وصية ناسك الجبل: اقــرؤونــي ...... (غاية لا تدرك تترك )
لـم يدبج ناسك الجبل وصيته في جلد حيوان ليحفظها
ولا ذهب بها للكاتب بالعدل لتوثيقها
لكنـه دسها في كل ما كتب وسلك وتحدث. وكأنه كان يرى العالم بعد رحيله مع بردته و عصاه وصـرة نقوده.
هل كان العالم أيام ناسك الجبل مختلفا عما هو عليه اليوم...؟
نعم ...
ولكن ليس في المضمون إنما ببعض التفاصيل التي فرضتها الوقائع المرة وتواتر الأحداث الجسام
( فغاية لا تدرك تترك )
للغاية وسائل ترتقي, على أكتافها ما لم تكن لم تكن, و إذا ناءت الوسيلة بحمل الغاية بقيت في البداية
فالوسيلة مطية للغاية .
وعلى قدر ارتفاع المربأ يكون طول السبب, إذا كان دونه فرقية وسيلة مهدرة, لان بلوغه غاية مستعصية, وما محاولة ذلك إلا عبثا بالزمان ..
و أولى أن ينتحر الزمان من أجل إشباع نهم النفس بوسيلة أطول أو بتحسين الوسيلة المتاحة.
و أما إن كانت الأسباب أقوى لحمل الأهداف فإن النكوص عجز و التقهقر خذلان, فصعد ولا تلتفت إلى الأدنى
فإن هدفك أسمى وغايتك أرقى, ولا تعر سمعك كل ناعق أو ناعب, وخذ من الأفواه ثمارها, و من التجارب خيارها
ولا تعمل للبشر واجعل غايتك مصلحة الجماعة, و نهايتك إرضاء نفسك بحمل ما أوكل إليك وما ألقته الأيام عليك ....... وما حملته من أمانة على عاتقك ..
من الناس من يعمل من أجل إرضاء الناس, و لكن مطلب بعيد المنال
لذاته و لذات الساعي له .. ولذات السعي إليه .. و لذات الناس ذاتهم .. الناس مشارب .. و لكل منهم فلسفته في الحياة ..
ولكل جبلته التي جبل عليها, هذه سنة الخلق, و من عمل لثناء الناس لم ينله و إن كان مستحقاً
ومن سعى من أجل إرضائهم فهو الغاية التي لا تدركها الحقيقة, إنما ضرب من الخيال
إنما الحقيقة الحقة في إرضاء الذات بالإخلاص – قدر الاستطاعة – و الاستئناس بآراء ذوي التجارب الذين فركتهم الأيام و صقلتهم الأعوام
فخذ من عقولهم ما يبني طموحك .. وأما الدهماء فخذ من ألسنتهم ما يهدي سلبياتك
و استسق نقدهم حتى تستمطر ألسنتهم, ولا تجعل غوثهم غيثا تسقي به جدب الأفكار, و لا تهمله فقد يضطرك إليه هزال السنين
ولا تسوغ لنفسك إهمال الناس فما أنت إلا منهم و جعل باب الناس إليك سمعهم و إقليده لسانك
ضحكت فقالوا: ألا تحتشم ؟
........................ بكيت فقالوا: ألا تبتسم ؟
بسمتُ فقالوا : يرائي بها
........................ عبست فقالوا : بدا ما كتم
صمت فقالوا: كليل اللسان
........................ نطقت فقالوا: كثير الكلم
حلمت فقالوا: صنيع الجبان
........................ ولو كان مقتدرا لانتقم
بسلت فقالوا: لطيش به
........................ وما كان مجترئاً لو حكم
يقولون : شذ إذا قلت : لا
........................ و إمعة حين وافقتهم
فأدركت أني مهما أُرِد
........................ رضَا الناس لا بد من أن أُذَمَ
توقف الناسك وأخذ بردته و عصاه و أمسك صرة النقود و ذهب
عجبا
لا أدري إن كان ناسك الجبل قد ترك وصية تشير لثروة أو رصيد ضخم، الذي لا أشك فيه أن وصيته
التي منعته أنفته وكبرياؤه أن يعلنها على المـلأ
وتقول بعربية فصحى : اقــرؤونــي )
كتب غفر الله لهــ
محبكم و أخوكم
Ninja_harb
المفضلات