التلوث البيئي بالمعاصي والذنوب

[ منتدى نور على نور ]


النتائج 1 إلى 5 من 5
  1. #1

    الصورة الرمزية الصوت الحر

    تاريخ التسجيل
    Dec 2006
    المـشـــاركــات
    434
    الــــدولــــــــة
    مصر
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    Exclamation التلوث البيئي بالمعاصي والذنوب

    التلوث البيئي بالمعاصي والذنوب

    بقلم: الشيخ حجازي إبراهيم

    كلمة البيئة تُستخدم للدلالة على المحيط الذي يتصل بالحياة من حيث النظافة والنقاء، وقد أنشئت الجمعيات وتعالت الأصوات التي تدعو إلى مكافحة التلوث الناجم عن المصانع وعادم السيارات ومحاربة النفايات، والمحافظة على البيئة الطبيعية كما خلقها الله، كما أنها تسعى للمحافظة على الحيوان وعدم الاعتداء عليه، وتعمل على زيادة الرقعة الخضراء في الأرض... وغير ذلك.

    لكن التلوث البيئي بالذنوب والمعاصي نوع من التلوث- ومع شدة خطره- لا يتحدث عنه أحد ممن يهتمون بالحديث عن البيئة وتلوثها، وذلك راجع لأمرين:

    1- إما لأنهم لا أثر للعقيدة في حياتهم أو لا عقيدة لهم، وغالب هؤلاء من غير المسلمين، أو مسلمون ينقلون عن غيرهم دون أن يعرضوه على دينهم، أو لأنهم يحسبون أن الإسلام كغيره من الأديان لا صلة له بمثل هذه القضايا.

    2- الطغيان المادي الذي أحاط بالإنسان من كل جانب، وأغرقه في سيل من الترف والشهوات المادية التي لا تغذي فيه سوى الجانب المادي.


    أما الجانب الإنساني الآخر وهو الجانب الروحي، والذي به يكرم الإنسان ويفضل، فلم يعد له مكان لدى صرعى المادة والشهوات.

    أما المؤمنون فإنهم يتناولون كل ما ينزل بهم في ظل ما لديهم من نصوص دينهم، يقينًا منهم أنها من عند الله خالق السماوات والأرض والإنسان والحيوان، وسائر الدواب، وأن كل نواميس الكون هو الخالق لها، وقادر على إبطالها أو تغييرها.

    ومن نواميس الكون أن الطاعة لله، مرضاة للرب، مجلبة للرزق، وفي المقابل فإن المعصية مسخطة لله، منزلة لنقمته وغضبه، وفي نصوص القرآن الحجة القاطعة، قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)﴾ (الأعراف).

    يقول ابن كثير: لو آمنت قلوبهم بما جاء به الرسل وصدقت به واتبعوه واتقوه بفعل الطاعات وترك المحرمات، لأنزل الله عليهم قطر السماء، وأخرج لهم نبات الأرض، ولكن كذبوا رسلهم فعاقبناهم بالهلاك على ما كسبوا من المآثم والمحارم (1).

    التلازم بين المعصية وفساد البيئة

    قد يحسب البعض للوهلة الأولى أنه لا صلة بين ما يقع الآن في الكرة الأرضية من خلل في عناصر البيئة وما يقع من بني آدم من كفر وإيمان أو طاعة وعصيان، ولكن المؤمن الصادق الإيمان يعلم علم اليقين أن بينهما تلازمًا لا ينفك كتلازم السبب للمسبب، وفي ذلك يقول الإمام ابن قيم الجوزية:

    فاعلم: أن الله سبحانه أتقن كل شيء صنعه، وأحسن كل شيء خلقه، فهو عند مبدأ خلقه بريء من الآفات والعلل، تام المنفعة لما هيئ وخلق له، وإنما تعرض له الآفات بعد ذلك بأمور أخر من مجاورَة، أو امتزاج واختلاط، أو أسباب أخر تقتضي فساده، فلو ترك على خلقته الأصلية من غير تعلق أسباب الفساد به، لم يفسد.

    ومن له معرفة بأحوال العلم ومبدئه يعرف أن جميع الفساد في جوه ونباته وحيوانه وأحوال أهله حادث بعد خلقه بأسباب اقتضت حدوثه ولم تزل أعمال بني آدم ومخالفتهم للرسل تحدث لهم من الفساد العام والخاص ما يجلب عليهم من الآلام والأمراض، والأسقام والطواعين، والقحوط، والجدوب، وسلب بركات الأرض، وثمارها، ونباتها وسلب منافعها، أو نقصانها أمورًا متتابعةً يتلو بعضها بعضًا، فإن لم يتسع علمك لهذا فاكتفِ بقوله تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾ (الروم: من الآية 41) وأنزل هذه الآية على أحوال العالم، وطابق بين الواقع وبينها، وأنت ترى كيف تحدث الآفات والعلل كل وقت في الثمار والزرع والحيوان، وكيف يحدث من تلك الآفات آفات أخر متلازمة، بعضها آخذ برقاب بعض، وكلما أحدث الناس ظلمًا وفجورًا أحدث لهم ربهم تبارك وتعالى من الآفات والعلل في أغذيتهم وفواكههم وأهويتهم ومياههم وأبدانهم وخلقهم وصورهم وأشكالهم وأخلاقهم من النقص والآفات ما موجب أعمالهم وظلمهم وفجورهم.

    ولقد كانت الحبوب من الحنطة وغيرها أكبر مما هي اليوم، كما كانت البركة فيها أعظم، فعن أبي قحدم قال: "وجد في زمن زياد أو ابن زياد حفرة فيها حب أمثال الثوم عليه مكتوب هذا نبت في زمان كان يعمل فيه بالعدل" (2).

    وأكثر هذه الأمراض والآفات العامة بقية عذاب عذبت به الأمم السالفة، ثم بقيت منها بقية مرصدة لمن بقيت عليه بقية من أعمالهم حكمًا وقسطًا، وقضاءً وعدلاً وقد أشار النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى هذا بقوله في الطاعون: "إنه بقية رجز أو عذاب أرسل على بني إسرائيل" (3).

    وكذلك سلط الله سبحانه وتعالى الريح على قوم سبعَ ليالٍ وثمانية أيام، ثم أبقى في العالم منها بقية تلك الأيام، وفي نظيرها عظة وعبرة.

    وقد جعل الله سبحانه أعمال البر والفاجر مقتضيات لآثارها في هذا العالم اقتضاء لا بد منه، فجعل منع الإحسان والزكاة والصدقة سببًا لمنع الغيث من السماء والقحط والجدب وجعل ظلم المساكين، والبخس في المكاييل والموازين، وتعدي القوي على الضعيف سببًا لجور الملوك والولاة الذين لا يرحمون إن استرحموا، ولا يعطفون إن استعطفوا وهم في الحقيقة أعمال الرعايا ظهرت في صورة ولاتهم، فإن الله سبحانه بحكمته وعدله يظهر للناس أعمالهم في قوالب وصور تناسبها، فتارة بقحط وجدب، وتارة بعدو، وتارة بولاة جائرين، وتارة بأمراض عامة، وتارة بهموم وآلام وغموم تحضرها نفوسهم لا ينفكون عنها، وتارة بمنع بركات السماء والأرض عنهم، وتارة بتسليط الشياطين عليهم تؤزهم إلى أسباب العذاب أزًّا، لتحق عليهم الكلمة، وليصير كل منهم إلى ما خلق له، والعاقل يُسَيِّر بصيرتَه بين أقطار العالم، فيشاهده وينظر مواقع عدل الله وحكمته، وحينئذ يتبين له أن الرسل وأتباعهم خاصة على سبيل النجاة، وسائر الخلق على سبيل الهلاك سائرون، وإلى دار البوار سائرون، والله بالغ أمره، لا معقب لحكمه، ولا راد لأمره (4).

    تصور لكيفية منع الذنوب للمطر

    ولكن كيف تمنع الذنوب المطر عن سكان الأرض؟

    إن السبب الرئيسي في منع المطر عنا هو منع الزكاة، وذلك عند التعرض لقول الرسول- صلى الله عليه وسلم-: "ولم يمنعوا زكاة أمولهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا"(5).

    هذا هو الذنب الأعظم، ويضاف إليه ذنوب أخرى للعباد وجرائم للبشر التي تملأ الفضاء وتكاد أن تحجب عنا الضوء بعدما منعت عنا الماء.. وعلى رأس هذه الذنوب أيضًا القعود عن الجهاد لإعلاء راية الإسلام خفاقة على العالمين..

    فعن نجدة بن نفيع قال: سألت ابن عباس عن هذه الآية: ﴿إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ (التوبة: من الآية 39). قال: أمسك عنهم المطر، وكان عذابهم(6).

    وأما كيف أن الذنوب تمنع ماء السماء فذلك لأن الذنوب تصير أجرامًا غير مرئية، تسد الأفق، فلا يرتفع الدعاء من الأرض إلى السماء، كما تتراكم هذه الأجرام الناتجة عن الذنوب تتجمع لتكون سلاسل من الجبال الضخمة خلف أبواب السماء، فتحول بين العباد وبين رحمات الله فلا تتنزل عليهم: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57)﴾ (الأعراف).

    وأما أن المعاصي والذنوب تقف حجر عثرة في طريق الدعاء ومطر السماء، فإن هذا من فقه السلف الصالح- رضوان الله عليهم- حيث قال بعضهم: لا تستبطئ الإجابة وقد سددت طرقها بالمعاصي.

    وأخذ هذا المعنى بعض الشعراء فقال:

    نحن ندعو الإله في كل كرب *** ثم ننساه عند كشف الكروب

    كيف نرجو إجابة لدعاء *** قد سددنا طريقها بالذنوب (7)


    ويقول ابن قدامة: وإذا عزم الإمام على الخروج استحب أن يعد الناس يومًا يخرجون فيه ويأمرهم بالتوبة من المعاصي والخروج من المظالم والصيام والصدقة وترك التشاحن؛ ليكون أقرب لإجابتهم فإن المعاصي سبب الجدب، والطاعة تكون سببًا للبركات، قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)﴾ (الأعراف)..

    ويقول الإمام الشافعي: وأولى ما يتقربون به إلى الله أداء ما يلزمهم من مظلمة في دم أو مال أو عرض، ثم صلح المشاجر والمهاجر، ثم يتطوعون بصدقة وصلاة وذكر وغيره من البر، واستحب كلما أراد الإمام العودة إلى الاستسقاء أن يأمر الناس أن يصوموا قبل عودته إليه ثلاثًا (8).

    وعن مجاهد في قوله تعالى: ﴿وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ﴾ (البقرة: من الآية 159). قال: إن البهائم إذا اشتدت عليهم السنة قالت: هذا من أجل عصاة بني آدم، لعن الله عصاة بني آدم، وعنه أيضًا قال: إذا أجدبت البهائم دعت على فجار بني آدم، فقالت: يُحبس عنا الغيث بذنوبهم، وعن عكرمة قال: يلعنهم كل شيء حتى الخنافس والعقارب، يقولون: منعنا القطر بذنوب بني آدم (9).

    درجات التلوث البيئي

    التلوث المادي الذي يصيب البيئة يتفاوت في درجاته، ويتباين في مخاطره تبعًا لدرجة حجم ونوعية النفايات التي تطرح في البيئة، كما أن التلوث في غالبه لا وطن له، وإنما دخل في نطاق العولمة دون إرادة من أحد، لأن طبيعته لا توقفها الحواجز الجغرافية ولا تعجزه طول المسافات، فأوساطه التي يسري فيها كالهشيم لا سيطرة لأحد عليها. وإلا فمن ذا الذي يمسك الهواء عن أن ينتقل من قطر إلى قطر أو يمسك ماء البحار والمحيطات عن أن يسري من بلد إلى بلد، وهل يستطيع الإنسان الذي أقام سدودًا على الأنهار أن يقيم سدودًا للهواء في الفضاء أو للماء في البحار والمحيطات.

    درجات التلوث البيئي المادي

    ويمكن أن تقسم درجات التلوث البيئي المادي إلى ثلاثة مستويات متباينة؛ هي:

    1- التلوث المقبول:

    وهو درجة محدودة من درجات التلوث لا يصاحبها- عادة- أي أخطار واضحة تمس مظاهر الحياة وغيرها على سطح الأرض، ومن ثم فهي درجة لا تتعدى كونها ظاهرةً بيئيةً وليست مشكلةً وتعتبر عند هذا الحد درجة معقولة من التلوث.

    وهذه الدرجة كانت قائمة في معظم بيئات العالم قبل الانقلاب الصناعي، وكانت التنقية الذاتية قادرة على احتواء النفايات والمخلفات بسرعة، وعدم إتاحة الفرصة للوصول بها إلى الدرجة الخطرة، أو التلوث كمشكلة، ومن ثم ظل التلوث دون الحد الخطر.

    2- التلوث الخطر

    يمثل الدرجة التي تتعدى فيها الملوثات حد الظاهرة "الخط الآمن" مما يؤدي إلى الإخلال بالحركة التوافقية داخل النظام الإيكولوجي وما يصاحب ذلك من أخطار كثيرة على معظم مكونات البيئة الحية وغير الحية، ومن ثم يبرز التلوث كمشكلة، وقد اقترنت إرهاصات هذه الدرجة الخطرة بالانقلاب الصناعي وما صاحبه من إطلاق كميات هائلة من النفايات والفضلات متنوعة الخصائص والمصادر في البيئات المختلفة بما يفوق قدراتها على التنقية الذاتية.

    3- التلوث القاتل

    وهو أخطر درجات التلوث حيث تتعدى فيه الملوثات الحد الخطر لتصل إلى ما يسمى الحد القاتل أو المدمر للأحياء. وهنا تقع الوقعة التي لا تبقي ولا تذر.

    درجات التلوث البيئي بالمعاصي والذنوب

    والتلوث البيئي بالمعاصي والذنوب يمكن أن يقسم إلى نفس الدرجات:

    الدرجة المقبولة

    وذلك حين تكون المعاصي، مستترة غير معلنة، وفاعلوها قلة من أفراد المجتمع يمكن أن تذوب بين الكثرة الصالحة، أو بمصطلح علماء البيئة فإن الإيكولوجي الذي فطر الله الكون عليه بين الطاعة والمعصية لا يبقي أثرًا لتلك المعاصي أو الذنوب وإنما تستهلك، كما يستهلك الماء الكثير التلوث القليل أو النجاسة الصغيرة.

    وهذه الدرجة من التلوث لا يخلو منها المجتمع الإسلامي، لكونه مجتمعًا بشريًّا لا ملائكيًّا، فالخطيئة طبع لابن آدم، وقد أصيبت البيئة الإسلامية الأولى في صدرها الأول وعصرها الزاهر بهذه الدرجة من التلوث، وقد حكى لنا القرآن الكريم، وكذلك السنة النبوية جانبًا من ذلك، فقصة المتخلفين عن الجهاد، وقصة الذين أخلفوا الله ما وعدوه لو منحهم الله مالاً بأن يكونوا من المتصدقين، وقصة الإفك، وقصة حاطب بن أبي بلتعة، وما قصة ماعز والغامدية عنا ببعيد، وكل هذا وغيره لم أرد تفصيله خشية الخروج عن القدر المطلوب والله أعلم.

    الدرجة الخطرة

    وهي الدرجة الذي تكثر فيها المعاصي والذنوب وتشتهر بين الناس بدرجة لا تذيبها طاعة الطائعين أو صلاح الصالحين، ومن ثم تكون مهددةً لكثير من أفراد المجتمع، ويمكن للصالحين أن يعيشوا في ظل هذا التلوث وإن كانوا يشعرون أن المعصية تهددهم وخطرها يطاردهم ورائحتها تزكم أنوفهم وتكاد تخنقهم، وهم لا يأمنون من أن يصيبهم دنسها، وإن أمنوا من ذلك فيمكن أن يصيب ذراريهم، أو ينال من أهليهم، ومع ذلك فإنهم قد يجدون بعض البيئات التي يلجئون إليها أو يهربون فيها، وفي نفس الوقت فإنهم يقدرون على مواصلة الطاعات وعمل الصالحات، والقيام بأمر دينهم، وشعائره، ويأملون بذلك في أن يقدروا على تخليص البيئة من ملوثاتها وتطهيرها من المعاصي والآثام وتنقيتها من أدرانها، ولذلك يظلون في تدافع وصراع مع هذا التلوث إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولاً: ﴿وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ﴾ (البقرة: من الآية 251).

    عن ابن عمر قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "إن الله ليدفع بالمسلم الصالح عن مائة بيت من جيرانه البلاء" ثم قرأ ابن عمر: ﴿وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ﴾.

    الدرجة القاتلة

    وذلك حين يكثر الخبث ويعلن عن نفسه، ويجاهر بالمعاصي دونما حياء ولا خجل، بل يتباهى بذلك ويفخر بسوء صنيعه ويسخر ممن لا يسيرون على دربه، ولا يسلكون نهجه وكأن لسان حاله يردد ما حكاه القرآن الكريم عن قوم لوط: ﴿أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ (النمل: من الآية 56).

    وفي ظل هذه البيئة التي ضرب التلوث بالمعاصي في أطنابها، وهدّ من بنيانها وهدم أخلاقها، يضيق الخناق على الصالحين وتخنقهم جراثيم المعصية، فيتوارى منهم من يتوارى، ويخرج منهم من يخرج، ومن رغب منهم في أن يواصل العيش ويعايش نفسه مع طبيعة المجتمع فإن المجتمع يأبى عليه ذلك وينبذهم من بين جنباته، وشعار هذا المجتمع شعار قوم مدين لشعيب عليه السلام: ﴿لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا﴾ (الأعراف: من الآية 88).

    وحينئذٍ تكون الطامة ويكون الهلاك، ولعل هذه الدرجة من التلوث هي التي جاء بها هذا الحديث: فعن زينب ابنة جحش: "أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دخل عليها يومًا فزعًا يقول: "لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه"- وحلق بإصبيعه الإبهام والتي تليها- قالت زينب ابنة جحش: فقلت يا رسول الله، أفنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم، إذا كثر الخبث" (10).

    والخبث فسروه بالزنا وبأولاد الزنا وبالفسوق والفجور، وهو أولى لأنه قابله بالصلاح.

    قال ابن العربي: فيه البيان بأن الخيِّـر يهلك بهلاك الشرير إذا لم يغير عليه خبثه، وكذلك إذا غير عليه لكن حيث لا يجدي ذلك ويصر الشرير على عمله السيئ، ويفشو ذلك ويكثر حتى يعم الفساد فيهلك حينئذ القليل والكثير، ثم يحشر كل أحد على نيته (11).

    ويقول الإمام النووي: يجب التباعد من أهل الظلم، والتحذير من مجالستهم ومجالسة البغاة ونحوهم من المبطلين؛ لئلا يناله ما يعاقبون به، وفيه أن من كثر سواد قوم جرى عليه حكمهم في ظاهر عقوبات الدنيا (12).

    وفي ذلك المعنى يقول الله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25)﴾ (الأنفال).

    --------------

    1- تفسير القرآن العظيم 2 / 224.

    2- مسند الإمام أحمد 2/296.

    3- شرح صحيح مسلم 14/203/2218.

    4- الطب النبوي ص286- 288 بتصرف.

    5- ابن ماجه 2/1332/4019. المستدرك للحاكم 4/540.

    6- سنن أبي داود 3/10/2406.

    7- جامع العلوم والحكم 1/277.

    8- الشافعي، الأم 1/248.

    9- الدر المنثور 1/296..

    10- فتح الباري 13/106/7135.

    11- مسلم بشرح النووي 18/2/2880.

    12- فتح الباري 13/109.

    13- شرح مسلم 18/7.

  2. #2

    الصورة الرمزية عثمان بالقاسم

    تاريخ التسجيل
    Jul 2008
    المـشـــاركــات
    3,872
    الــــدولــــــــة
    المغرب
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: التلوث البيئي بالمعاصي والذنوب

    جزاك الله خيرا أخي الكريم الصوت الحر على هذا الموضوع ، وبارك الله فيك.
    أسأل الله أن يجعل ذلك في ميزان حسناتك.
    حفظك الله ورعاك.
    أخوك في الله : عثمان.

  3. #3

    الصورة الرمزية liza

    تاريخ التسجيل
    Dec 2006
    المـشـــاركــات
    418
    الــــدولــــــــة
    الامارات
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: التلوث البيئي بالمعاصي والذنوب

    مشكور خيو و جزاك الله ألف خير على الموضوع الرائع

  4. #4

    الصورة الرمزية دروبي

    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    المـشـــاركــات
    1,980
    الــــدولــــــــة
    انجلترا
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: التلوث البيئي بالمعاصي والذنوب

    شكرا ع الموضوع الرائع
    وجزاك الله خير
    والله لا يحرمك الجنه
    والله يحفظك
    وتابع جهودك
    والى الامام
    اخوك في الله:
    دروبي

  5. #5

    الصورة الرمزية المجهول

    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المـشـــاركــات
    537
    الــــدولــــــــة
    الامارات
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: التلوث البيئي بالمعاصي والذنوب

    شكرا لك على الموضوع..~~
    بالتوفيق ^___^

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...