عَجِيبٌ حَقاً أَمْرُ الرُّوحِ..!

إِذَا مَا أَنِسَتْ وَطَابَتْ.. أضحت الدنيا جنة بأسرها.. يخال صاحبها أنه لخفة روحه لا يقوى على المسير.. وإنما يحلق بكل حرية.. فيرى الدنيا بلا قرار.. بلا حدود.. بلا سماءٍ تغلفها ولا رواسي تثبتها.. وكأنها أضحت بذاتها كوناً شاسعاً لا ينفد.. يسبح فيه فكره وتنغمس روحه بكل لذة في كل شيء.. لأن كل شيءٍ استحال جميلاً.. فهي روح جميلة لا ترى القبيح إلا عجيباً ولا ترى الجميل إلا مبهراً.. تقودها دهشة الطفولة فترى في الوردة البيضاء أعجوبة النقاء.. وترى في بركة الماء معجزة الصفاء.. وتسمع في حفيف الأوراق وهدير الأمواج وضوضاء الأطفال لحن الحياة الشدي.. وتبصر في كل ما ترى.. إبداع الخالق الجليّ.. هي روح عرفت كيف تتفق مع نفسها.. فعمرها الهدوء وانشرحت بالطمأنينة وأشرقت بالحب لكل شيء..
فسبحان من أعطى هذه الروح كل هذا النقاء.. وسبحان من أكرم الدنيا بروحٍ بهذا السمو..!

- - -

أَمَّا إِذَا مَا تَعِسَتْ.. وَتَشَوَّهَتْ وَاشْمَأَزَّتْ.. استحالت الدنيا جحيماً.. وبات الورد بشعاً.. والشهد حنظلاً.. والهم بأضعاف حجمه.. والفرحة شيءٌ تافه لا ينطلي إلا على الأطفال.. والكآبة أضحت للروح عنوان.. والحزن على النفس دليل.. فلا أحد يستحق الحب.. ولا هذه الدنيا ترتقي لأن نعيش فيها.. وكأنه منة منا على الدنيا أن صرنا بها نحيا.. وأما الأرض التي حوت هذه الأمم من المخلوقات فما عادت تتسع لنَفَسٍ من روح كئيبة.. حتى ما عاد يقوى صاحب النَفَسِ حتى أن يرد نفسه إلى رئتيه.. فصدره قد ضاق بصدره.. وروحه احتارت بذاته.. فما احتمل ذاته حتى يحتمل غيره..
وفي حقيقة الأمر.. لو تكلمت الأرض أو فعلت.. للفظت هذا الشقي خارجها.. لتستريح وتريح منه العباد.. فثقله عليها أضحى يخنقها هي بذاتها..!
- - -
فهلّا جلونا أرواحنا وفتحنا قلوبنا وتصالحنا مع أنفسنا.. لا لشيء إلا رأفة بهذه الأرض..؟!
.
.
.