الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين
سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم
فها قد عدنا إليكم بعد غياب دام لأسبوعين لنضع بين أيديكم
القانون الثالث من سلسلة قوانين البيت المسلم
إن أهل البيت الواحد جيران وزيادة، وخلطاء وزيادة، وأرحام وزيادة، ومن هاهنا يتأكد في حقهم ألا يؤذي بعضهم بعضاً،
ومن أهم المزعجات والمؤذيات الضجيج في البيت، ورفع الصوت.
فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ولا يجهر بعضكم على بعض في القرآن" فمن باب أولى ألا يشوش بعضنا على بعض فيما سوى ذلك.
فالبيت المسلم لا يسمع أهلُه ما يؤذيهم أو يشوش عليهم أو يزعجهم، ولا يسمع منه جيرانه مثل ذلك، وتطبيقات ذلك كثيرة.
فأحياناً يفتح أحدهم الراديو والتلفزيون بما يشوش على الآخرين في الدار وخارجها،
وأحياناً يقرأ أحدهم بصوت عالٍ مما يشوش على أهل الدار وعلى الناس في الخارج ،
وأحياناً يفتح أحدهم المكبر أو المذياع بما يشوش على مجمع الناس،
وأحياناً يتناقش أهل البيت مع بعضهم أو مع غيرهم بصوت عالٍ بما لا تفهم منه حكمة وبما يتنافى مع أدب الجلسات،
وأحياناً يترك للصغار أن يبكوا والضيوف جلوس ولا يهتم أهل البيت بذلك،
وأحياناً ترفع المرأة صوتها داخل البيت والضيوف جلوس والجيران يسمعون، وكل ذلك مستنكر مستغرب مخل بالأدب.
لقد قال الأستاذ البنا في إحدى وصاياه: "لا ترفع صوتك فوق ما يحتاجه السامعون فإنه رعونة وإيذاء"، فرفع الصوت بالنقاش أو بالضحك والقهقهة أثر عن رعونة النفس ودليل على أنها لم تتهذب ولم يستطع صاحبها أن يضبطها بالضوابط الشرعية، كما أن رفع الصوت فيه إيذاء للغير لأنه يدل على عدم الحشمة وعلى عدم احترام السامعين وهو خروج عن أدب الكلمة وعن طريق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكلام.
وهناك أدب عظيم ينبغي أن تنتبه إليه المرأة خاصة: وهو ضرورة التحكم في صوتها وفي كلامها، فمن المعروف أن بعض العلماء يعتبرون صوت المرأة عورة إذا تكلمت لغير ضرورة أو حاجة، أو تكلمت بلهجة خاضعة، قال الله تعالى: {فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض}. وقد دأب أهل الفضل والمروءات أن يُربّوا النساء على ألا يسمع الضيوف أصواتهن وألاّ يسمع الجيران أصواتهن، وقد دأبت فضليات النساء على مراعاة هذا المعنى، بل اعتاد بعض الفضليات أن يكتفين بنقر الباب إذا جاءهم طارق ويسمعن دون أن يتكلمن، وهذا أدب صعب ولذلك لم يأخذ طابع التعميم، ولكنه مستحسن عند أهل الكمال.
ومما يحدث عادة بين الجيران أن يتشاجر الأطفال، فينتقل الشجار إلى النساء ثم إلى الرجال، وقد يكون ذلك بين الأقارب فتتقطع بذلك الأرحام وذلك كله من نقصان العقول ونقصان التربية، فلو كانت تربية الأطفال كاملة ما تشاجروا ولو كانت العقول كاملة ما انتقل الشجار إلى الكبار.
وإيذاء الجوار كبيرة تدخل صاحبها النار، وفي الحديث عن أبي هريرة قال: قال رجل "يا رسول الله إن فلانة يذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها قال: هي في النار. قال: يا رسول الله فإن فلانة يذكر من قلة صيامها وصدقتها وصلاتها وإنها تصدق بالأتوار من الأقط ولا تؤذي جيرانها بلسانها قال: هي في الجنة".
وإيذاء الجوار يتصور بالتشويش عليهم، ووضع الأذى في طريقهم أو عند بيوتهم، أو في عدم مراعاة أوضاعهم كإظهار الفرح حين يحزنون وعدم المبالاة حين يمرحون، إلى غير ذلك مما يتنافى مع راحة الجار. وبناءً على ما مر فليلاحظ أهل البيت المسلمون ما يلي:
أولاً: إذا أرادت المرأة حاجةً من رجال البيت وهم مع ضيوفهم فلتقرع الباب بدلاً من النداء.
ثانياً: إذا قرع الباب وكان في البيت ذكور فهم الذين يتولون الرد وإلاّ فلتجب النساء بأقل قدر ممكن من الكلام وبصوت لا يظهر فيه أثر لضعف.
ثالثاً: إذا تحاور الكبار فيما بينهم أو الصغار فيما بينهم أوالكبار مع الصغار فليكن ذلك بخفض صوتٍ.
وإن مما ينبغي أن يعتاده أهل البيت المسلم الكلام الهامس بحيث يقابلون باستغراب أي رفع للصوت سواء في ذلك المناقشات أوالحوار أو الطلب.
رابعاً: أن يتجنب أهل البيت كل ما يزعج من تشويش أو إيذاء أو رفع الصوت.
خامساً: ألا يستعمل أحد حاجيات البيت مع ضجيج ممكن اجتنابه.
سادساً: ألا يعامل الأطفال بعدم مبالاة إذا بكوا.
سابعاً: وإن مما ينبغي أن يعتاده أهل البيت المسلم كتمان الأسرار، فكل ما يجري في البيت لا ينبغي أن يتحدث عنه أهله
ومن أهم ما ركز عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ألا يتحدث الزوجان عما يدور بينهما،
فقد جاء في الحديث الذي أخرجه مسلم وأبو داود "شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة وتفضي إليه ثم ينشر سرّها".
إن هذا الحديث الشريف معلم من معالم تربية البيت المسلم، لقد جرت عادة بعض النساء أن يتحدثن إذا اجتمعن بما لا ينبغي من أمور الحياة الزوجية الخاصة،
وبما يدخل في دائرة اللغو أو السفه وهذا عيب كبير، كما جرت عادة بعض أهل البيت أن يفضحوا ما يجري في البيت مما يسيء إلى سمعته،
وقد يتحدثون عن بعض أهليهم بما يسيء إلى سمعتهم، وهذا مما ينبغي أن يحتاط فيه أهل البيت المسلم،
فكما أن خفض الصوت مطلوب، فكتمان الأسرار مطلوب.
نسأل الله عز وجل أن ينفعنا بما علمنا وأن يرزقنا الإخلاص فى أقوالنا وأفعالنا
وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه
ونخبركم بأنه سيتم وضع موضوع للنقاش فى تطبيقات القوانين بعد عدة أيام لنرى مدى الإستفادة من هذه القوانين
وجزاكم الله خيراً
المفضلات