جرحها و سئمتْ اندماله :

    أين زوجك ؟ أين هو بربّ السماء ؟ أصدقيني القول .. هل هو مسافر كعادته ؟
    لا ... لا ... لا تقولي إنّه ليس هنا الآن ...إني أريد محاسبته بحضورك محاسبة عسيرة ..
    لم يكن شهما معي أبدا ... أبدا ...


    عادت إلى النحيب مرّة أخرى دون أن أظفر ببيت هذه القصيدة النشاز و كدتُ أوقن أنّ بزائرتي
    بعض المسّ إن لم يكن الجنون ذاته .. و لكنّي تمالكتُ حتّى لا أزيد من غليانها .. و بحميّة الزوجة
    الغيورة على زوجها سألتُها بشيء من العصبيّة القاهرة :

    ما به زوجي و ما شأنك به ؟

    ردّت بحقد دفين :
    زوجك يا صديقتي الشاهد الوحيد على خراب بيتي و ضياع أسرتي .. زوجك يا ..
    .. حمدت الله على أنّه مجرد شاهد و لم يكن الفاعل ذاته دون أن أفهم ما تريد إبلاغه ..

    واصلتْ بثّ شجونها بهستيريا مروّعة :
    زوجك يا أختي كان شاهد زور و غراب بيْن لم يراع فيّ ذمّة و لا إلاّ .. خدعني .. خانني .. اللئيم ابن اللؤماء ..

    استشطتُ غضبا و صرختُ في وجهها و أنا أمسك بيدها و أوسعها ضغطا :
    يبدو أنّك جننتِ يا امرأة ... ما علاقتك بزوجي أيّتها اللئيمة ؟ هيّا أنطقي .. تكلّمي .. أفصحي ..

    كدتُ أفقد رشدي و أنهال عليها ضربا و شتما لو لم يُقرع الباب ليدخل زوجي البيت
    من لقاء مع بعض أصدقائه بالمقهى المجاورة ... و دونما تحيّة بادرتْه قائلة :
    لن أسامحك ... لن أغفر لك ذنبك ...يا من خربتَ عشّي و شرّدتَ أطفالي
    أشكوك لربّ العالمين .. أيّها الخائن اللئيم ..

    اشتعلتْ غيرتي و فار غليان مرجلي و صحتُ فيهما معا :
    ألا أفهماني هذه الألغاز قبل أن أجنّ !!
    أمسك زوجي بيدي و أجلسني و طلب منها الجلوس حتى يتسنّى لنا ثلاثتنا الفهم و الإيضاح ..
    جلستُ على مضض كمن ينتظر كارثة مدمّرة إلا إذا رحم ربّك .. ظللتُ أحوّل الطرف بينهما كمن يستجلي
    سرّا دفينا .. أحسَّ زوجي بالحرج فحاول جاهدا أن يحملها على الإفصاح و التبيان :
    ما بك يا أم سمير ؟ ما تقصيري في حقّك ؟

    أجابته متنمّرة كمن يهمّ بصفعه : ويلك أو تجرؤ بعد كلّ ما جرى ؟!!
    و أجابها بكل تؤدة و أريحيّة :
    ما الذي جرى ؟ ما مسؤوليّتي في كلّ ما حدث ؟

    أجابته و الدموع تنهمر مدرارا :

    - أو تنكر يا أخي أحمد أنّك أسهمت في دماري و أبنائي بتستّرك على صديقك
    زوجي و بصمتك على خيانته و فسقه .. أما علمتَ أنّ كاتم الحقّ شيطان أخرس ؟!
    -
    لا أنكر أنّ زوجك من خيرة أصدقائي و أقربهم إليّ .لكنّ حياته الشخصيّة ملك له وحده دون سواه يا سيّدتي !
    - عجيب أمرك يا أخي .. كيف ترى صديقك الحميم يغرق و لا تنتشله ؟
    و إن عجزتَ فلمَ لمْ تخبرني بنزوته و بكبوته ؟!
    -
    حياتكما لا تهمّ إلا كليكما ، أنت تعتبرينه يغرق ، و هو يعتبر نفسه قد عثر على طوق النجاة من الهلاك !
    - أأ أنا الهلاك إذن وهي النجاة ؟؟؟ شكرا لك سيّدي على طفرة إذلالي .. ألف شكر ...
    العيب فيمن طرق بابك و أنت الشريك في الجريمة ..
    -
    عن أي جريمة تتحدّثين ؟ و ما علاقة زوجي بكلّ ما تزعمين ؟ أبيني من فضلك
    - صديقتي .. لا أصدّق أنّك على غير علم بما حدث لي .. الزوجة وحدها الوحيدة آخر من تعلم ..
    و ها أنّي علمتُ : لقد تزوّج زوجي خليلة في سن بناته ..

    أجهشتْ مرّة أخرى ببكاء علقم .. ابتلعتْ دموعها كمن تطفئ حريقا شّب بكلّ روحها ..
    تمالكتْ على نفسها و أردفتْ :

    - الليلة زفافه و زوجك هو الشاهد على هذا الزواج .. لا بارك الله فيكم جميعا ..
    يا من خذلتموني و خذلتم أبنائي .. ذنوبكم تحملونها أوزارا إلى يوم الدين ..
    لن أغفر لكم جريرتكم ... لن أغفر لكم ..

    نظرُتُ إلى زوجي و قد أحرجتْه كلماتها الناريّة و ما استطعتُ أن أنبس ببنت شفة ..
    طوّح بي خيالي الشارد بعيدا بعيدا .. ترى لمَ استبدلها زوجها بأخرى وهي الفاتنة ذات الدين
    والنسب و الحسب و الذي يشهد لها بهذا القاصي و الداني من أهل المدينة ؟!
    و كأنّي بها أحسّت بما يخامرني فأردفتْ كمن يزيح عن نفسه قحط سنوات عجاف من عمرها :

    إيييييييه أبناء آدم أصناف ..
    منهم الرجال و هم ندرة نادرة و منهم أشباه الرجال و هم كثر و لا يدرك كنههم إلا الخبير
    بأحوالهم المتقلّبة و منهم اللارجال و أشباه رباّت الحجال و يا ويل من يقع في شراكهم ..

    قلت :
    ألا أفصحي يا أخيّتي
    ردّت بملل هو الإعياء و الغثيان : لا حديث لي اليوم عن الرجال .. كرهتُهم .. كرهتهم ..
    كلّهم لا خير فيهم .. الحياة ليست رجلا .. بؤرة الفناء و الدّمار هم ..

    أيقنتُ أنّها قد استسلمتْ إلى غيبوبة القهر و الإحساس بالضّيم و الاضطهاد العاطفيّ ..
    فلم أعارضها حتى لا أصبّ الملح على جرحها الغائر .. صمتُّ صمتا رهيبا قاهرا و أنا أجلد نفسي :
    من أيّ صنف أنت يا رجلا أحببتُه و آثرتُه على نفسي ؟أتستحقّ أن تكون حياتي ...كلَّ حياتي ؟

    أنقذتني من تأملاتي وهي تلوح بظرف سميك إلى زوجي راجية منه أن يبلغه زوجها ذات الليلة ..
    ليلة زفافه الثاني .. و لماّ أنكرْنا عليها رغبتها الجامحة استجْدتْنا و همّتْ
    بتقبلي مؤكّدة أنّها آخر رغبة ملحّة لها مع الرجال و مع هذا الجبان على حد قولها ..

    كان الظرف مغلقا بعناية فائقة و منتفخا بما حوى .. و فجأة مزّقت الغلاف كمن يقطع أوصاله
    و يودع آخر وشائج العشرة التي حلمتْ بأن تستمرّ العمر كلَّه و طفقتْ تقرأ علينا ما دبّجته
    روحها المكلومة في عتمة الخيانة الزوجية في لحظة سهو من عمرها ..
    بلا توقف أو انتباه إلى وجودنا أو إلى وجودها بيننا في هذه الساعة
    المتأخّرة من تلك الليلة الشتويّة الباردة .. كنتَ تخالها قد استحالتْ إلى صنم لا روح فيه و لا لون و لا عطر
    ...

    زوجي العزيز , أيّها الجبان التعيس :

    أخاطبك , ليلة زفافك , أيّها الجبان , حتّى أنغّص عليك احتفاءك بأحدث غزواتك التي أعتقدُ
    جازمة أنّها لن تكون الأخيرة , أيّها اللّئيم المراوغ , لأنّي أعلم يقينا أنّ من سقط مرّة يسهل
    تدحرجه مرارا , و ما أكثر سقطاتك و تمرّغك في الوحل .

    أنا الليلة , لستُ بغاضبة و لستُ حزينة على رحيلك , كما قد يتبادر إلى ذهنك و ذهن غيرك
    بل أنا أتشظّى ذرّات , حتّى أخال نفسي الوجع كلّه أو بعض غبار السنوات الخوالي ..
    بدءا , أشكرك جزيل الشكر , إذ برحيلك يتوقّف مسلسل الدّمار الشامل في ذاتي و أشيح
    بوجهي عن الأحلام المستحيلة التي ما انفكّتْ تطاردني و تقضّ مضجعي و أضع حدّا صارما
    لجنوني الذي كنتُ أعالج به ضجري و خيبة أملي و أبدأ في تشييد واقع أقلّ مرارة و أجدى
    لي من الأوهام التّي ما برحتَ تزرعها في حدائق روحي الظامئة إلى ربيع لا يأتي أبدا ..

    أشكرك كلّ الشكر , لأنّك أتحتَ لي فرصة التخلّص نهائيّا من أعاصير تلك السنين العجاف
    الباردة الرتيبة المملّة , دونما عناء كبير , فقد خلقتُ أليفة , وفيّة , صفيّة السريرة ,
    عصيّة على الغدر و الخيانة , مهما أمعنتَ في قهري و إذلالي , خلاف ما درجتَ عليه و احترفتَ ..
    لم يكن ضجري من الحياة التي وجدتُ نفسي سجينتها و لا مفرّ لي منها إلّا ليقوّي جهاز مناعتي
    الذّي قرّرتُ أن يكون الأقوى القاهر للهزيمة , الباعث للأمل من رماد برودك و لامبالاتك القاتلة ..
    كنتُ عنقاء بألف روح في جسد منهك يشتاق دوما إلى حضن دافئ و لمسة حنون تعيد له نبضه
    و كلمة لطيفة عذبة تزيح عنه إعياءه و نظرة ناعمة تنفخ فيه أنسام الربيع فيشدو بأعذب لحن
    و يرقص طربا و حبورا .. ما كنتَ لي غير جلّاد محترف يؤدّي " رسالته " في صمت مريب و ما كنتُ
    لأرضى بأن أئنّ تحت وطأة سياطك , كما تفعل معظم النّساء , عادة , اعترافا بأنّهنّ ضحايا
    العنف الذكوريّ المستشري بيننا .. أعْجزَك َصبري و انتظاري و قد أيقنتَ أنّني سليلة أيّوب الذّي
    أضجر الصبرَ وهزمه , بيد أنّك ما كنت قادرا على أن تكون زوجا سويّا يخشى اللهَ فيّ
    فأمعنت في تعذيبيي و تدمير حصوني على مناعتها , طيلة هذه السنين
    فما تعبتَ و ما ندمتَ و ما اعتذرتَ بل كنتَ تراهن على طيبتي ,بل قل غبائي

    أنا يا زوجي العزيز , ما كنتُ يوما غبيّة , غير أنّي لطيبتي كنتُ دوما أختلق لك الأعذار و أتّهم
    نفسي مرارا و تكرارا , حتّى تستمرّ الحياة بيننا , من أجل أطفال زغب الحواصل , لا ذنب لهم
    في خلافاتنا و خصوماتنا التّي ما عدنا نستغني عنها إلّا لماما , بل كأنّي بالحياة لا تستقيم
    بيننا بدونها و إن لم تكن وفيّا إلّا لنفسك بكلّ أنانيتها و غرورها و نرجسيتها و شططها ..
    لم تكن تفكّر إلّا في ذاتك و إرضاء نزواتك على اختلافها فكثرتْ أسفارك و رحلاتك و غيباتك
    و تعدّدت " علاقاتك "و تشابكت و اختفى البيت و أهل البيت من شبكة تطلّعاتك
    بل أصبح مصدر إزعاج لأنّه يذكّركَ ببعض مسؤولياتك و واجباتك و التزاماتك التّي تتملّص
    منها و أنت َ الطائر المجنّح هنا و هنالك ..
    صابرة أنتظرُ , غاضبة أنتظرُ , صامتة أنتظر , ثائرة أنتظرُ ..
    ما كان لي أن أعلنَ الإنفصال عنكَ , وهو حاصلٌ ضمنيّا واقعا و ممارسة
    و ما كان لي أن أُعلنَ ثورتي للملإ , وهي تنخرني كالبركان صدّه الصخر ..

    عالجتُ جفوتكَ و هجرانكَ و هروبك و تنطّعك و علاقاتك المريبة بــ "بنات الحلال "
    بصمت أعتى من الموت يسري في كلّ خلاياي .. ما كان لي أن أصرخ فأدمّر
    " جنّتي الزائفة " بل ما كان لي حتّى أن أئنّ فأعلن هزيمتي السافرة
    ما كان لي أن أشكوَ وجعي يدكّ كياني دكّا , ما كان لي أن أرحمَ نفسي فأرحل عنكَ
    و قد هجرتَ و نأيتَ .. كنتُ مكبّلة , محبطةً, مقهورة , نادمة .. كنتُ أقاوم ذلّا و مهانة لم أتعوّدهما ..
    كنتُ أعاني صفاقة و قلّة معروف في الحضور و الغياب ..
    و كنتُ رغم كلّ ذلك صابرة أنتظرُ , لأنّهم علّموني أنّ الصبر مفتاح الفرج ؟!

    و طال انتظاري غير أنّي ما زلت أنتظر ... ترى ما أنا منتظرته منك ؟!
    يا لَجنوني و يا لَغبائي .. كم من مرّة قرّرت أن أكون عاقلة و أن أسترجع صوابي المفقود
    طيلة هذه السنوات الموات .. كم من مرّة قرّرت أن أجابه الواقع على مرارته بما هو علقم
    فما عاد الانتظار يغريني بالنجاة و الأمان , لأنّه فقد جدواه .. لقد انتظرتُك طويلا
    طويلا أيا زوجي العزيز , حتّى ملّني الانتظار و لفظني الأمل في صلاحك و استقامة حالك ..
    لم تزددْ إلّا إمعانا في الهروب و الهجر و اللّامبالاة , فلم أجدك إلى جانبي في الصحّة و المرض
    و لا في الراحة و النصب بل كنتَ غائبا ليلا نهارا و إن حضرتَ .. كنتَ بالنّهار غارقا في عملك
    و علاقاتك و هاتفك و دفاترك التي لا تنتهي , و كنتَ باللّيل سابحا في أحلامك
    بعيدا عن عالمي و لا يصلني منك إلّا شخيرك المزعج المستفزّ ...

    هذا الجسد المسجّى , جسدي تعب من الانتظار و قتله الشوق إلى دفء الأحضان ..
    تخشّب حينا و تكلّس و ثار أحيانا ثورة لا تتعدّى شراييني و أوردتي , لترتدّ إلى تجاويف صدري
    تلك الأرض البلقع بلا حبّ و لا صدى عشق .. هذا القلب منّي قد أرهقه الانتظار و أبلاه
    الشوق إلى همسة حبّ تدغدغ منه الأوتار و تردّ له الاعتبار .. و هذه الرّوح قد تاهت بين ظلمك
    و ظلماتك و أضناها الانتظار دون أن أحسم أمري و قد ناشدتني الاستقرار باتّخاذ القرار ..
    و هذا البيت , كم كرهتُ وحشته , فكلّ ركن منه يدفع بي إلى ركن و أنا كطائر ذبيح لا أرى إلّا دمارا
    و أشلاء ذكريات باهتة شاحبة تسكن الجدران و تحدّث بما لم تورده سجلّات الأخبار ..
    شكرا أيّها الزوج الحبيب على ما حبوتني به من نعم الجفاء و سراب المنى حتّى أضحيتَ
    ليلا بلا فجر و غروبا يعانق السّماء ...

    شكرا يا رفيق دربي , بلا درب .. لأنّك أوقفتَ أساطيل زحفك على ما تبقّى منخضر أيّامي
    و يابس عمري .. شكرا لك و قد أتحتَ لي فرصة أن أرى العالم , لا من خلال عينيك بل بناظريّ ..
    إنّه سيكون , بدون أدنى شكّ أبهى و أسنى و أجلى , لا سيّما أنّي مصمّمة كما لم أصمّم
    أبدا على إعادة ترتيب حياتي التي بعثرتَها و نثرتَها شذر مذر , دون خشية أو مواربة ..


    لن تحرقني نار الغيرة من عروسك ابنة السادس و العشرين ربيعا بل إنّي لأرثي لحالك و حالها
    فغدا تصلني أخبار " شهريار " الذي لم يطل به شبقُه حتّى مع من كانت في سنّ بناته ..
    غدا ترميها و ترميك كما تُرمى الجثثُ النتنة .. إنّي لأرى قطارك يمعن في الإلتواء و الإنزواء
    كما عهدتُك , فطوبى لها بك و طوبى لك بها و بالرّفاه و البنين , يا زوجي العزيز ..
    و لا تنسَ أبدا أنّ الخائن لا بدّ من أن يُخانَ و إن طال به الأمد و إنّي لأراك ترد حوضَ الكأس
    التي سقيتَني, فهنيئا مريئا و ستصلكَ منّي بطاقة تهنئة و باقة زهور عطرة في الإبّان ..
    لن أنسى طعم كأسك و لا رائحتها ما حييتُ و قد علّمتْني تجربتي المريرة معكَ أنّ الحياة
    ليست رجلاً لأنّ الرّجالَ قليلُ و أنّها ليست حبّا لأنّه وهم من صنع خيال الحالمين الطيّبين أمثالي ..

    عذرا أيا زوجي العزيز , اسمح لي قبل أن ألفظ أنفاسي الأخيرة و أرحل عنك إلى الأبد
    و أودّعك الوداع الأخير , بلا دموع و لا لهفة و لا أمل في اللّقاء .. أن أعترف لك بأنّي قد أحببتُك
    كما لم تعشق امرأة " رجلا " أبدا , و لعلّ هذا ما يشفع لنفسي كلّ التنازلات التّي قدّمتُها
    من أجل أن تستمرّ الحياة بيننا بأسمى مقوّمات الحياة بين زوجين تعاهدا ذات يوم ربيعيّ
    من شهر مارس على طيب المعشر و زلال الوفاء .. غير أنّك , بكلّ أسف , لم تكن عند عهدك
    فأجحفتَ في ظلمي و إذلالي و إهمالي حتّى ما عدتُ أجد فيك غير غريب لا أطمئنّ إليه و جلّاد
    عبقريّ يتقن كلّ فنون الجلد و لا أستكين إليه و عابر سبيل , لا يتوقّف بالبيت إلّا للأكل ..

    عذرا إن ضقتَ بي ذرعا , هذه الليلة , ليلة زفافك , أيّها العريس السعيد بإنجاز ما عجزتُ أنا عنه ..
    لن أثقل كاهلك أكثر , فيكفيه ثقل أوزارك .. حسبي أن أقولَ لكَ ,حتّى لا يختلط الأمرُ عليكَ :
    لا تفتعل الغضب و لا تمثّل دور الضحيّة و لا ترتدِ جلباب الرّجولة و الفحولة و انزع عنك قناع المسالم
    المتصالح مع ذاته و الآخرين .. اُنظر إلى نفسك مليّا في مرآة غيرك ...بادر بتكسير مرآتك
    فقد صدئتْ و ما عادت تعكس حقبقة ذاتك , تمعّن جيّدا في وجهك , لا شكّ أنّك نسيت
    قسماتك و لون ذاتك ..أصغ مليّا إلى روحك ( إن بقيت لك روح ) لتدرك أنّك الظالم لنفسك
    و لغيرك و أنّك الجاني لا الضحيّة و أنّك المكبِّل المستبدّ الآثم .. لذلك و لغيره اسمعني جيّدا
    لأقولها لك على مرأى و مسمع الملإ : بئس الزوج أنتَ , لأنّك لم تكن أبدا في مستوى انتظاري
    و لم تشاركني حياتي في سرّائي و ضرّائي , بل كنتَ أنانيّا نرجسيّا لم ترَ سوى ذاتك و لم تعمل
    إلّا على صقلها و تلميعها و إدخال السرور عليها , دون قيد أو شرط أو مراعاة أخلاقيات الزواج و أعراف
    الشراكة و المعاشرة .. أجهدْ نفسك قليلا و تذكّر جيّدا حصيلة حضورك الفعليّ بالبيت و إسهامك
    في تشييد صروحه البشريّة ..



    مَـنْ يَـشتري الحبَّ مِن أعْـطـافِ سَاقِيْهِ
    لا يَـــرْتَــوي أبَــــدًا، مَــــنْ ذَا سَــيَـرْويْـهِ!

    قُـولُـوا لِـمَـنْ أُسِــرَتْ بِـالـحُسْنِ مُـهْجَتُهُ

    إنَّ الــــوِصـــالَ دَواءٌ لـــيْـــسَ يَــشْـفـيْـهِ

    الـــدَّاءُ سَــهْـمٌ أصـــابَ الـقـلـبَ حـامِـلُـهُ

    عَـلـيْـكَ بـالـشِّـعرِ عَـــلَّ الــحَـرْفَ يَـرْقـيْـهِ

    إنَّ الــــحُـــروفَ دَواءٌ يُــسْــتَــطَـبُّ بِـــــهِ

    يَـشْفيْكَ ضَـوعُ الـشذا إنْ شِـئْتَ تُـلْقـيْهِ

    فـــاقْــرَأ بِـفـاتِـحَـةِ الأَشْــعــارِ مُـشْـتَـمِـلًا

    بُـــرْدَ الأمــيْـرِ وحَــلِّـقْ فــي فَـضـا الـتـيْهِ

    يَـكـفـيْـكَ مـــن صَـــدِّهِ مــا بِـــتَّ تَـحْمِـلُهُ

    الـقَـلبُ يُـخْـفي الـهـوى والـعَـيْـنُ تُـبْـديْهِ

    يَـكفيْكَ من بَسْمَةِ المَحْبـوبِ بَـعْـضُ سَنًا

    إذا أتـــــــاكَ قُــبَــيْــلَ الــفَــجْــرِ يُـطـريْــهِ

    وأسْـــــرَجَ الــقَــلـبُ لـــلأحــلامِ راحِـلَــةً

    والشَوقُ يَقْضي بِـجَـنْيِ الشَهْـدِ من فيْهِ

    ومــــا لِــنـيْـلِ الــمُـنـى دَرْبٌ فَـيَـسْـلُـكُهُ

    كـــلُّ الـــدُروبِ عـــنِ الأحـبـابِ تُـقْـصـيْهِ

    تَـمْضي الليـالي على الولـهان مُشْعِـلَـةً

    ضِـــرامَ شَـــوْقٍ مُـقـيْـمٍ تَـصْـطَـلي فِـيْـهِ

    فـــلا تُـعـاتِـبْ حَـبـيْـبًا ذابَ مـــن شَجَـنٍ

    إنَّ الـــعـــتــابَ وأيْــــــــمُ اللهِ يُــشْــقيْـهِ

    واسْـكُـبْ نَــداكَ عـلـى حَــرْفٍ لِـتَـأسِرَهُ

    واصْــبِـرْ عــلـى الـبُـعْـدِ وادْعُ اللهَ يَـهْـديْهِ




    كانت بثينة تتلو علينا الرسالة , بكلّ جوارحها , دون أن تتوقّف أو تنظر إلينا
    حتّى كدتُ أرى بيتي و قد تحوّل إلى أشهر مسارح أثينا , حيث تعرض الأعمال الدراميّة
    أمام جماهير المدينة الحاشدة .. كنّا نُنصتُ إليها بكلّ انتباه و دونما حراك و كأنّ على هامتينا
    طير أبابيل أو كمن عقد لسانينا فصرنا أعيا من باقل

    و كانت بثينة تتوغّل في القراءة , بكلّ حماس , كمن يضع عنه حملا ثقيلا أو كمن يهربُ من كابوس مريع ..
    و ما أن أنهت قراءة الرسالة حتّى طوتها , بكلّ عناية و أدلفتها الظرف و سلّمتها زوجي وهي تردّد :

    اللّيلةَ , اللّيلةَ , اللّيلة َ..

    و بثبات , غادرتنا , منتصبة القامة , مرفوعة الهامة , لا تلوي على شيء , كما العاصفة ..
    و أنا أرافقها إلى الباب الخارجيّ تراءت لي غمامة دمع تنتظر البرق و الرّياح العاتية .

    ( النهاية )


    التعديل الأخير تم بواسطة [ اللــيـــث ] ; 29-10-2014 الساعة 12:55 PM

  2. #2

    الصورة الرمزية [ اللــيـــث ]

    تاريخ التسجيل
    Sep 2009
    المـشـــاركــات
    4,329
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: || رسالةٌ إلى زوجها .. في ليلةِ زفافه || .. فديتي :")

    ^ للرفع رفع الله مقامكم :")

  3. #3

    الصورة الرمزية أثير الفكر

    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المـشـــاركــات
    5,262
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: || رسالةٌ إلى زوجها .. في ليلةِ زفافه || .. فديتي :")

    ربااااااه

    سلام الله عليك أي خليفة المنفلوطي بعبراته

    لي عودة لهذا الجمال بحول الله وقوته

    لا أرى الله قلمك عثرة يا سيد الحرف

  4. #4

    الصورة الرمزية Hercule Poirot

    تاريخ التسجيل
    Oct 2006
    المـشـــاركــات
    3,514
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: || رسالةٌ إلى زوجها .. في ليلةِ زفافه || .. فديتي :")

    من مواهب الليث الخفية بعد أن كان يُسكت جوعنا بالقصص القصيرة جدًا من قبل.

    لي عودة لاحقًا إن شاء الله.


  5. #5

    الصورة الرمزية تشيزوكو

    تاريخ التسجيل
    Aug 2010
    المـشـــاركــات
    4,317
    الــــدولــــــــة
    مغترب
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: || رسالةٌ إلى زوجها .. في ليلةِ زفافه || .. فديتي :")

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..

    رائعة ما شاء الله!

    حكاية مناصرة للمرأة ^^

    مدخل القصة غامض ومشوق..

    تفاصيل العبارات واللغة الأدبية رائعة جدا..

    زادك الله من فضله..

  6. #6

    الصورة الرمزية Hercule Poirot

    تاريخ التسجيل
    Oct 2006
    المـشـــاركــات
    3,514
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: || رسالةٌ إلى زوجها .. في ليلةِ زفافه || .. فديتي :")

    عدنا...

    لا أقول إلا "وفقك الله ووفق قلمك". أسلوب وصفي منقطع النظير، وبلاغة رائقة. عبّرت عن القضية وكأنك تحس بما أحسّت به المظلومة فيها. وكالعادة، لم تستطع حرماننا من بحور شعرك بالمعاني الفواحة والأوزان البراقة، فبارك الله فيك.

    لي مأخذ صغير على القصة، وهي أنك صوّرت الزوجة المنكودة في أول القصة وآخرها ثائرة مهتاجة تبدو كمن يُصاب بنوبة هيستيريا في أي لحظة، لكن مع ذلك كلامها في رسالتها يبدو ثابتًا صابر الفؤاد محتسبه. أحسستُ بتناقض بين الأمرين.

    دمتَ بحفظ الله



  7. #7

    الصورة الرمزية Jomoon

    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    المـشـــاركــات
    5,627
    الــــدولــــــــة
    لا يوجد
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    Pen Icon رد: || رسالةٌ إلى زوجها .. في ليلةِ زفافه || .. فديتي :")

    وعليكمـ السلامـ ورحمة الله وبركاته~

    جميل ما شاء الله
    أخذتنا بعيداً
    حيث القسوة والجفاء
    كانت صابرة وكان جباناً
    حالمة وهو غريقاً
    بل هي الغريقة في وهم الأنتظار
    ليتها لم تصبر
    مع أن صبرها شامخاً كالجبال
    لا يعيب الجبل ضخامته
    بل يعيب من هم أشباه الرجال

    شكراً مداداً لقلمك السحري
    ربي يوفقك لكل خير,
    طابت أيامنا بدون الرجال

  8. #8

    الصورة الرمزية [ اللــيـــث ]

    تاريخ التسجيل
    Sep 2009
    المـشـــاركــات
    4,329
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: || رسالةٌ إلى زوجها .. في ليلةِ زفافه || .. فديتي :")

    حياكم الله مجدداً أحبتي وفقكم الله وأنار دربكم
    ولي عودة للتعقيب بعون الله

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...