2_ حلول مشكلات ضعف التعبير الشفوي:
أولى خطوات الحلول، تبدأ معنا في الحلقة الأولى، من الصف الابتدائي الأول، بتحويل مجال التعبير الشفوي مجالًا رئيسًا ضمن علامات التلاميذ، وليس لقائل أن يقول إنهم أطفال، فكيف لنا أن نطلب إليهم التعبير الشفوي؟ هذا لأن التأسيس الصحيح يبدأ منذ الصغر، وحينما يُهمَل هذا التأسيس، يتابع التلميذ بضعف ملحوظ إلى الصفوف اللاحقة، لنجد أنفسنا أمام المشاكل التي نحاول حلها، ولو أن التأسيس قائم على أصوله، لما وصلنا إلى هذه المرحلة، أو لما كانت المشكلة بهذه الحِدَّة!
ونعلم أن التأسيس ليس كلمة تُقال، بل هو عمل متواصل وسعي دؤوب، ولكن التلميذ يستحق ذلك، فما أخرجه أهله من بيته وألعابه ليأتي إلينا إلا ليتعلم، وعلينا أن نقوم بواجبنا تجاهه على أكمل وجه ممكن.
ولا بدَّ من تفعيل التعبير الشفوي وتنويعه، وما أجمل أن نُفسِح المجال للتلميذ كي يعبِّر شفويًا عن أية مشكلة عائلية أو موقف رآه في منزله، أو مَرَّ به، أو لعل أحدًا يحبُّه أو يعرفه قد مَرَّ به، ليعبِّر لنا التلميذ عن ذلك الموقف تعبيرًا شفويًا حرًا، بعبارات قليلة، وباللغة العربية الفصحى، فربط لغة المادة بحياة التلميذ واهتماماته، قد يخفف الفارق التناقضي ما بين اللغتين.

وبما أن التعبير الشفوي له مجالاته المستمرة كل حصة في حصص اللغة العربية تقريبًا، فالواجب يقتضي أن نتخلص من النظرة التقليدية إلى المحادثة التحليلية بعد القراءة الصامتة، والتي تقتضي تقنية غريبة فعلًا، تتلخص بطرح (ثلاث أسئلة)، ولم نطرح ثلاث أسئلة فحسب؟ هذا خطأ فادح، علينا أن نزيد في الأسئلة التحليلية بقدر المستطاع، وتوجيهها إلى أكبر عدد ممكن من الطلاب.

أما المطالعة فيجب أن تكون حصة تفاعلية، تقتضي تخصيص وقت ولو بسيط للطالب لنسأله حول المعلومات التي قام بتقديمها لنا من القصة التي اختارها، مركزين على أسئلة تفاعلية، أسئلة تنطلق من واقع القصة والشخصيات والأحداث، وما الذي أعجب الطالب فيها وما الذي لم يعجبه، وأي تصرف كان رائعًا بنظره، وأي تصرف لم يجده منطقيًا، ليسوِّغ لنا الطالب سبب اتخاذه هذا الموقف أو ذاك، أما المطالعة التي تهدف إلى نسخ الطالب معلومات التوثيق، فهذه لا تقدِّم ولا تؤخِّر، إلا باكتساب الطالب بعض المفردات الجديدة، وقد يكتفي بالتوثيق ولا يقرأ بتعمق ليكتسب شيئًا!

غير أن كل هذا لا يكفي، ما لم نستخدم طريقة التشجيع المستمرة للتلميذ المشارك معنا، بعبارات ترفع معنوياته، فالهدف ليس (فقط) اللغة الفصيحة، بل الهدف جزءان أساسيان، جزء رأي التلميذ الذي يجب أن يشعر بأن رأيه مهم لنا، وأن ما يقوله يستحق الاهتمام والتشجيع، وجزء اللغة الفصيحة، ولا يمكن إهمال أي جزء منهما بالتركيز على الجزء الآخر، وإلا فستكون تقنية التعبير الشفوي مضيعة للوقت لا أكثر ولا أقل!

إذًا، علينا احترام رأي التلميذ الذي يقوله لنا، بل وعلينا أن نتقبل إجابته باللغة العامية لو أجاب بها! على أننا لا نكتفي بذلك طبعًا، ولكن أكبر خطأ نلحظه في عملية التدريس، أن يقاطع الأستاذ التلميذ الذي يُعَبِّر شفويًا كل ما نطق بكلمتين أو ثلاث، ليصحح له، ما لا يُشعِر التلميذ بأن الأستاذ يحترمه ويقدِّر إجابته، وربما يتسبب ذلك بانخفاض معنوياته، وتنفيره من المشاركة، ونحن ننظر إلى الطالب على أنه لا يُجِيد التعبير الشفوي، وربما لا نُدرِك أننا سبب ذلك، بدلًا من كوننا سبب الحل والمساعدة.

يجب أن يشعر التلميذ؛ أولًا وقبل كل شيء؛ أن رأيه مهم، وأنه محور العملية التعلمية، وأنه يجب أن يتكلم ويُعبّر عما يريد قوله، وأن دورنا الاستماع إليه، وبعد أن ينال التلميذ احترامه الكافي، باستماعنا إليه من دون مقاطعة تعبيره الشفوي، نصحح له رأيه إن كان خاطئًا بأسلوب الحوار بيننا وبينه، وصولًا به استقرائيًا إلى معرفة الإجابة الصحيحة والرأي الأصوب، حتى لو كان يحاورنا باللغة العامية، فنحن علينا أن نتكلم معه باللغة الفصيحة فحسب، وبعد أن يُنهِي التلميذ إجابته الأخيرة، نشجعه لإجادته الإجابة، ثم نعيدها له باللغة الفصيحة، طالبين منه أن يعيدها من بعدنا.

هذا الأمر يزيد التلميذ ثقة بنفسه، فهو الذي يجب أن يتكلم، ونحن من يجب أن نتولى دور الإرشاد والتصحيح المساعِد، بلطف وهدوء، لا بمقاطعة الطالب حتى نفقده ثقته بنفسه، بل وعلينا أن ننطلق به أبعد من النص المكتوب إلى أسئلة أخرى من وحي النص، لكنها تتناول معالجات جديدة، فهذا النص عن أم تَعِدُ ابنها بلعبة يوم العيد، ولا تملك ثمنها، فتسرقها، إذًا، نريد رأي التلميذ؛ حواريًا؛ عن وعد الأمر بما لا تملك، وعن سرقتها، وكيف ينظر إلى الأمرين ولماذا، وأيًا ما كان رأيه، فإن تسفيهنا إياه، أو السخرية منه، سيجعل التلميذ ينفر من المشاركة في التعبير الشفوي، فعلينا كل الحذر من ذلك، ليس واجبًا على التلميذ أن يوافق آراءنا الشخصية، وتقنية التعبير الشفوي قائمة لِيُعَبِّر التلميذ عن ذاته، لا ليكون مرآة لأذهاننا وما يدور فيها!

وعلينا تشجيع التلاميذ، فعليًا، لا بالكلمات وحدها، بل بزيادة العلامات من جهة، وبالسعي للحصول على تنويهٍ للمجتهدين من قبل الإدارة، وتشجيعهم بإذكاء روح المنافسة في ما بينهم، ولا بأس بورقة كبيرة في حائط الصف، ندوِّن فيها الإجابات المميزة، ونطلب من التلميذ الذي ندوِّن إجابته أن يضع لنا (توقيعه الشخصي) إلى جانب إجابته!

أما من لا يشاركون، فالأمر ليس وفق هواهم، يجب علينا أن نشجعهم على المشاركة، وأن نعطيهم دورهم، كتلاميذ فاعلين في الصف، نشيطين ومميزين مثل رفاقهم الذين يندفعون للإجابة، لا فارق بين هؤلاء وأولئك، وإن كان الخجل غالبًا بادئ الأمر من التعبير الشفوي، فعلينا مراعاة وضعهم، وبدلًا من منحهم صفرًا في حصص التعبير الشفوي، فلنطلب إليهم تدوين الإجابة مكتوبة، ثم نقرأها نحن، ونحاول معهم تدريجيًا حتى يعيدوها هم بعد كتابتها، وسنصل بهم إلى مرحلة أن يجيبوا بأنفسهم بدلًا من اللجوء إلى الكتابة قبل ذلك.
ويجب أن نأخذ بالصبر على التلميذ المرتبك، أو المتلعثم، وعدم السماح لأحد بالسخرية منه، كي لا ينزوي بعيدًا عن المشاركات، فربما يضحك بعض التلاميذ على رفيقهم الذي لا يكاد يجيد قول كلمتين متتاليتين، ودورنا هنا أن نمنع حصول ذلك بحزم، لكن من دون اللجوء إلى العنف اللفظي بحق التلاميذ. على أن للأساتذة دورًا إضافيًا لا يَقِلُّ أهمية، ويتجلى هذا الدور بمعالجة الأستاذ أي ضعف ماثل لديه في التعبير الشفوي، قبل أن ينطلق إلى معالجة ما يَجِدُه عند التلاميذ، وذلك ليضمن الأستاذ أنه يتكلم في الصف ويُعَبِّر باللغة الفصيحة السليمة، نُطقًا وترابطًا، فأنى لنا أن ننتظر من التلميذ التعبير الشفوي الصحيح لغويًا، إذا ما افتقرنا نحن الأساتذة إلى ذلك؟ ويجب أن نخصص علامة للتعبير الشفوي، كي لا يعتبرها الطالب حصة تمضية الوقت فحسب، أو أنها (مجرد أسئلة) يَتِمُّ طرحها تقليديًا بعد القراءة الصامتة!
فالتعبير الشفوي ينطلق كذلك من قراءة صورة النص، إضافة إلى هذه الأسئلة التحليلية، ولا بد من أن يُدرِك التلميذ أن إجابته لها درجتها من العلامات، ليسعى جاهدًا إلى الاهتمام بها، لكن من دون مبالغة بتقدير العلامة، ولا للتنفير بما يمنح التلميذ علامة منخفضة مهما أجاب وأجاد، ولا لتسخيف الأمور بما يُعطِي التلميذ علامة مرتفعة من دون أن يستحق سوى جزءٍ بسيطٍ منها!

بل إنه يمكن لنا تحويل حصص التعبير الكتابي إلى تعبير شفوي في بعض مراحلها، فليس لنا أن نكتفي بإعطاء التعبير الكتابي وظيفة منزلية فحسب، والأفضل أن ندوِّن نص التعبير الكتابي المطلوب على اللوح، لنقرأه ونستقرئه مع طلابنا، بحوار حول كل بند فيه، وماذا يُمكِن أن نكتب فيه من الأفكار الرئيسة التي ينبغي توسيعها فيما بعد.

وأخيرًا، يجب وضع خطة عامة يلتزم بها كل أساتذة المواد الناطقة باللغة العربية، لتكون اللغة الفصيحة أساس الشرح والأسئلة والإجابات، ولتطوير موادهم بإدخال تقنية التعبير الشفوي فيها، لا نعطي الدرس، وأنت اقرأ، وأنت تابع، بل لنسأل الطلاب _ في حصة التاريخ مثلًا _ عن رأيهم بأسباب اندلاع الحرب العالمية الأولى، وليعبِّروا شفويًا عن معاهدة فرساي وبنودها، وهل لها دور مباشر أو غير مباشر في اندلاع الحرب العالمية الثانية، وما إلى ذلك، ما يحوِّل حصص سائر المواد وفق المسار التفاعلي، ويخدم اللغة العربية وملكاتها في أذهان الطلاب.

يجب أن يبدأ تأسيس التلاميذ على اللغة العربية الفصيحة والتمرس بملكاتها، منذ الصغر، ما يدلنا على أهمية متابعة التلاميذ وإعدادهم في الحلقتين الأولى والثانية، فإن نجحنا في عملية التأسيس، تابع التلاميذ سنوات التعليم، وقد تملَّكوا مادتهم بشكل صحيح.

قد يخصص بعض الزملاء من أساتذة الحلقة الثالثة حصة للتعبير الشفوي ختام كل محور، وهذا أمر جيد، لكن الأفضل منه أن يرافقنا التعبير الشفوي كل خطوة وكل درس، بالأسئلة الاستقرائية حول صورة الدرس، وبأسئلة التوقعات حول مضمون النص انطلاقًا من العنوان، وبأسئلة التحليل حول القراءة الصامتة، وبأسئلة الحوار حول مواقف الكاتب، ومواقف التلميذ المؤيدة أو المعارضة لما يذهب إليه هذا الكاتب من القول أو الرأي.

قد يكون التواصل الكتابي أمرًا رئيسًا في مادة اللغة العربية، لكنه ليس الأساس وحده، فلا بدَّ من أن يترافق والتواصل الشفوي، فالتواصل الكتابي يتمرَّس به التلميذ حتى ينال النجاح، أما تنمية قدرة التلميذ على التعبير الشفوي الصحيح، فإنها من أساسيات تعليم اللغة العربية، لا؛ بل إنها من أساسيات بناء شخصية الإنسان في الوقت ذاته، وهذا هدفنا التعليمي والتربوي أولًا وأخيرًا.