حكايتي مع اللغة الفرنسية بقلمي أ. عمر

[ منتدى قلم الأعضاء ]


النتائج 1 إلى 20 من 25

العرض المتطور

  1. #1


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,308
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: حكايتي مع اللغة الفرنسية بقلمي أ. عمر

    الحلقة الثامنة: سندويشة وعصابة x

    كانت النيران تشتعل في عيني المعلمة، وهي تنظر إليَّ بغضب شديد، وأنا أنظر إليها بدهشة كبيرة، غير مدرك سبب غضبها، وتوقعت أنها ستبدأ بالصراخ واللوم والمعاتبة، ولكنها فاجأتني بابتسامة هادئة، وهي تقول بصوت عادي لا أثر للغضب في نبراته: Bonjour
    نظرتُ إليها ساخرًا، وأنا أتساءل؛ فيما بيني وبين نفسي؛ عن (الذكاء) لدى هذه المعلمة حتى تلقي التحية على الطلاب حين دخولها الصف، ثم تلقيها على كل طالب بعد ذلك! ومن هذا المنطلق أجبتُها بتهكم:
    (عرفتُ أنه Bonjour! وماذا بعد)؟!
    أعتقد أن المعلمة تمالكت نفسها بصعوبة، لئلا تنفجر بالصراخ في وجهي مع هذه الإجابة، وإن بان الغضب واضحًا في صوتها إذ تقول لي: (Levez_vous)
    ساورتني الشكوك في عقل المعلمة، فسألتها بحذر شديد: (لماذا؟ ماذا تريدين منها)؟ وكان ردي رائعًا جعل المعلمة تبهت مكانها، ولا تستطيع أن تبدي حراكًا، لكني رأيتها تنظر إليَّ بحذر، وكأنها تشعر بالدهشة من أمر ما، ولم أعلم لم ارتفعت الضحكات في الصف، وإذ استعادت المعلمة توازنها صرخت باستنكار تام (Quoi)؟!
    رددتُ باستنكار مماثل (Pourquoi)؟! فصرخت المعلمة بي: (Levez_vous) فتحتُ لها حقيبتي، لأنهي هذه المهزلة، هاتفًا بها: (إنها هنا في الحقيبة، لم آكلها بعد)! ليرتجَّ الصف بضحك التلاميذ، والمعلمة تصرخ مجددًا، باستنكار تام:
    (Quoi)؟! وأنا أرُدُّ باستنكار أشد:
    (Pourquoi)؟!

    ارتفع دوي الضحك، والمعلمة تسألني سؤالًا ما لم أفهمه، وإن توقعتُ أنها تطلب الدليل، فلم أتردد لحظة، أخرجتُ لها السندويشة من الحقيبة، وأخبرتُها أنها سندويشة لبنة وخيار، وأني لم آكلها بعد، ولا أعلم لماذا تسألني عنها، وأخذت المعلمة تصرخ وتولول بكلمات ربما هي نفسها لا تدري معناها!
    أنا لم أنتبه إلى أن كل رفاقي كانوا واقفين للمعلمة، وهي تسألني عن (اللِفة)، فظننتها تسأل عن السندويشة، لأننا نقول لها (اللَّفِّة)، ولم أفهم أنها تطلب إليَّ أن أقف لها مثل رفاقي إلا بعد وقت طويل من السنة الدراسية! ولكني لا ألوم نفسي، فهذا المصطلح (Levez_vous) جعلني أظنها تسألني عن السندويشة الخاصة بي، فظننتُ بعقلها الظنون، وظنَّتْ هي أنني أنكِّت وأتظارف معها!

    وانطلقت المعلمة تحكي باللغة الفرنسية بسرعة كبيرة، ولا تفسر شيئًا مما تقول، ومَرَّ حوالي نصف ساعة، وأنا لا أفهم أي شيء، فسألتُ رفيقي الذي يجلس بجواري (ماذا تقول المعلمة)؟ أجابني بلا مبالاة (اسألها)! وهكذا نفذتُ خطته الرائعة، وسألتُها! بكل بساطة ألقيتُ عليها السؤال، ولكني لم أستفد شيئًا.
    بكل براءة وحماسة للتعلم، قلتُ لها (ما الذي تقولينه يا مدام)؟ فنظَرَتْ إليَّ بغضب، وكأنها تظنُّ أنني ما زلتُ أنكِّت، وأنا لم أفهم سبب غضبها آنذاك، بل تساءلتُ ما بيني وبين نفسي، هل هناك أي (ثأر) تحمله هذه المعلمة لي؟! ثم ظننتُ أنني ظلمتُها بظنوني، فلقد سألَتْني ما الذي لم أفهمه، وأي (جزئية) في كلامها (تبدو) غامضة، فأجبتُها متحمسًا: (كل يللي قلتِه من أول ما دخلتِ الصف إلى الآن، لم أفهم منه ولا حرفًا واحدًا، أعيدي كل ما تكلمتِ به، وباللغة العربية)!

    كادت المعلمة تجيب، ولكني صرختُ بها آمرًا إياها (هياااا)! ولا أعلم أي صفة لي حتى آمرها، وكان أن ردَّت بكلمة واحدة، كلمتها الشهيرة: (Quoi)؟! ما أشعرني بالتأثر لهذا الشرح العميق، فشكرتُها قائلًا: (Pourquoi لهذا الشرح، الآن فهمتُ اللغة الفرنسية بأكملها، شكرًا لكِ... أأه، عفوًا عفوًا، باردون! أقصد Merci)!
    انهمر وابل من الكلمات الفرنسية فوق رأسي هنا، كأنه مطر غزير، لم أفهم منه شيئًا على الإطلاق، فابتسمتُ في وجه المعلمة ابتسامة عريضة، وأغلقتُ عينيَّ كأنني أريد أن أنام، ولم أعرف كيف مرَّت تلك الحصة التعيسة!

    ولكن درب السعادة ما يزال طويلًا، اليوم التالي دخلت المعلمة نفسها وانطلقت تتكلم باللغة الفرنسية، وقررتُ أن أفتح صفحة جديدة معها، فرفعتُ يدي طالبًا الكلام، وانتظرتُ حتى أشارت إليَّ المعلمة، لأسألها بكل تهذيب إن كان يمكنها أن تفسِّر؛ وباختصار شديد؛ ما تطلبه منا، فكان أن كتبت المعلمة اسمي على اللوح!
    تقنية جديدة في عالم التدريس لم أسمع بها من قبل! أن تكتب المعلمة أسماء من يطلبون السؤال على اللوح، ثم تستمع إلى أسئلتهم لاحقًا! فهتفتُ بها مستحسنًا: (حلو! أنا موافق)! فارتفعت الضحكات من الزملاء، ووضعت المعلمة بجوار اسمي علامة x

    رائع! رائع! معلومة عالمية فعلًا! لم أتمالك نفسي فهتفتُ بالمعلمة متهكمًا: (هل أصبحتُ من عصابة الأخ x وأنا لا أعرف)! أسرعت المعلمة تضع علامة x ثانية إلى جانب الأولى، لأهتف بتهكم لاذع: (برافو! أنا من عصابة x الثنائي)! وكان نتيجة ذلك ال x الثالثة!
    أسرع رفيقي هنا _ ويا لها من سرعة _ يلكزني بمرفقه، ويهمس لي أن أتوقف عن الكلام باللغة العربية، لأن ال x يعني أنني أتكلم باللغة العربية، فسألتُه ساخرًا، بصوتٍ مرتفع: (وهل z يعني أنني أتكلم باللغة الفرنسية، وy يعني أنني أتكلم باللغة الإنكليزية)! فكان أن نلتُ ال x الرابعة هنا!

    التزمتُ الصمت بعدها، لأني أدركتُ أن أسلوبي الساحر، أقصد الساخر، لا ينفع مع هذه المعلمة، ولكني لم أفهم معنى هذه ال x المتكررة، فآثرتُ أن أتوقف عن الكلام مع المعلمة، لأنه لا فائدة تُرجَى من ذلك، غير أنني لم أبق ساكتًا إلى نهاية الحصة، وكيف أفعل، والمعلمة الحنون تمسح إحدى علامات ال x من جوار اسمي؟! وضعتُ يدي فوق قلبي هاتفًا: (أوه لالا! عفوكِ السامي هذا أثَّر بي وبكياني، ولا أعلم كيف أشكركِ عليه، ولكن هل يعني هذا أن مقدرتي على التكلم باللغة العربية قد انخفضت)؟!
    مع هذه الكلمات وصل عدد ال x إلى حوالي 10 فقط! ومرة أخرى ألتزم الصمت، لأنني أردتُ أن أفهم ما يحصل، شككتُ بسلامة المعلمة عقليًا ببساطة، وكان من نتيجة الصمت أن المعلمة مسحت علامة x واحدة، فوضعتُ يدي على قلبي، وأخذتُ ألوِّح بيدي، وأحرِّك فمي، لكن من دون أن أتكلم، وهي تنظر إليَّ بغيظ تام، ولقد كرَّرْتُ لها هذه الحركة عدة مرات، كلما مسحت x أخرى، حتى انتهت الحصة، وقد عاد اسمي صافيًا من دون علامة ال x، أيعني هذا أنني قد نسيتُ اللغة العربية بنظر المعلمة يا ترى؟!

    رغم رنين الجرس ظلت المعلمة واقفة في الصف تتكلم، ثم أشارت إليَّ لآتي إليها، فعلتُ ذلك، وإذ بها تتكلم معي، وباللغة العربية! يا للمعجزات! وتعطيني ورقة فيها نص كبير باللغة الفرنسية طبعًا وتطلب إليَّ أن أحفظه لتسمعه لي اليوم التالي، أخذتُ الورقة منها متحمسًا، أريد أن أنضم لرفاقي في الصف، هم يجيدون اللغة الفرنسية ويتحاورون مع المعلمة، ووحدي أنظر إليها كأنها تتكلم بلغة أهل المريخ، كأنني لم أدرس اللغة الفرنسية في صف دراسي واحد قبل ذلك!
    ورغم صعوبة الحفظ باللغة الفرنسية سهرتُ لأبعد من منتصف الليل حتى حفظتُ النص بأكمله، قلتُ لنفسي سترى المعلمة اجتهادي وأنني جادٌّ في التعلم، فتهتم بي وتشرح لي ما تقوله في الصف، وما كادت المعلمة تدخل؛ اليوم التالي؛ حتى قمتُ إليها لأسلمها الورقة، وسمَّعْتُ النص بأكمله من دون أي خطأ، فمزَّقت المعلمة الورقة وألقتها في سلة المهملات، طالبة إليَّ الرجوع إلى مكاني بإشارة من يدها!

    لا أعلم كيف تمالكتُ أعصابي هنا، لأسألها بهدوء مفتعل، وأعماقي تغلي: (كم سأنال من العلامات لهذا التسميع)؟ ردَّت المعلمة هنا ببساطة أن هذا التسميع ليس للعلامات، بل إنه Punition! ردَّدتُ خلفها بذهول: Punition؟! يعني فندق؟! وأخذت حضرتها تولول بلغات غريبة عجيبة، ثم أجابتني بأن ال Punition يعني القصاص، وذلك لأنني تكلمتُ باللغة العربية الحصة الفائتة!
    يا للمصيبة!! ساعات طوال من الدرس والحفظ والسهر والإجهاد، وتسميع مثالي ليس فيه خطأ واحد، لتُرمَى الورقة في النفايات، وذلك لأن هذا التسميع قصاص لي؟! فقدتُ أعصابي هنا نهائيًا لأقدم على تصرفات غير متزنة... نهائيًا!

    تابعوا معنا
    التعديل الأخير تم بواسطة أ. عمر ; 23-11-2017 الساعة 07:57 PM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...