حـديث اليــوم


عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما بعثه إلى اليمن قال له: ” كيفَ تَقضي؟ ” قال أقضي بكتاب الله ، قال ” فإن لم يكُن في كِتابِ اللّه؟ ” قال فبسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال: ” فإن لَم يَكُن في سُنّة رسول اللّه ” قال أجتهد رأيي ولا آلو، قال: ” الحَمدُ للّه الذي وَفّقَ رسولَ رسولِ اللّهِ لما يُرضي رسولَهُ ” (رواه الإمام أحمد)


المؤمن قد سَلّم أموره كُلّها بيد الله فما هو إلا عبد ضعيف أمام عظمة الله الواحد الأحد، فهو يتلقى التشريع من الله ورسوله ، ولا يفضل عليهما لا رأيا استحسنه عقله ولا فكرة لاقت هوى في نفسه ابتغاء مصلحة دنيوية زائلة ما دامت لا تتفق مع أوامر الله عز وجل أو أوامر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم . أما إذا كان الأمر غير وارد في الكتاب وفي السنة المطهرة بعد البحث والاستقصاء ممن استكمل متطلبات الاجتهاد من علم وتقوى ، فباب الاجتهاد واسع. والفهم من الكتاب والسنة متفاوت بين العلماء ” وفوقَ كُلّ ذي عِلم عَليم ” فالفهم الاجتهادي يحتاج إلى تقوى وصدق مع الله تعالى . ولا يظنن ظان أن هذا الحديث مقتصر على القضاء بين الناس أو المسائل العويصة في الفقه ، فكل مسلم يمارس في حياته اليومية أمورا تفاصيلها غير وارد في الكتاب أو السنة وهو يقرر فيها حسب رأيه ، وهو نوع من الاجتهاد وهو اجتهاد شرعي إن كان مستندا إلى الكتاب والسنة وهو مثاب عليه إن كانت نيته صادقة . فحينما تمر بالمسلم واقعة يحتاج فيها إلى قرار سواء كان ذلك في أمر من أمور الدين أو الدنيا فإنه يبحث سريعا بنفسه أو بسؤال العلماء الأتقياء هل في ذلك الأمر حكم في القرآن فإن لم يجد ففي السنة ، فإن لم يجد إجتهد رأيه بما آتاه الله تعالى من عقل واستنباط بأفضل ما يستطيع قياسا على ما يعلم مما ورد في الكتاب والسنة ثم يتكل بعد ذلك على الله تعالى وينفذ ذلك. لقد فصّل الفقهاء المجتهدون في أصول الفقه ووضعوا لهذه الأمة تراثا فقهيا تباهي به الأمم بحق. ولهذه الأصول الثلاثة (الكتاب والسنة والاجتهاد) ترجع الأصول الأخرى ، رغم كونها تعتبر أحيانا أصولا مستقلة . فالقياس ما هو إلا نوع من الاجتهاد وعمل أهل المدينة (عند الإمام مالك) ما هو إلا سُنة (لقرب عهده من زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم)ـ ، والإجماع هو أعلى درجات الاجتهاد لأنه اجتهاد مجتهدي الأمة مجتمعين . وهكذا تجد أصول هذا الدين راسخة وواضحة في الوقت عينه ، وما على المسلمين سوى الأخذ من هذا المعين الصافي ، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: ” تركتُكُم على المِحَجّة البيضاء ليلُها كنهارِها ، لا يضل عنا إلاّ زائغ ”. نقلا عن كتاب الاستقامة في مائة حديث نبوي للدكتور محمد زكي محمد خضر موقع الاستقامة