السلام عليكم ورحمة الله وبركاتٍ منه..


~ {{ مُجرد تعريف.. مُقدمة.. أسموها ما شئتم ،،


أما بعد.. فإنه.. وفي سنتي الثانية الجامعية.. درسنا مادة يُطلق عليها مُسمى "مهارات التفكير"..

بقدر ما كانت تأخذ من وقتنا.. بقدر ما كانت تُمتعنا.. خصوصاً وأننا حصلنا على أُستاذةٍ رائعة الأخلاق.. وتعمل بكل ما تُعلمنا إيّاه.. مِثلُ هذه المعلم هو الذي كان يقصده الشاعر بقوله "قم للمعلم ........"

الجدير بالذكر هُنا.. أن الواجبات المنزلية التي كانت تعطينا إيّاه كانت تحمل طابعاً من الغرابة..

ففي إحدى المرات طلبت من كل واحدة منّا أن تتخيل أنها "ريال".. ومن ثم تكتب قصةً عن حياتها..

وتركت لنا الحرية في إختيار طابع القصة.. كوميديةً كانت أم واقعية أم رومانتيك أو أي شيء آخر..

أثارت الفكرة قريحتي.. فأمضيت ثلاثة أسابيع بالكامل وأنا "أُحاول" أن أرتب الأحداث في عقلي دون جدوى.. فعقلي كان بالكامل مشغولٌ بأحداثٍ أخرى في واقع الحياة..

وحين إقترب موعد تسليم الواجبات.. واتخذت مقعداً أمام جهازي لأبدأ فعلياً بكتابة القصة.. تتالت الأفكار عليّ.. وما أن عرضت الطبعة الأولية على أخي.. حتى زوّدني ببعض الإقتراحات.. فصُغتها من جديد لتبدو بالشكل الذي سأعرضها لكم به..

أرجو أن تكون ممتعة كما ظننتها.. المهم أن تتركوا العنان لخيالكم ليصنع الأصوات والصرخات والكلمات المتقطعة.. كنت أتمنى أن أضعها بصوتي.. ولكن --" (( آآآآخ.. لو أنني رجل >_< ))

ذاك أن القصة تبدو ممتعه حين تُقرأ بالتأثيرات الصوتيه.. أتذكر أنني قرأتها لواحدة أو إثنتين من صديقاتي قبل أن أسلّمها.. وقرأتها لأخي حتى أثرت ضحكاته..

عُذري للإطالة.. إليكم القصة..

...،،
بسم الله الرحمن الرحيم ،،
{{ بداية ،،

صوتُ محرّكٍ ما يدور.. رنينٌ مكائِنيٌّ مزعج.. وأوراق ضخمة منسوجة من القطن تمرُّ ببطء على أرض معدنية باردة..
عادةً.. عندما يفِد مولود جديد إلى الحياة.. يطلق صرخة ألم.. ربما لأنه خائف.. وربما.. لأن روعة الحياة مؤلمة حدّ الصراخ..
لذلك.. وبما أننا لا نصرخ.. فقد صرخَت الماكينة لقوةِ الضربة التي ألقمتنا إياها..
اليوم الأول ~

ضربة مفاجئة على تلك اللوحة القطنية العريضة.. طُبِعَت بها ملامح وجهي وقفاي دفعة واحدة.. "كأني بشخصٍ مُتهكم يتساءل.. بحق الله.. هل من آدميٍ يملك ملامحًا لقفاه ؟؟.. وكأنني آدميٌّ يا فالح" سأتجاهل السؤال.. وأمضي في قصتي.. ففي النهاية لستُ سوى قطعة من الورق المطبّع يطلقون عليها مسمى.. ريال..


هل تعرفون شيئاً.. لستُ أدري ماذا يعني بالضبط اسم "ريال".. أما كان من الأفضل لو أنهم أطلقوا عليّ ( Royal ) لربما حظيت ببعض الاحترام.. "يخيل لي صوت قهقهةٍ ما.. سأتجاهلها أيضاً "
اليوم الثاني ~

صباحُ أول يوم لي في الحياة.. من المؤلم أن تولد ولك عشرات التوائم.. ثم تُفصل فجأة عنهم جميعاً.. أخي الذي كان عن يميني صار تحتي.. والذي كان يساري أضحى فوقي.. والباقون.. ما عدت أدرِ من أمرهم شيئاً.. ماذا يطلقون على هذا الشيء.. مفكرة !! دفتر !! رُزمة !! .. آها.. رزمة..


والرزمة هي مجموعة منّا.. مُرتبة بشكل خرافي ليغدو الألْف ريال لعبة في اليد كأسهل ما يًحمل..

يدور حولنا في المكان.. أشخاص بملابس رسمية غاية في الأناقة.. بعضهم يحمل الأسلحة.. لقد شعرت بأنني مهم في هذه الحياة.. شعرت.. وقتها فقط..

أُلقي برزمتي في طرف صندوق.. وفوقنا رزمة ورزمة وعن يميننا.. وهكذا حتى لم يبق في ذلك الصندوق متنفس لنصف ريال.. وأغلق.. وتأرجحنا مطولاً.. ثم استقرينا فجأة.. وتأرجحنا مجدداً.. وهكذا مضى يومي الأول في الحياة.. ثبات.. تأرجُح.. ثبات.. تأرجُح.. حتى هدأ كل صوت حولنا..

عاد الضجيج مجدداً.. أيدٍ تنتشل عدة رُزَم.. صوت ينادي "صرف، صرف" .. رائحة القهوة تفوح في أرجاء المكان.. وأبخرة العود تتشكل حول الأركان وتتصاعد ببطء.. يطلقون على هذا المكان.. مصرف.. أو بنك.. كما يرددون دائماً.. شخص متأنق يناولني بابتسامة عريضة مصطنعة بإتقان لآخر "كامل المبلغ.. سيدي".. نظر سيدة إلى "المبلغ" للحظات.. ثم ركز نظره عليّ مطولاً.. وأفرجت شفتيه عن ابتسامةٍ ساخرة وقال "بالفعل.. كامل المبلغ" وأتبعها بضحكة خافتة.. تلفت يمنة ويسرة.. ثمة صغير يتجول هائماً في المكان.. "خذ يا ولدي.. ابتع بعض الحلوى".. فتناولني الصبي بابتسامة أعرض.. وبكلتا كفيه.. وكأنني سأهرب.. حسناً !! مرحباً بسيدي الصغير..
اليوم الثالث ~

ألا تباً له من سيد صغير.. بعد أن استقبلني بحب البارحة.. ألقى بي في جيب معطفه ونسيني تماماً.. فأمضيت ليلي أعاني الأمرّين غارقاً في الماء والصابون مع ملابس سعادته المغطاة بكافة أنواع الأتربة والغبرة وألوان الحبر المختلفة.. وروائح العطر المختلطة بروائح الأطعمة وما لا يقال ومالا يكاد يعرف من العوالق المختلفة.. حتى أضحى جسدي المستقيم كهلاً لا حول له ولا طاقة للحياة.. مكرمشٌ ببشاعة لا توصف.. حتى أن تلك الخادمة الحنون أشفقت علي.. وليتها ما فعلت.. فقد قامت بـ"كويي" قالتها بينما تفكر.. قالتها بكل بسيطة.. "سأكويه".. أتش أتش آآوووتش.. يا للحرارة.. ماذا فعلت في حياتي القصيرة لأستحق جهنم في دنياي قبل آخرتي....


دلفت مع تلك الخادمة إلى غرفة ما.. سيدي ينام على سريرها بأمان.. فتحت درجا.. وألقت بي داخله وأغلقته..

ثمة ريال آخر يحملق في وجهي بغباء.. وثانٍ يتفحصني بحذر.. وثالث عجوز مغبّر يتأفف كل لحظة.. ورابع اتخذ مكانه في ركنٍ قصيّ.. أطرافه مشققة.. هذه الفئة يطلقون عليها مسمى "عرابجه" .. التزمت الصمت.. خوفاً من المشاكل.. وأمسكت عليّ أعصابي حتى أفرج عني.. وخرجت من سجني.. لأسجن من جديد في محفظة جلدية..

بعد كل ما مررت به.. وبينما سيدي الصغير يخرج شيئاً ما من محفظته قرب آلة البيع.. أسقطني سهواً.. ومضى في طريقه.. الأضواء هنا ساطعة حد الرعب.. وكأنني في حجرة تحقيق.. ثمة رائحة غريبة.. ما هو التعبير المناسب!!.. تخنقني.. نعم تخنقني.. ماذا يطلقون على هذا الشيء ؟؟ قِدر؟؟ سلة؟؟ كوب؟؟ نفاية.. نفاية!! فلينقذني أحدكم رجااااااءً..

اليوم الرابع ~

صبيحة يوم إجازة.. عاملة تنظف ذلك الممر حيث أنا ملقى.. التقطتني وبقيت لبرهة حائرة.. (خذيني رجاءً.. بعيداً عن هذا المكان.. ربما الحياة مع امرأة عاقلة أفضل منها مع طفل صغير)..


انتظري لحظة.. أين !! هل تملكين محفظة !! كيساً !! جيباً !! لا.. أرجوكِ لا.. لاااا..

في النهاية.. أدخلتني في طيات ملابسها متجاهلة كل صراخي وعويلي.. وأكملت عملها بصمت..

بعد عدة ساعات خِلتها سنيناً في الجحيم.. رأيت النور من جديد.. مدخل منزل بسيط.. ثمة طفلان متقاربان في العمر يحدقان ببراءة في الرف الذي وُضِعتُ فوقه.. ولسان حالي يردد "لمرة واحدة فقط.. دعوني أنام بأمان.. أرجوكم".. ولكن.. هيهات هيهات.. سحبني أحدهم بعنف.. فسحبني الآخر من الأول.. وقتها.. شعرت بأنني أرى زهوراً وأشتم رياحين.. هل هيَ الجنة يا ترى !!.. سحبني الأول ثانيةً.. واستعادني الثاني من جديد.. وأمسك بي بقوة.. أصبحت أتمنى بصدق أن أنتهي هنا.. فقد سئمت هذه الحياة.. سحبني الأول بعنف أكبر.. صوت.. ز ز ز.. زش زش زش.. تمزُّقٌ ما.. وها أنا ذا أضحيت نصفين.. سقط جزئيَّ على الأرض الباردة.. وأعينهم الأربع تحملق فيّ بألم.. دقيقة حدادٍ صامتة.. عادا بعدها يتعاركان ونسياني تماماً..

لحظة.. انتظروا دقيقة. ثمة جزء لم أفهمه في هذه القصة.. لماذا لا أزال حياً.. فليجبني أحدكم..

عادت تلك العاملة من جديد.. التقطتني ووبخت طفليها.. دقائق من الصراخ والمشاجرات.. هو.. كلا هو.. أقسم أنه هو.. رصفت جُزئي على الرف بجوار بعضهما.. وقرأت على روحي الفاتحة.. وكفنتني بشريطٍ شفاف مررته على ذلك الشق.. التفتت إلى ابنها الأصغر وقالت بحنان الأم.. ( خذ حبيبي )..

ما هذا !! لم أفهم بَعد.. هل أنا خالد !! لا أموت أبداً !!.. لا أريد التفكير في ذلك.. لا.. أبداً.. إنها لعنة بالتأكيد.. لا.. لا.. لااااااااااااااااااااا ... . .. .

إنتهاء }} ~