بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وبعد:

رجل نصراني: تعال هنا .. هل أنت مسلم؟
فيومئ نور الدين برأسه: نعم ..
النصراني: عد إلى مينداناو .. أنتم أيها المسلمون دائماً تتسكعون في الشوارع .. عد إلى وطنك .. عد إلى مينداناو ..
فيسكت نور الدين، وتتوقف عيناه وشفتاه عن الحركة، ويح قلبي لو رأيتموه ..
ويح قلبي لو رأيتم نور الدين، ذلك الطفل الصغير، الذي ترك مدرسته وعمره لا يزيد عن عشر سنوات، وهو يجوب شوارع احدى مدن الفلبين النصرانية، ليبيع أكياس التسوق ..

ويح قلبي لو تعلمون من يعول؟

إنه يعول أخته ماريمار التي لا يزيد عمرها عن ثمان سنوات، ويعول أمه وأخواته في مينداناو، تلك الجزيرة المسلمة، التي نهش النصارى لحوم أبنائها، ونهبوا مزارعهم، وأحرقوا بيوتهم، إنها تلك الجزيرة المسلمة الأبية التي لا زالت منذ مائة سنة تقاوم النفوذ النصراني عليها، وأبناؤها اليوم يجاهدون في سبيل الله تعالى ..

في الفجر، وقبل كل أحد، تقوم ماريمار من نومها، وتطبخ قرصاً من البيض، وقليلاً من الأرز، لتأخذه معها إلى مدرستها التي لم يشأ أخوها نور الدين أن تتركها، ولا يزال يتعب ويجتهد ليدفع لها مصاريف دراستها..

يقوم نور الدين بعد ذلك، لينزل إلى السوق، وهو يحمل معه أكياس تسوق ليبيعها على المتسوقين، يبيع الكيس الواحد بعشرة بيسو، أي ستين هللة، أو ستين فلساً فقط، وفي آخر النهار يعود محملاً بأربعة جالونات من الماء ليرفعها إلى بيت خالته أعلى التلة!!..

تعبت يداه..
وآلمه كتفاه..
ولا يزال يتوقف حيناً وحيناً..

في يوم من الأيام، لم يقم نور الدين مبكراً كما هي عادته، سألته خالته، ألن تذهب إلى السوق لبيع الأكياس؟!
ما الذي أخرك إلى هذا الوقت؟؟
فقال لها: إن جسمي كله يؤلمني..!!
آلمه جسده لأن النصارى ضربوه ضرباً مبرحاً، لأنه مسلم، ولأنهم يريدون سلب ما عنده من بيسوات قليلة، هل أعطاهم نور الدين شيئاً؟؟
لا..
لقد قال ذلك الطفل الصغير كلمة عجيبة، قال: نعم لقد ضربوني وآلموني، ولكني لم أعطهم مالي، وهذا شيء جيد..!!

صغير ضعيف فقير لكنه مكافح..
مكافح يحمل روحاً أبية..
روحاً عزيزة..

يوصل أخته كل صباح إلى المدرسة، أخته الضعيفة الخجولة، يعايرها النصارى بأنها مسلمة، وأنها "أبو سياف"، وأنها إرهابية..!!
وإن سكتت عنهم، إلا أنها تعاني كما يعاني أي طفل من مثل هذا..
كلما جلست في صفها تكتب.. ضربت الطالبات النصرانيات يدها لكي لا تكتب..
سألتها المدرسة مرة.. ما الذي يضايقك؟؟
فأخرجت كل ما سبق..

وصلت إلى نور الدين رسالة من أمه.. تخبره فيها أنها مريضة وأنها على فراش الموت، فقال لأخته، لابد أن نذهب لأمنا، ولما نظر إلى ما جمعوه من أموال وجدوا أنها لا تكفي، فقال لها: لابد أن نوفر..!! لا بد أن نعمل أكثر حتى نجمع المال اللازم..!!

فأخذ أخته وأعطاها مجموعة من الأكياس لتبيعها في السوق!!
يفترقان بداية النهار.. ويلتقيان آخره..

حتى جمعوا المال اللازم..
وفرحوا به كثيراً.. حتى بكى نور الدين من الفرح..!!

اشتروا تذاكر الباخرة إلى مينداناو ..
وما تبقى لهم من مال اشتروا به غطاء رأس ٍ لأمهم المريضة ..

لما اقتربت الباخرة من مينداناو .. لبسوا زيهم الإسلامي، والذي لم يكونوا قادرين على لبسه في ذلك المجتمع النصراني الحاقد ..
فما أجمل الكوفية على رأس نور الدين، والفرح على وجهه لاقتراب لقاءه بأمه..
وما أجمل غطاء الرأس على ماريمار .. ونور الدين يحاول تعديله لها قبل رسو السفينة على شواطئ مينداناو الأبية ..

يراقب نور الدين وأخته اقترابهما من الشاطئ، لحظة بلحظة، وقلوبهما تكاد تطير من الفرح، يسأل نور الدين: هل يا ترى أمنا بانتظارنا في الميناء؟.. ثم لا يلبث حتى يتذكر أن أمه مريضة طريحة الفراش..

تصل السفينة، وينزل نور الدين وأخته، ويلتقي بخاله وزوج أمه، ويبكيان، ويبكي المخضرم معهما، وما أشد تلك اللحظة تأثيراً، حين دخل نور الدين بيته، ورآه إخوته، فهرعوا إليه، واحتضنوه، وبكى وبكوا معه، ثم ذهب لأمه طريحة الفراش، فاحتضنها، وبكى وبكت معه..

لحظات مؤثرة..
سكبت فيها الدموع..
وتفشى فيها الحنان..
وطفح فيها العطف..
ووجد فيها الشوق نهايته..

لم يلبث ليال ٍ قليلة.. حتى زارتهم التاجرة التي أقرضتهم المال للقيام بعملية جراحية لأمهم ..
وطالبتهم بمالها بقوة وجفاء..
وهددتهم بإبلاغ الشرطة..!!
إنها تطالبهم بـ خمسين ألف بيسو ونيف..!!
مبلغ ٌ مهولٌ بالنسبة إلى أؤلئك الفقراء..
لا يجدون بداً من عودة نور الدين وأخته إلى تلك المدن النصرانية..

يبكي نور الدين، ويقول لأمه.. لا أريد أن أعود.. لا أريد أن أعود..
فليس له ذكريات جميلة هناك..
ليس له إلا الشقاء والكدح الشاق..
ليس له إلا الضرب والسب والشتم على أيدي النصارى الحاقدين..

لا يجد مهرباً.. ولا يجد حلاً آخر..
ينظر إلى جرح أمه الذي لم يبرأ بعد..
بل الذي تقيح..!!
تقيح لأنها لا تجد مالاً تراجع به المستشفى..!!

،،،

،،،

يعود نور الدين.. وتعود ماريمار ..

ويعودان للعمل في بيع أكياس التسوق .. !!