الملكة ..


هل تعرفينها ؟ كانت ملكة على عرشها .. على أسرةٍ ممهدة ، وفرشٍ منضدة ..
بين خدم يخدمون .. وأهلٍ يكرمون ..
لكنها كانت مؤمنة تكتم إيمانها ..

إنها آسية .. امرأة فرعون .. كانت في نعيم مقيم ..
فلما رأت قوافل الشهداء .. تتسابق إلى أبواب السماء ..
اشتاقت لمجاورة ربّها .. وكرهت مجاورة فرعون ..
فلما قتل فرعون الماشطة المؤمنة .. دخل على زوجه آسيةَ يستعرض أمامها قواه ..

فصاحت به آسية : الويل لك ! ما أجرأك على الله .. ثم أعلنت إيمانها بالله ..
فغضب فرعون .. وأقسم لتذوقَن الموت .. أو لتكفرَن بالله ..
ثم أمر فرعون بها فمدت بين يديه على لوحٍ .. وربطت يداها وقدماها في أوتاد من حديد .. وأمر بضربها فضربت ..

حتى بدأت الدماء تسيل من جسدها .. واللحم ينسلخ عن عظامها ..
فلما اشتدّ عليها العذاب .. وعاينت الموت ..رفعت بصرها إلى السماء .. وقالت :
] رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين [..

وارتفعت دعوتها إلى السماء ..
قال ابن كثير : فكشف الله لها عن بيتها في الجنة ..


فتبسمت .. ثم ماتت .. نعم .. ماتت الملكة ..
التي كانت بين طيب وبخور .. وفرح وسرور ..
نعم تركت فساتينها .. وعطورها .. وخدمها .. وصديقاتها ..
واختارت الموت ..
لكنها اليوم .. تتقلب في النعيم كيفما شاءت ..
قد نفعها صبرها على الطاعات .. ومقاومتها للشهوات ..





بيت من قصب ..!!


ومضت تلك الملكة إلى ربها .. ولا زال الخير في النساء ..
عند البخاري :
أن النبي قبل أن يوحى إليه بالنبوة .. كان يذهب إلى غار حراء .. بجانب المدينة .. فيتعبد فيه ..
فبينما هو في هدوء الغار يوماً .. إذ جاءه جبريل فجأة .. فقال : اقرأ ..
ففزع النبي منه .. وقال : ما قرأت كتاباً قط .. ولا أحسنه .. وما أكتب .. وما أقرأ ..
فأخذه جبريل فضمه إليه .. حتى بلغ منه الجهد .. ثم تركه .. فقال : اقرأ ..
فقال : ما أنا بقارئ ..
فأخذه فضمه إليه الثانية.. حتى بلغ منه الجهد .. ثم تركه .. فقال : اقرأ ..
فقال: ما أنا بقارئ .. فأخذه جبريل فضمه إليه الثانية.. حتى بلغ منه الجهد .. ثم تركه ..
فقال : " اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم " ..
فلما سمع النبي هذه الآيات .. ورأى هذا المنظر .. اشتد فزعه .. ورجف فؤاده .. ثم رجع إلى المدينة ..
فدخل على خديجة أم المؤمنين.
فقال : زملوني .. زملوني .. أي غطوني بالفرش .. ثم اضطجع .. وغطوه ..

وأم المؤمنين .. تنظر إليه لا تدري ما الذي أفزعه ..
فلبث ملياً حتى سكن روعه ..
ثم التفت إلى خديجة فأخبرها الخبر .. وقال لها : يا خديجة .. لقد خشيت على نفسي ..

فقالت خديجة : كلا .. والله لا يخزيك الله أبداً .. إنك لتصل الرحم .. وتقري الضيف .. وتحمل الكل .. وتكسب المعدوم .. وتعين على نوائب الحق ..

ثم لم ينقطع خيرها .. ولم يقف حماسها ..
وإنما أخذت بيده .. فانطلقت به حتى أتت ورقة بن نوفل ابن عمها ..
وكان شيخاً كبيراً أعمى .. وكان امرءاً قد تنصر في الجاهلية .. وكان يقرأ الإنجيل .. ويكتبه .. ويعرف أخبار الأنبياء ..

فلما دخلت عليه خديجة جلست إليه ومعها رسول الله .. فقالت له : يا ابن عم ! اسمع من ابن أخيك ..
فقال له ورقة : يا ابن أخي ماذا ترى ؟
فأخبره رسول الله خبر ما رأى .. وما سمع من القرآن ..
فقال ورقة : سبوح .. سبوح .. أبشر ثم أبشر .. هذا الناموس الذي أنزل على موسى ..
ثم قال ورقة : يا ليتني فيها جذعاً .. حين يخرجك قومك .. (أي شاباً قوياً) لأخرج معك وأنصرك ؟
ففزع وقال : أومخرجيَّ هم ؟!
فقال : نعم ! إنه لم يأت أحد بمثل ما جئت به إلا عودي .. وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً .. (أي أنصرك نصراً عزيزاً أبداً )..
ثم خرج مع زوجه خديجة .. وقد أيقنت خديجة أن عهد النوم قد تولى ..
وأنها مع زوج سيبتلى .. وقد تخرج من بيتها .. وتؤذى في نفسها .. وهي المرأة التي نشأت غنية منعمة .. حسيبة مكرمة .. وهاهي تستقبل البلاء ..

فهل تخاذلت عن نصرة الدين .. أو خلطت الشك باليقين .. كلا .. بل آمنت بربها .. ونصرت نبيها.. بمالها .. ورأيها .. وجهدها .. ولم يزل هذا حالها حتى لقيت ربها ..

وقد روى مسلم أن النبي أتاه جبريل فقال : يا رسول الله.. هذه خديجة .. قد أتتك ومعها إناء فيه إدام من طعام أو شراب ..
فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها.. ومني.. وبشرها ببيت في الجنة من قصب.. لا صخب فيه ولا نصب ..


هذا خبر خديجة .. أول من دخل في الإسلام .. ونبذ عبادة الأصنام ..

سبقت الرجال .. وخلفت الأبطال ..
حتى ضرب التاريخ الأمثال ببذلها .. ودعانا إلى الاقتداء بفعلها ..
لم تلتفت إلى توهين من كافر .. أو شبهة من فاجر ..
فكان جزاؤها أن أعدَّ الله نزلها .. وبنى بيتها ..
فاستبشرت وفرحت .. وزادت وتعبدت ..
حتى لقيت ربها وهو راض عنها ..
} وَعَدَ اللّه ُالْمُؤْمِنِين َوَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّات ٍتَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَاوَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِأَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ { ..
فرضي الله عن أم المؤمنين خديجة .. رضي الله عن أمنا ..
فهلا اقتدت بها بناتها .. هلا اقتديت أنت بها .. ليكون لك في الجنة مثلها
بيت من قصب .. لا نصب فيه ولا وصب ..