وقد يتداخل الوصف مع السرد، لكنه لا يُعتبر مؤشِّرًا، لأن الوصف نمط قائم بِحَدِّ ذاته، وتداخل الوصف مع السرد، له القيمة ذاتها التي للحوار، من إضفاء الجمال إلى النص، وزيادة التشويق إلى المتابعة. أما القيمة المعنوية، فإننا ننظر إلى الوصف الذي بين أيدينا، هل هو في صيغة الجمل الاسميَّة أو الأفعال الماضية؟ إذًا تكون قيمته المعنوية أنه يَدُلُّ على التعريف والثبات والإيجاز (نُحَدِّدها من خلال النص الذي بين أيدينا، مثلًا: التعريف بالتلميذ الجديد في صفنا وتأكيد صفاتِ الاجتهاد والطيبة لديه، وجمع معانٍ كثيرة في ألفاظ قليلة)، وإن كان الوصف جملًا فعليةً مضارعةً فهو يدلُّ على التجدُّد والحيوية والاستمرار والنشاط (ونحدِّدها؛ كذلك؛ من خلال النص الذي بين أيدينا).
ملحوظة: لا تدخل الترويسة ضمن مؤشرات وبنية السرد، بل إننا نحددهما من خلال أحداث القصة الحقيقية، بمعنى أوضح، حين يكون أمامنا في النص راويان، أحدهما يمهد للحكاية، والثاني يرويها، فإن الراوي الأساسي هو الراوي الثاني، وبالتالي يُعتبر التمهيد ترويسةً لا علاقة لها بالمؤشرات والبُنْيَة، كماأننا نُحَدِّد المرسِل والمرسَل إليه والغاية من المرسَلة من خلال ما يحكيه لنا الراوي الثاني.
ولمزيد من التوضيح، نُقَدِّم أمثلة تطبيقية عبر نصين، الأول طُرح في أولى دورات الشهادة المتوسطة:
غزالة الصحراء
للصيادين، إذا كانوا في مجالسهم، أحاديث هي العجب العجاب. وقد كنا، البارحةَ، نُصغِي إلى أحد مشاهيرِهم _ ولَعلَّه الصياد الأول في لبنان_ يروي لنا أصناف الصيد ومآثِرَه فيها. وفجأة انقطع عن الكلام واربدَّ وجهه، ثم أجال بصَرَه فينا، وقال:_ والغزلان، لم تسألوني عنها! فلما اطمأن إلى إثارة ما يريد من فضول، قال:_ مرةً واحدةً في حياتي. كنا ثلاثةً في رحلةٍ لنا بين بيروتَ وبغدادَ. فلمَّا وصَلنَا إلى صحراءِ "الرطبةِ" إذا بِغَزَالَةٍ تَطلُعُ لَنَا عن بُعْدٍ، من النوع الظريفِ الرشيقِ الذي يألَفُ تلك الجهات. ورابَها هديرُ السيارة فَأتلَعَتْ عنقها تَتَنَصَّت، ثم ركَنتْ إلى الفرارِ. فَاندَفَعنَا وراءَهَا نَستَحِثُّ السائقَ ونُطلِقُ عليها، بلا وعي، من بنادقِنا الثلاث، وهيَ ماضيةٌ تَنهبُ الأرضَ. ثم إذا هيَ تَنكَفِئُ إلى الوراءِ انكفاءةً، فَلَمْ نَشُكَّ في أنها أُصِيبَتْ. ولكنها لم تلبثْ أنْ مَالَتْ يَمينًا فَمِلْنَا في إِثرِها، فَيَسارًا فَتَبِعنَاها، ثم أعادَتِ الكرَّة ونحن نلحقُ بها ونسدُّ عليها المنافذ. وما زلنا بها حتى أَعيَتْها الحيلُ، فَجَعَلَتْ تدورُ على نفسها كالسكرى، ثم أدركها الجهدُ وأَلَحَّتْ بها جراحها، فَوقَفَت في العراءِ لا تُبدِي ولا تُعيد. حِينَئذٍ _قالَ صاحبُنا_ أَشَرْنا على السَّائقِ وتَرَجَّلنَا ماشِينَ إليها، نريدُ أخذَها حَيَّة، وقد وَضَعْنا أصابعَنا على أزنادِ البنادق، مُتُهَيِّئينِ لإطلاقِ الرصاصِ إذا حَاولَتِ الهرب، ولكنها لم تتحرك. فلما صِرْنَا على خُطْوَتينِ منها مَالَتْ بوجهها ببطء، ورَمَتْنَا من عَليائِها بِنظرَةِ احتقار، ثم وَقَعَتْ... قال: فَكَاَدت البندقيةُ تَقَع من يَدِي. ومنذُ تلكَ اللحظةِ لم أَعُدْ إلى صيدِ الغزلان.
توفيق يوسف عوَّاد_ العذارى.

نلحظ وجود راوِيَينِ اثنَين في النصِّ: "
الكاتب توفيق يوسف عواد" و"الصياد"، غير أن أحداث القصة يرويها الصياد، وبالتالي الكاتب راوٍ ثانوي، والصياد راوٍ أساسي، ومن بداية قصة الصياد نستخرج البُنْيَة والمؤشرات، وهما، في هذه القصة، كما يأتي:
بُنْيَة السرد:
الوضع الأولي: ثلاثة صيادين في رحلة صيد.
الحدث المبدل: ظهور غزالة بشكل مفاجئ.
العقدة: مطاردة الغزالة وإصابتها بالرصاص.
الحل: موت الغزالة متأثرة بجراحها.
الوضع النهائي: ندم الصياد وتوبته عن الصيد.

مؤشرات السرد:
أ_ الزمان: مرة في حياة الصياد (لم نقل "أمس" بل حددنا من خلال حكاية الراوي الأساسي).
المكان: صحراء الرطبة (وليس مجلس الصيَّادين).
ب_ أدوات الربط المتعلقة بالزمان: لَمَّا، إذا، فــ، ثم، ثم إذا، حينئذ...
ج_ الشخصيات: الصياد، رفيقا الصياد، السائق، الغزالة.
د_ تسلسل الأحداث: خروج الصيادين في رحلة صيد، وظهور غزالة أمامهم، واندفاعهم في مطاردتها حتى إصابتها وموتها، ما جعل أحدهم يشعر بالندم.
هــ_ الجمل الخبرية: كنا ثلاثةً في رحلة، رابها هديرُ السيَّارة، فاندَفَعنَا وراءها، وما زلنا بها حتى أعْيَتها الحيل...
و_ الأفعال الماضية: وصلنَا، رابَها، أتْلَعَت، رَكَنَتْ، انْدَفَعْنَا...
ز_ ضمير المتكلم: حياتي، كنا، وصلنَا، لنا، نستحثُّ، ماشينَ، نريد...

نلحظ ضرورة تنويع الشواهد لكل مؤشر، فلا نكتفي بِفعلٍ ماضٍ واحدٍ أو اثنينِ، والأمر كذلك لشواهد ضمير المتكلم إذ ينبغي التنويع بين صيغ مختلفة: (المفرد: حياتي، الجمع: كنا، الضمير المستتر: ماشين...).

والمرسِل هنا ليس الكاتب، بل هو الصياد. وبالتالي المرسَل إليه: الصيادون. والغاية من المرسَلة: دعوتهم إلى ترك الصيد.

تابعوا معنا بنموذج جديد
إن شاء الله تعالى